🔵 بث مباشر ... الإله الطاقي ( مشاركات الضيوف )
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والممارسات التي تُعنى بما يُسمى "علوم الطاقة" وتروج لمفاهيم فلسفية ودينية خطيرة، من أبرزها عقيدة "وحدة ال
الإله الطاقي: مناقشة علمية حول عقيدة وحدة الوجود وشبهات جماعات الطاقة
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والممارسات التي تُعنى بما يُسمى "علوم الطاقة" وتروج لمفاهيم فلسفية ودينية خطيرة، من أبرزها عقيدة "وحدة الوجود". هذه العقيدة، التي يتبناها بعض المدربين والمروجين لعلوم الطاقة، تثير الكثير من التساؤلات والشبهات بين المتابعين، خاصة فيما يتعلق بموقف الإسلام منها، وحدود الحرية الدينية، وفهم الروح وعلاقتها بالله عز وجل.
في هذا المقال، سنناقش أبرز هذه الشبهات ونوضح الفروق الجوهرية بين المفاهيم المطروحة، مستندين إلى المصادر الشرعية والعقلية، لنقدم للقارئ فهماً واضحاً وسليماً حول هذه القضايا.
ما الفرق بين "وحدة الشهود" و"وحدة الوجود"؟
كثيراً ما يحتج المروجون لعلوم الطاقة بأنهم لا يدعون إلى "وحدة الوجود" بالمعنى الفلسفي، بل إلى "وحدة الشهود". فما الفرق بينهما؟
- وحدة الوجود:تعني أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الله عز وجل قد حلّ في كل شيء، وأن كل ما في الكون هو الله أو جزء منه. هذه العقيدة تتعارض كلياً مع التوحيد الإسلامي، الذي يميز بين الخالق والمخلوق، ويجعل الله سبحانه وتعالى منزهاً عن كل نقص أو مشابهة لمخلوقاته.
- وحدة الشهود:يُقصد بها أن الإنسان يصل إلى درجة من الإيمان أو التصوف يرى فيها كل شيء دليلاً على وجود الله، دون أن يعتقد أن الله حالٌّ في المخلوقات. ومع ذلك، فإن بعض من يتبنون وحدة الشهود قد ينزلقون إلى معاني وحدة الوجود دون وعي.
الفرق الجوهريأن وحدة الوجود كفر صريح بالإجماع، لأنها تساوي بين الخالق والمخلوق، بينما وحدة الشهود (بضوابطها الشرعية) قد تُفهم كتأمل في عظمة الخالق من خلال مخلوقاته دون الخلط بينهما.
الرد على شبهة: "من المنطقي أن أؤمن بوحدة الوجود بدل الإيمان بإله جالس على عرشه"
يروج بعض المدربين لفكرة أن الإيمان بوحدة الوجود أكثر "منطقية" من الإيمان بإله فوق العرش. لكن هذا الطرح يحمل مغالطات عقلية وشرعية:
- العقل يميز بين الصانع والمصنوع:لا يمكن أن يكون الخالق هو المخلوق. كما أن صانع الحذاء ليس هو الحذاء، وصانع الكمبيوتر ليس هو الجهاز نفسه، كذلك الله عز وجل ليس هو الكون ولا يحل فيه.
- الكرامة الإنسانية:كيف يرضى الإنسان أن يكون هو والحيوان والنبات والجماد شيئاً واحداً؟ أين الحرية والكرامة في ذلك؟
- صفات الإله الحق:الإله الذي يستحق العبادة يجب أن يكون كاملاً في صفاته، منزهاً عن كل نقص، وليس حالاً في المخلوقات التي يعتريها المرض والضعف والاحتياج.
الخلاصة:الإيمان بإله عليٍّ، مستوٍ على عرشه، يسمع ويرى ويستجيب لعباده، هو ما يوافق الفطرة والعقل والدين، ويحقق للإنسان العزة والحرية الحقيقية.
لماذا عقيدة وحدة الوجود خطيرة؟
عقيدة وحدة الوجود ليست مجرد فلسفة، بل لها لوازم خطيرة جداً:
- استحلال الفواحش:من يؤمن بوحدة الوجود قد يبرر لنفسه ارتكاب المعاصي والفواحش، بحجة أن كل شيء هو الله، فلا يوجد حلال أو حرام.
- مساواة الإيمان بالكفر:إذا كان كل شيء هو الله، فلا فرق بين المؤمن والكافر، ولا بين الطاعة والمعصية.
