🔵 بث مباشر : دردشة عامة عن الوعي والطاقة والتأملات
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا العربية مفاهيم وممارسات جديدة تحت عناوين مثل "الوعي"، "الطاقة"، و"التأمل". هذه المفاهيم غالبًا ما تُقدَّم على
الوعي والطاقة والتأمل: بين الحقيقة والوهم
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا العربية مفاهيم وممارسات جديدة تحت عناوين مثل "الوعي"، "الطاقة"، و"التأمل". هذه المفاهيم غالبًا ما تُقدَّم على أنها علوم حديثة أو طرق فعّالة لتحقيق السعادة والصحة والنجاح. لكن ما حقيقة هذه العلوم؟ وما مدى تأثيرها على الفرد والمجتمع؟ في هذا المقال، نستعرض تجارب حقيقية ونحلل جذور هذه الظواهر، لنساعد القارئ على التمييز بين العلم والزيف.
قصة واقعية: من الانبهار إلى الصحوة
تروي إحدى المشاركات تجربتها الشخصية مع "علوم الطاقة" وكيف بدأت رحلتها في عام 2014 عندما قرأت كتاب "السر". جذبها الحديث عن "قانون الجذب" وبدأت تطبق أفكاره، فلاحظت تحقق بعض أمنياتها، مما زاد حماسها وإيمانها بهذه الأفكار. لاحقًا، تعرفت على مدربة عربية مشهورة في مجال الطاقة، وشاركت في دوراتها وطبقت تمارين التأمل والجذب حتى أصبحت تعتمد على نفسها فقط، دون اللجوء إلى الدعاء أو التوكل على الله.
مع مرور الوقت، أصبح اهتمامها منصبًا على ذاتها فقط، وقطعت علاقاتها بكل من يخالفها الرأي، واعتبرت كل من ينصحها "طاقة سلبية" أو "منخفض الوعي". استمرت على هذا الحال لثماني سنوات حتى واجهت صدمة كبيرة في حياتها عام 2020، حينما فشلت في جذب ما تريد، وخسرت صحتها ودخلت في حالة اكتئاب ويأس. عندها أدركت أنها كانت تعيش في وهم، وأنها ابتعدت عن القيم الدينية والأخلاقية.
تقول: "أفقت من غفلتي، ورجعت إلى الله، وبكيت ومسحت كل المعلومات التي كنت مخدوعة بها. الآن أنصح كل من خاض في هذا المجال أن ينجو بنفسه ويعود لربه، ولا ينخدع بهذه العلوم الزائفة التي قد تقود إلى الشرك وتقديس الذات."
جذور فلسفات الطاقة: من الشرق إلى الغرب
يعود أصل فكرة "الطاقة البشرية" إلى فلسفات قديمة نشأت في دول شرق آسيا، مثل الصين والهند، حيث كانت هذه المجتمعات تبحث عن إجابات لأسئلة الوجود والروح. ظهرت مفاهيم مثل "الطاقة الكونية"، "الشاكرات"، و"التأمل"، واعتُبرت بدائل عن الدين أو تفسيرات روحية للكون والإنسان.
بعد الثورة الفرنسية، ومع تراجع تأثير الكنيسة في أوروبا، بدأ الأوروبيون يبحثون عن بدائل روحية فالتفتوا إلى الأديان والفلسفات الشرقية. تم نقل هذه المفاهيم إلى الغرب، وأُعيد تقديمها في ثوب عصري تحت مسميات مثل "قانون الجذب"، "الطاقة الحيوية"، و"الوعي الكوني". لاحقًا، دخلت هذه الأفكار إلى المجتمعات العربية مع موجة الانفتاح الثقافي، وبدأت تنتشر بين الشباب والفتيات عبر الكتب والدورات ووسائل التواصل الاجتماعي.
كيف انتشرت هذه المفاهيم في العالم العربي؟
واجهت هذه الفلسفات تحديات في المجتمعات الإسلامية، حيث العقيدة واضحة ولا حاجة لبدائل روحية. لكن مروجي هذه العلوم لجأوا إلى طريقتين:
- تقديمها كعلم حديث: ربطوا بين مفاهيم الطاقة وبين مصطلحات علمية مثل "الطاقة الكهرومغناطيسية" و"فيزياء الكم"، رغم أن هذه العلوم الحقيقية لا علاقة لها بممارسات التأمل أو الشاكرات.
