التوحيد: نقاء وشفاء – رحلة في عقيدة الإسلام وأثرها في حياة المسلم

بقلم: أمل با حطاب | قناة سحر اليوغا والطاقة

مقدمة: رمضان والتوحيد نعمتان عظيمتان

مع قدوم شهر رمضان المبارك، تتجدد في قلوبنا مشاعر الامتنان لله تعالى على نعمة البلوغ لهذا الشهر الكريم، ونعمة أعظم هي نعمة التوحيد والإسلام. كثير من الناس يعيشون رمضان، ولكن ليس الجميع يذوق حلاوة الإيمان الحقيقي أو يعيش نقاء التوحيد. فأن تبلغ هذا الشهر وأنت على الإسلام والتوحيد، وأن تتبع سنة النبي محمد ﷺ في الصيام والعبادة، فهذه نعم عظيمة تستحق الشكر.

التوحيد هو أساس العقيدة الإسلامية، وهو النقاء الذي يطهّر القلب والعقل من الشرك والضلال، ويمنح الإنسان شفاءً من أمراض النفس والبدن، وارتقاءً في سلم الإنسانية والكرامة.

التوحيد: تحرير وكرامة

التوحيد ليس مجرد كلمة تُقال باللسان، بل هو منهج حياة يحرر الإنسان من عبودية الخلق إلى عبودية الخالق وحده. من ذاق حلاوة التوحيد، شعر بالكرامة الحقيقية التي لا تأتي من مال أو جاه أو نسب، بل من الهداية للصراط المستقيم. لذلك كان من أعظم الأدعية التي نكررها يوميًا في صلواتنا:"اهدنا الصراط المستقيم".

التوحيد يرفع الإنسان فوق الأهواء والغرور، ويكسر العجب بالنفس، ويجعل القلب معلقًا بالله وحده، فلا يملك العقل ولا القلب ولا الجسد إلا الله سبحانه وتعالى. هذه هي الرفعة الحقيقية التي ينالها الموحدون.

التوحيد والصبر على الابتلاء

الحياة مليئة بالابتلاءات من خوف وجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات. ولكن الموحد الحقيقي إذا أصابته مصيبة قال:"إنا لله وإنا إليه راجعون"، فيثبت بذلك إيمانه بالآخرة والجنة والنار والبعث والحساب. هذه النظرة الشمولية للحياة تجعل المؤمن يصبر ويحتسب، ويوقن أن العوض الأكبر عند الله في الآخرة، حيث يتحقق العدل الإلهي الكامل.

أهمية طلب العلم في التوحيد

من المهم أن يكون لكل مسلم مكتبة صغيرة في بيته، يقرأ منها كتب العقيدة الصحيحة، ويعود إليها كلما احتاج لمراجعة أو تثبيت معلومة. الاستماع وحده لا يكفي لترسيخ العلم، بل القراءة والتلخيص والرجوع إلى المصادر من أهم وسائل تثبيت الفهم.

أركان الإيمان وعلاقة التوحيد بالقدر

عندما سئل النبي ﷺ عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره". فالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان، ويدخل ضمن توحيد الربوبية، أي الإيمان بأن الله هو الخالق المدبر لكل شيء.

الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – يؤكد في رسالته عن القضاء والقدر أن الإيمان بالقدر من أصول عقيدة المسلم، وأن كل شيء مقدّر عند الله، ولا يعلم أحد ما سيحدث إلا بعد وقوعه أو بالخبر الصادق من الله ورسوله.

الخلاف في مسألة القضاء والقدر

منذ عهد الصحابة، كان هناك نقاش حول مسألة القضاء والقدر، حتى أن النبي ﷺ نهى عن الخوض في تفاصيلها التي لا علم لنا بها. فهناك أمور لا يدركها العقل البشري المحدود، ويجب التوقف عند حدود ما علمنا الله ورسوله.

أقسام الناس في الإيمان بالقدر

قسم الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – الناس في مسألة القدر إلى ثلاثة أقسام:

1. الغلاة في إثبات القدر (الجبرية)

هؤلاء قالوا إن الإنسان مسيّر بالكامل، ولا قدرة له ولا اختيار، وكل شيء مقدّر عليه، حتى أفعاله الاختيارية. هذا القول مخالف للعقل والدين، إذ يفرق الإنسان بفطرته بين ما يفعله باختياره وما يقع عليه بغير اختياره.

2. الغلاة في إثبات قدرة العبد (القدرية)

هؤلاء بالغوا في إثبات حرية العبد، حتى نفوا عن الله المشيئة والقدرة في أفعال العباد، وزعموا أن الإنسان مستقل بعمله، وأن الله لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وقوعها. وهذا أيضًا قول باطل ومخالف للعقيدة الصحيحة.

3. أهل السنة والجماعة (الوسط)

هم الذين آمنوا بأن أفعال الله في الكون قسمان:- ما يجريه الله في مخلوقاته (كالمطر، والحياة، والموت) لا اختيار للعبد فيه.- ما يفعله العبد من أفعال اختيارية (كالطاعة والمعصية) باختياره وإرادته، ولكن بإرادة الله وقدرته التي منحها للعبد.

قال تعالى:"من شاء منكم أن يستقيم"،"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". فالإنسان له مشيئة واختيار في دائرة ما أذن الله له به، لكنه لا يخرج عن علم الله ومشيئته.

أمثلة توضيحية

• الإنسان يعرف الفرق بين نزوله من الدرج باختياره، وسقوطه من السطح بغير اختياره.
• من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، لم يُحاسب لأن فعله كان بغير ذكر، ونُسب الفعل إلى الله:"فإنما أطعمه الله وسقاه".
• النائم يتقلب في نومه بغير إرادة، فنسب الله فعله إليه في قصة أصحاب الكهف:"ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال".

التوحيد وقاية من الانحرافات الفكرية

معرفة التوحيد الصحيح تحمي المسلم من الوقوع في الانحرافات الفكرية المنتشرة، مثل معتقدات الطاقة والكارما وغيرها من الأفكار التي تتعارض مع عقيدة الإسلام. فدراسة التوحيد فيها شفاء ووقاية وارتقاء.

خلاصة

الإيمان بالقضاء والقدر جزء من توحيد الربوبية، وهو من أصول العقيدة الإسلامية. يجب على المسلم أن يثبت لله المشيئة المطلقة، ويؤمن بأن له قدرة واختيار في الأفعال التي أذن الله له بها. الاعتدال في فهم القدر هو منهج أهل السنة والجماعة، وهو الذي يحقق للإنسان الطمأنينة والسكينة في الدنيا، والثواب العظيم في الآخرة.

دعاء وختام

نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يثبتنا على طريق التوحيد والسنة، وأن يرزقنا شكر نعمه، ويجعلنا من عباده الموحدين الصابرين، وأن يجمعنا دائمًا على كتابه وسنة نبيه محمد ﷺ.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد، واجعلنا من أتباع هديه، ووفقنا لما تحب وترضى.

**للمزيد من الفائدة، يُنصح بالاطلاع على رسالة القضاء والقدر للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ومتابعة القراءة والبحث في كتب العقيدة الصحيحة.*