🔵 بث مباشر ... دردشة في الطاقة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم وممارسات ما يُعرف بـ"الطاقة" وتقنياتها، مثل الريكي، الثيتا هيلينغ، البرانا، الأكسس بارز، وغيرها، عبر وسائل
نقد فلسفات الطاقة وحركة العصر الجديد: رؤية تحليلية
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم وممارسات ما يُعرف بـ"الطاقة" وتقنياتها، مثل الريكي، الثيتا هيلينغ، البرانا، الأكسس بارز، وغيرها، عبر وسائل الإعلام وكتب تطوير الذات وحتى في بعض العيادات النفسية والطبية. هذه الممارسات، رغم تسويقها تحت مسميات علمية أو روحية، تحمل في جذورها فلسفات دينية وفكرية قديمة، غالبًا ما تتعارض مع العقيدة الإسلامية والعلم التجريبي الحديث. في هذا المقال، سنستعرض بتسلسل تاريخي ونقدي جذور هذه الأفكار، آليات انتشارها، وكيفية تداخلها مع الدين والعلم، وأبرز الإشكالات العلمية والدينية المرتبطة بها.
الجذور الفلسفية لحركة الطاقة
1. وحدة الوجود والحلولية
تتكرر في الأفلام والمسلسلات والكتب عبارات مثل "الكون هو الإله" أو "الله هو الكون"، وهي تعبيرات مستمدة من فلسفات وحدة الوجود والحلولية، حيث يُعتقد أن الإله والكون شيء واحد، أو أن الإله قد حلّ في كل شيء. هذه الفلسفات ظهرت في الهندوسية والبوذية والطاوية، ثم انتقلت إلى الفلسفة اليونانية، ونتج عن تداخلها ما يُعرف بالغنوصية.
2. الغنوصية والعصر الجديد
الغنوصية أثرت بشكل كبير على ما يُسمى اليوم بـ"حركة العصر الجديد" (New Age Movement)، والتي تروج لفكرة أن الإنسان يستطيع عبر التأمل والتقنيات الروحية أن يحقق السعادة والشفاء ويصل إلى مستويات عليا من الوعي. من أشهر رموز هذه الحركة ديباك شوبرا، واين داير، وغيرهم، الذين يكررون مقولات وحدة الوجود ويخلطون بين مفاهيم دينية وفلسفية متعددة.
كيف انتقلت هذه الفلسفات إلى حياتنا اليومية؟
1. تسلل عبر تطوير الذات وعلم النفس
كتب تطوير الذات، وخصوصًا الحديثة منها، مليئة بمفاهيم مستمدة من الفلسفات الشرقية. حتى بعض رواد علم النفس مثل كارل يونغ تأثروا بهذه الأفكار، وترجمت أعمالهم كثيرًا من الفلسفات الهندوسية والبوذية إلى لغة علم النفس الغربي.
2. تداخل مع الدين الإسلامي
للأسف، دخلت بعض هذه الأفكار إلى بعض الاتجاهات الصوفية المغالية، حيث تم ترديد نفس المقولات القديمة عن وحدة الوجود والحلولية، وأصبحت تُطرح أحيانًا على أنها جزء من التصوف الإسلامي، رغم تعارضها مع العقيدة الإسلامية الصحيحة.
3. إعادة تغليف الممارسات الوثنية
الكثير من تقنيات الطاقة المنتشرة اليوم، مثل الريكي والثيتا هيلينغ، ليست سوى إعادة تغليف لممارسات وطقوس دينية وثنية قديمة، من الهندوسية والبوذية والكبّالا اليهودية، وحتى الديانات المصرية القديمة. تم تحويل هذه الطقوس إلى "تقنيات" أو "علاجات" تحمل أسماء براقة لجذب الناس الباحثين عن الشفاء أو السعادة.
لماذا يقبل الناس على هذه الممارسات؟
يبحث كثير من الناس عن مخرج أو حل لمشاكلهم النفسية أو الجسدية، خصوصًا من مرّوا بتجارب صعبة أو مؤلمة. يجد البعض في هذه الممارسات كلامًا إيجابيًا وشعورًا مؤقتًا بالراحة أو الأمل، خصوصًا مع تكرار عبارات مثل "أنت في أصلك خير" أو "الكون سيساعدك". لكن مع الوقت، يكتشف الكثيرون أن هذه الوعود فارغة، وأن المشاكل الحقيقية في الحياة تحتاج إلى صبر وأمل حقيقي، وليس إلى حلول سحرية.