- نسبة النقص إلى الله:هذه العقيدة تنسب لله عز وجل كل صفات المخلوقات، حتى أحقرها وأقذرها، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وقد نقل بعض المتخصصين نصوصاً صريحة عن ابن عربي وغيره من رواد هذه الفلسفة، تظهر مدى الانحراف العقدي في هذه الأفكار.
الحرية الحقيقية في الإسلام: عبودية الله أم عبودية النفس؟
يشيع بين بعض دعاة الطاقة أن الإنسان "حر"، وأن الله خلقه حراً ليختار ما يشاء. لكن القرآن الكريم يقرر بوضوح:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"(الذاريات: 56)
- العبودية لله:هي التي تحقق للإنسان الحرية الحقيقية، لأنه يتحرر من عبودية البشر والشهوات والمخلوقات.
- من يرفض عبودية الله:سيقع حتماً في عبودية المخلوق أو النفس أو الشهوات أو حتى عبودية أفكار باطلة.
الخلاصة:كل إنسان عبد، إما لله وحده أو لغيره. والعبودية لله وحده هي التي ترفع الإنسان وتكرمه.
الروح: حقيقتها وعلاقتها بالله
من أكثر الشبهات التي يستغلها دعاة الطاقة، فكرة أن في الإنسان "من روح الله"، ويؤولون ذلك إلى حلول الله في الإنسان أو أن الإنسان إله.
الرد العلمي والشرعي:
- الروح مخلوقة:الله عز وجل قال: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" (الإسراء: 85). أي أن حقيقتها غيبية، وهي مخلوقة بأمر الله، وليست جزءاً من ذاته.
- الإضافة للتشريف:كما أضاف الله الكعبة إلى نفسه (بيتي)، والناقة (ناقة الله)، أضاف الروح للتشريف لا للحلول أو الاتحاد.
- الفهم العربي للآية:العرب الذين نزل عليهم القرآن لم يفهموا أبداً أن "من روحي" تعني حلول الله في البشر، بل فهموا أنها روح مخلوقة مشرفة.
الخطأ في مصدر الجواب:من الخطورة أخذ الإجابات عن هذه المسائل من غير أهل العلم الشرعي، لأن خطأ صغير في هذه القضايا قد يؤدي إلى الانحراف العقدي.
لماذا يجب الرجوع إلى أهل العلم؟
- العلم الشرعي ليس حكراً:لكنه يحتاج إلى جهد وتخصص، كما في أي علم آخر.
- حفظ الدين:العلماء ورثة الأنبياء، وهم الذين ينقلون لنا الفهم الصحيح للقرآن والسنة.
- الفتاوى بغير علم:من علامات الساعة أن يتصدر الجهال للفتوى، فيضلوا ويضلوا غيرهم.
الخلاصة: التوحيد نعمة عظيمة
نعمة التوحيد أعظم من نعمة الصحة والمال والأمن. من عرف ربه حق المعرفة، وعرف سبب وجوده، وعاش عبداً لله وحده، نال العزة والطمأنينة والسعادة الحقيقية.
أما الانسياق خلف شبهات "علوم الطاقة" وعقائد وحدة الوجود، فهو ضلال عن الفطرة والعقل والدين، ويقود إلى القلق والضياع.
نصيحة للباحثين عن الحقيقة
- ابحث عن العلم من مصادره الموثوقة.
- اسأل أهل الذكر إن كنت لا تعلم.
- لا تغتر بالشعارات البراقة أو العبارات الفلسفية دون دليل.
- اعلم أن الحرية الحقيقية في عبودية الله وحده.
أسئلة شائعة
هل كل من يمارس علوم الطاقة يؤمن بوحدة الوجود؟
ليس بالضرورة، لكن كثيراً من الدورات المتقدمة في هذه العلوم تتدرج بالممارس حتى يصل إلى تبني هذه العقيدة أو لوازمها.
هل الروح جزء من الله؟
لا، الروح مخلوقة بأمر الله، وإضافتها لله إضافة تشريف لا إضافة ذات.
لماذا يُحذر من أخذ العلم من غير المتخصصين؟
لأن مسائل العقيدة دقيقة، وخطأ صغير فيها قد يؤدي إلى الانحراف عن الدين الحق.
خاتمة
الإيمان بالله الواحد الأحد، المنزه عن كل نقص، هو أساس السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. أما العقائد الباطلة التي تروج لها بعض جماعات الطاقة، فهي خطر على الدين والعقل والفطرة، ويجب التنبه لها والتحذير منها.نسأل الله أن يثبتنا على التوحيد، وأن ينير بصائرنا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.