- تغليفها بغلاف ديني: حاولوا ربطها بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية، أو ادعوا أنها لا تتعارض مع الدين، بل تدعمه.
ومع ضعف الوعي الديني وانتشار الجهل، أصبح من السهل الترويج لهذه الأفكار، خاصة بين الشباب الباحثين عن حلول سريعة لمشاكلهم النفسية أو الصحية.
كيف يتم الاستدراج إلى هذه الممارسات؟
غالبًا ما يبدأ الطريق من باب التنمية البشرية أو علم النفس الإيجابي، ثم ينتقل تدريجيًا إلى مفاهيم الطاقة والتأمل. يتم استخدام مصطلحات براقة وجلسات جماعية، ويُروَّج للمدربين على أنهم أصحاب خبرات أو شهادات عالمية، رغم أن كثيرًا من هذه الشهادات غير معترف بها علميًا.
يتم استغلال حاجات الناس النفسية، فيُقال لهم إنهم يملكون "نفخة من روح الله" أو أن الكون مسخر لهم، ويُشجعون على قطع العلاقات مع من يخالفهم الرأي باعتباره "طاقة سلبية". مع الوقت، قد يصل الأمر إلى تقديس الذات أو حتى الانحراف عن القيم الدينية والاجتماعية.
الأثر السلبي على الفرد والمجتمع
- الابتعاد عن الدين: كثير من الممارسين يبتعدون عن الصلاة والدعاء، ويعتمدون فقط على "الطاقة الداخلية".
- العزلة الاجتماعية: قطع العلاقات مع الأهل والأصدقاء بحجة أنهم "طاقة سلبية".
- الانحراف الأخلاقي: في بعض الحالات، تؤدي هذه الممارسات إلى التخلي عن الحجاب أو الدخول في علاقات محرمة، خاصة عندما يتم تبرير ذلك بفلسفات الطاقة.
- الاضطرابات النفسية: كثير من التجارب تنتهي بحالات اكتئاب أو قلق أو حتى إيذاء نفسي وجسدي، نتيجة الاعتماد على أوهام لا أساس لها.
حقيقة "علم الطاقة": بين العلم والخرافة
من المهم التمييز بين الطاقة الفيزيائية (الكهرباء، المغناطيسية) المثبتة علميًا، وبين "الطاقة الحيوية" أو "الكونية" التي لا يوجد لها أي دليل علمي. يؤكد العلماء أن مفاهيم مثل "التخاطر"، "العلاج بالطاقة"، أو "قانون الجذب" ليست سوى خرافات أو فلسفات بشرية قديمة، ولا علاقة لها بالعلم الحديث.
حتى في الغرب، حيث نشأت هذه الفلسفات، لم تصبح جزءًا من المنظومة العلمية أو الصحية الرسمية، بل بقيت في إطار الدورات الخاصة أو الممارسات الفردية.
كيف نحمي أنفسنا ومجتمعاتنا؟
- تعزيز الوعي الديني: العودة إلى العقيدة الصحيحة والتوكل على الله، واليقين بأن الشفاء والرزق والسعادة بيد الله وحده.
- التحقق من مصادر المعلومات: عدم تصديق كل ما يُروَّج له على أنه علم أو تجربة ناجحة، والبحث عن الأدلة العلمية الموثوقة.
- الحفاظ على العلاقات الاجتماعية: عدم الانعزال أو قطع العلاقات بحجة "الطاقة السلبية".
- الاعتدال في التجربة: لا مانع من تجربة بعض تمارين الاسترخاء أو التأمل البسيط، لكن دون أن تصبح محور الحياة أو بديلًا عن الدين والعقل والمنطق.
- دعم حملات التوعية: المشاركة في نشر الوعي حول مخاطر هذه الممارسات، خاصة بين الشباب والفتيات.
كلمة أخيرة
انتشار مفاهيم الطاقة والوعي والتأمل في العالم العربي ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو تحدٍ حقيقي يواجه قيمنا الدينية والاجتماعية. علينا أن نكون واعين، وأن نميز بين العلم الحقيقي والزيف، وأن نعود إلى الله في كل أمورنا. فالسعادة والراحة النفسية الحقيقية لا تأتي من أوهام الطاقة، بل من الإيمان والعمل الصالح، وذكر الله الذي تطمئن به القلوب.
"اللهم احفظنا واحفظ أبناءنا وبناتنا من كل شر، واهدنا إلى الصراط المستقيم."
شارك المقال مع من تحب، وساهم في نشر الوعي.