الإشكالات العلمية والدينية
1. غياب الدليل العلمي
رغم تسويق هذه الممارسات على أنها "علوم طاقة"، إلا أنها تفتقر لأي إثبات علمي حقيقي. لا توجد دراسات علمية موثوقة تثبت فعالية تقنيات الطاقة في علاج الأمراض الجسدية أو النفسية. كثير من التجارب التي يُستشهد بها إما غير دقيقة أو تم تفسيرها بشكل غير علمي، مثل الادعاء بأن تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي يُثبت فعالية الأكسس بارز، في حين أن وجود إشارات في الدماغ أمر طبيعي لأي نشاط بشري.
2. تزييف المفاهيم الدينية
يقوم بعض مروجي هذه الممارسات بخلط نصوص دينية إسلامية أو مسيحية أو يهودية بمفاهيمهم، فيستشهدون بأحاديث أو آيات قرآنية أو أقوال الأنبياء، لكن بفهم وتحريف يتناسب مع فلسفاتهم. على سبيل المثال، يتم تفسير "ونفخت فيه من روحي" بطريقة تدعم وحدة الوجود، أو يتم الاستشهاد بآيات عن التغيير الذاتي لإثبات أن الإنسان يستطيع تغيير الكون من حوله بمجرد تغيير نفسه.
3. مزاحمة الدين والعلم الحقيقي
تسعى هذه الحركات إلى مزاحمة الدين الإسلامي والعلوم التجريبية، بل واستبدالهما بمفاهيم باطنية غير مثبتة. فيتم إقناع الناس بأن المشي حافيًا على الرمال أو ممارسة التأمل الطاقي له فوائد طبية أو روحية مثبتة، رغم أن هذه الممارسات تعود في أصلها إلى طقوس وثنية ولا يوجد لها أي دليل علمي.
أمثلة عملية على تزييف "الطب الطاقي"
- الطب الشعوري: يُروج له باعتباره علاجًا حديثًا، في حين أن مصدره فلسفات الكبّالا الباطنية. يتم تفسير الأمراض الجسدية بتفسيرات نفسية أو روحية لا علاقة لها بالطب، مثل ربط الإمساك بكتمان الأسرار، أو ربط تكيس المبايض بمشاكل الطفولة مع الأب.
- استخدام الأجهزة الطبية: يدّعي بعضهم أن تصوير الدماغ يُثبت فعالية تقنياتهم، في حين أن أي نشاط ذهني طبيعي يظهر إشارات في الدماغ، ولا علاقة له بفعالية العلاج.
كيف نواجه هذه الموجة؟
- الوعي بالجذور الفلسفية: من المهم فهم جذور هذه الممارسات وأصولها الدينية والفلسفية، حتى لا ننخدع بمسمياتها البراقة.
- الرجوع للعلم التجريبي: يجب الاعتماد على الدراسات العلمية الموثوقة عند تقييم أي علاج أو تقنية.
- الحفاظ على العقيدة: يجب التمييز بين ما هو من صلب العقيدة الإسلامية وما هو دخيل عليها، وعدم الانسياق وراء مزاعم وحدة الوجود أو الحلولية.
- التثقيف الذاتي: قراءة الكتب النقدية الموثوقة، مثل كتاب "حركة العصر الجديد" للباحثة هيفاء الرشيد وغيرها، لفهم تفصيلات هذه الحركات ونقدها.
- التمييز بين العلوم الدنيوية والدينية: الإسلام لا يعارض الاستفادة من العلوم التجريبية النافعة، لكن يرفض إدخال المعتقدات الوثنية أو الفلسفات الباطنية في الدين أو الطب.
خلاصة
انتشار فلسفات وممارسات الطاقة ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو امتداد لحركات فكرية ودينية قديمة أعيد تغليفها لتناسب العصر الحديث. من المهم أن نتعامل معها بوعي ونقد علمي وديني، وألا ننخدع بمسميات براقة أو شهادات مزيفة. الحفاظ على نقاء العقيدة، والاعتماد على العلم الصحيح، هو السبيل لمواجهة هذه الموجة الفكرية الخطيرة.
المصادر المقترحة للقراءة:- كتاب "حركة العصر الجديد" – هيفاء الرشيد- كتب نقدية عن الغنوصية والفلسفات الشرقية- مقالات علمية حول فعالية تقنيات الطاقة
ملاحظة:هذه المقالة تهدف إلى التوعية والتحليل النقدي، وليس إلى الهجوم الشخصي على الأفراد أو النوايا. الهدف هو حماية المجتمع من الوقوع في الخلط بين العلم والدين والفلسفات الباطنية.