🔵أبو فيصل :التنمية البشرية وتطوير الذات والطاقة والتطابق المعتقدي ووقوع بعض طلبة العلم الشرعي بها

في السنوات الأخيرة، انتشرت برامج التنمية البشرية وتطوير الذات بشكل واسع في المجتمعات العربية والإسلامية. أصبحت هذه البرامج من أكثر المجالات جذبًا للبا

س
سحر اليوقا و الطاقة
يونيو 11,2025
8 دقائق
0

التنمية البشرية وتطوير الذات: نظرة نقدية في ضوء العقيدة والمجتمع

مقدمة

في السنوات الأخيرة، انتشرت برامج التنمية البشرية وتطوير الذات بشكل واسع في المجتمعات العربية والإسلامية. أصبحت هذه البرامج من أكثر المجالات جذبًا للباحثين عن النجاح والسعادة وتحقيق الأهداف. إلا أن خلف هذا البريق، هناك العديد من التساؤلات حول جذور هذه المفاهيم، ومصادرها، وما إذا كانت تتوافق مع قيمنا الدينية والثقافية. في هذا المقال، نستعرض نظرة نقدية حول التنمية البشرية وتطوير الذات، ونكشف كيف يمكن أن تشكل فخًا لبعض طلبة العلم الشرعي وغيرهم.

جذور التنمية البشرية: من أين بدأت؟

يرجع تأسيس التنمية البشرية وتطوير الذات إلى ستينيات القرن الماضي في الغرب، حيث برزت أسماء مثل نابليون هيل، الذي يُعد من أوائل المؤسسين لهذه الحركة. المثير للاهتمام أن هؤلاء المؤسسين كانوا ينتمون إلى جماعات تُسمى "المستنيرين" وكان لهم ارتباطات بجمعيات ومنظمات سرية مثل الماسونية القديمة. هذه الجمعيات كانت تقوم على أفكار استدعاء الكائنات أو التواصل مع العوالم الأخرى، وهو ما أشار إليه نابليون هيل نفسه بقوله إن هذه الكائنات هي من منحته أسرار النجاح ومفاتيح الكون، ورسمت له منهج التنمية البشرية.

ليس من قبيل الصدفة أن تنتقل هذه المفاهيم لاحقًا إلى حركة "العصر الجديد" (New Age)، حيث تم تطويرها وتصديرها للعالم بأساليب أكثر جاذبية وحداثة، لكنها ظلت تحمل في طياتها رسائل ومعتقدات تخدم أهداف تلك الحركات الفلسفية والباطنية.

الفلسفات الخفية في التنمية البشرية

تعتمد الكثير من قواعد التنمية البشرية على فلسفات مثل "العقل الكوني" و"قانون الجذب"، وهي أفكار مأخوذة من فلسفات قديمة كالكبّالة اليهودية، حيث يُقال إن "ما تفكر فيه يتحقق"، وهو مبدأ رُوّج له بقوة في العصر الحديث. كما انتشرت مفاهيم مثل "الامتنان"، و"التنظيف العاطفي"، و"الطفل الداخلي"، وهي جميعها مستوحاة من الفلسفات الشامانية والبوذية والهندوسية.

حتى المدربون الأشهر في هذا المجال مثل ديباك شوبرا، واين داير، وتوني روبنز، تلقوا تدريباتهم على يد بوذيين وهندوسيين، ودمجوا طقوس التأمل واليوغا والطاقة في برامجهم. فمثلاً، يُستخدم لفظ "أوم" في الكثير من الدورات، وهو من أهم المانترا في الديانات الهندية.

البرمجة اللغوية العصبية (NLP) والسحر السيكولوجي

من أشهر تقنيات التنمية البشرية ما يُعرف بالبرمجة اللغوية العصبية (NLP)، والتي تُعد الابن المدلل لمدربي التنمية البشرية حول العالم. في الحقيقة، ظهرت هذه التقنية كتطوير لتقنيات التنويم الإيحائي والسحر السيكولوجي، حيث اعترف مبتكرها ريتشارد بندلر بأنه استخدم نفس أساليب التنويم التي كان يمارسها بعض المنتمين للمدارس الباطنية.

مفاهيم الطاقة والوعي في التنمية البشرية

تتغلغل مفاهيم الطاقة في برامج التنمية البشرية بشكل كبير، مثل الحديث عن "الذبذبات العالية والمنخفضة"، و"قوة الآن"، و"تغيير الحمض النووي"، و"الشاكرات"، و"الكنبليني"، و"الطفل الداخلي". كل هذه المفاهيم مأخوذة من الفلسفات الشرقية والوثنية القديمة، حيث يُعتقد أن الإنسان يستطيع خلق واقعه بنفسه، وأن النية تشكل الواقع، وأن لكل روح مهمة أثيرية قبل ولادتها.

كذلك، يُروج لفكرة أن الإنسان يجب أن يذيب "الأنا" أو "الإيجو" في الوعي الكوني، ليصل إلى حالة من الاتحاد مع الكون أو "وحدة الوجود"، وهي فكرة تتعارض بوضوح مع العقيدة الإسلامية التي تؤمن بأن الله هو الخالق والمدبر، وأن الإنسان عبدٌ لله وليس خالقًا لواقعه.

التوكيدات والرسالة الحياتية: سحر لفظي أم تطوير ذاتي؟

من التقنيات الشائعة في التنمية البشرية ما يُسمى "التوكيدات" أو "تعويذات النية"، مثل تكرار عبارات: "أنا أستحق النجاح"، "أنا أستحق الثراء"، وغيرها. هذه العبارات ليست مجرد تحفيز ذاتي، بل هي في أصلها طقوس مأخوذة من الخيمياء والسحر اللفظي، حيث يُعتقد أن تكرار الكلمات يغير من الواقع المادي.

أما "الرسالة الحياتية"، فهي فكرة أساسية في التنمية البشرية، حيث يُقال أن لكل إنسان رسالة فريدة يجب أن يكتشفها ويحققها. هذا المفهوم مأخوذ من العقائد الطاقية التي تؤمن بأن لكل روح عقدًا أثيريًا أو طاقيًا قبل خلقها، وهو ما يتعارض مع العقيدة الإسلامية التي تحدد أن الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله وحده.

التنمية البشرية وفخ طلبة العلم الشرعي

دخلت التنمية البشرية إلى المجتمعات العربية والإسلامية من أبواب غير متوقعة، مثل تطوير الذات، تحقيق الأهداف، إدارة الوقت، الخروج من منطقة الراحة، وغيرها من الشعارات الجذابة. لم تكن هذه المفاهيم تحمل في ظاهرها أي مخالفة شرعية، بل بدت وكأنها أدوات للنجاح والتفوق. لكن في باطنها، تم تمرير العديد من الفلسفات والمعتقدات الباطنية، مثل الاعتماد على النفس بدل التوكل على الله، وفكرة وحدة الوجود، وبرمجة العقل الباطن.

حتى بعض طلبة العلم الشرعي والمتدينين وقعوا في هذا الفخ، خاصة مع الضغوط المادية والاجتماعية، ورغبتهم في تحسين أوضاعهم. ومع غياب المعرفة التفصيلية بالفلسفات الباطنية والتصوف العصري والسحر المقنع، أصبح من السهل التأثر بهذه البرامج دون وعي بخطورتها.

الجانب التجاري والشهرة في التنمية البشرية

تحولت التنمية البشرية إلى مصدر رزق مربح للعديد من المدربين، حيث تُباع الدورات بأسعار مرتفعة، وتُمنح شهادات دكتوراه وماجستير في بضعة أسابيع أو حتى أيام. كما أصبحت وسيلة للشهرة والتأثير الاجتماعي، حيث يتمتع المدربون بكاريزما عالية وجاذبية جماهيرية، مما يجعل من الصعب على البعض التراجع عن هذا المجال حتى لو اكتشفوا مخاطره.

هناك أيضًا غياب للرقابة والمحاسبة في بعض الدول العربية، مما يسمح بانتشار هذه الدورات دون تدقيق في محتواها أو مؤهلات مقدميها.

إلغاء مفهوم الخطأ والتوبة

من أخطر ما تروج له بعض مدارس التنمية البشرية هو إلغاء مفهوم الخطأ والخطيئة، حيث يُعتبر الخطأ مجرد تجربة وعي وليس ذنبًا يتطلب التوبة. هذا المفهوم يؤدي تدريجيًا إلى إلغاء الحاجة للاعتراف بالذنب أو طلب المغفرة من الله، ويحول المعصية إلى تجربة إيجابية، مما يتعارض مع المبادئ الدينية التي تؤكد على أهمية التوبة والرجوع إلى الله.

الخلاصة: هل التنمية البشرية علم زائف أم فلسفة باطنية؟

لا يمكن اختزال التنمية البشرية في كونها مجرد "علم زائف" كما يصنفها الغرب، بل هي في حقيقتها تحمل الكثير من الفلسفات الباطنية والعقائد الطاقية التي تتعارض مع العقيدة الإسلامية. يجب على المسلمين وطلبة العلم الشرعي أن يكونوا على وعي بمصادر هذه المفاهيم، وأن يميزوا بين ما هو نافع ومشروع، وما هو دخيل ومخالف للدين.

من المهم أيضًا التفريق بين المفاهيم العامة مثل التخطيط للنجاح أو إدارة الوقت، وهي أمور مشروعة، وبين الفلسفات والممارسات التي تحمل في طياتها معتقدات شركية أو باطنية.

نصيحة للباحثين عن التطوير الذاتي

إذا كنت تبحث عن تطوير ذاتك وتحقيق النجاح، فابحث عن المصادر الموثوقة التي تتوافق مع قيمك الدينية والثقافية. لا تنخدع بالبريق الزائف أو الشهرة المؤقتة، وكن واعيًا لما تتلقاه من أفكار وممارسات. واعلم أن النجاح الحقيقي يبدأ من الإيمان بالله، والتوكل عليه، والعمل الجاد، والالتزام بالأخلاق والقيم.

كلمة أخيرة

انتشار التنمية البشرية وتطوير الذات في مجتمعاتنا هو ظاهرة تستحق التأمل والنقد البناء. من واجبنا كمسلمين وكمجتمع واعٍ أن نميز بين ما ينفعنا وما يضرنا، وأن نحذر من الفلسفات الدخيلة التي قد تفسد العقيدة وتشتت القيم. نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لما فيه الخير والصلاح.

اسأل سحر الطاقة

تحدث مع سحر الطاقة واحصل على إجابات لأسئلتك