🔵 د/ احمد عاكف ( إستشاري الصحة النفسية ) التنمية البشرية والطاقة وهم وعلم زائف
بقلم: د. أحمد عاكف – استشاري الصحة النفسية في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم التنمية البشرية والطاقة بشكل واسع في مجتمعاتنا العربية، وأصبح الكثيرون يت
التنمية البشرية والطاقة: بين العلم والوهم
بقلم: د. أحمد عاكف – استشاري الصحة النفسية
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم التنمية البشرية والطاقة بشكل واسع في مجتمعاتنا العربية، وأصبح الكثيرون يتحدثون عن "قوة الطاقة" و"قوانين الجذب" و"التحفيز الذاتي" وغيرها من المصطلحات التي تبدو جذابة ومبشرة بحلول سريعة لمشكلات الحياة. لكن، هل هذه المفاهيم مبنية على أسس علمية حقيقية؟ أم أنها مجرد أوهام وعلم زائف؟
ما هو العلم الحقيقي؟
العلم هو كل ما يمكن اختباره وتجربته، وله دراسات وأبحاث موثقة تدرّس في الجامعات المعترف بها. على سبيل المثال، عندما يتم تطوير دواء جديد، يخضع لتجارب طويلة على مئات الأشخاص ويمر بمراحل دقيقة من الدراسة قبل أن يُعتمد ويُستخدم في العلاج. هناك معايير صارمة وأسس واضحة تميز العلم الحقيقي عن غيره.
أما ما يسمى بـ"علوم الطاقة"، فلا نجد لها أساسًا علميًا واضحًا أو جامعات مرموقة تدرّسها بشكل أكاديمي معترف به. غالبًا ما تروج هذه المفاهيم من خلال دورات غير معتمدة أو كورسات تجارية لا تستند إلى أي منهجية علمية.
وهم الطاقة البشرية
عندما نتحدث عن الطاقة في العلم، نقصد بها الطاقة الكهربائية، أو طاقة الرياح، أو الطاقة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية، أو حتى السعرات الحرارية التي يستهلكها جسم الإنسان. أما فكرة وجود "هالة" أو "طاقة خفية" تحيط بالجسم وتؤثر على الصحة أو النجاح، فهي فكرة لا تستند إلى أي دليل علمي. لا يوجد جهاز علمي يمكنه قياس هذه الطاقة المزعومة، وكل ما يُقال عنها لا يتعدى كونه خيالًا أو تفسيرات غير دقيقة.
استغلال الدين والوطن في الترويج للأوهام
من الملاحظ أن مروجي هذه المفاهيم غالبًا ما يلجؤون إلى ربطها بالدين أو الوطنية، لأنهما من أكثر الأمور حساسية وتأثيرًا في مجتمعاتنا العربية. فيتم استخدام ألفاظ دينية أو ربط الطاقة بمفاهيم روحية لجذب الناس وإقناعهم. ولكن الحقيقة أن الدين الإسلامي قد اكتمل بنزول قوله تعالى: "اليوم أتممت لكم دينكم"، ولم يترك لنا أمورًا غامضة تتعلق بالطاقة أو غيرها من هذه المصطلحات المستحدثة.
التنمية البشرية: علم أم بيع للوهم؟
التنمية البشرية كمفهوم تنقسم إلى قسمين:-القسم الأول:بيع الوهم من خلال عبارات تحفيزية مثل "أنت تستطيع" و"اكسر الدنيا" دون تقديم حلول عملية أو مهارات حقيقية. هذا النوع يجعل الشخص يشعر بالنشوة المؤقتة، لكنه يعود بعد فترة قصيرة ليجد نفسه في نفس المكان دون تغيير حقيقي.-القسم الثاني:التنمية الحقيقية التي تعتمد على تطوير المهارات العملية مثل مهارات التواصل، العمل الجماعي، حل المشكلات وغيرها، ويتم ذلك من خلال التدريب العملي والمتابعة والتقييم المستمر، كما يحدث في برامج تطوير الأعمال (Business Coaching) أو المهارات الناعمة (Soft Skills).
للأسف، كثير من الدورات المنتشرة اليوم تركز على القسم الأول، وتبتعد عن الأساليب العلمية المجربة، مما يؤدي إلى خيبة أمل وإحباط لدى المشاركين.
التأثير السلبي على الشباب والمجتمع
لقد أثبتت التجربة أن العديد من الشباب، خاصة الفتيات، تعرضوا لأضرار نفسية كبيرة بسبب الانخراط في هذه الدورات والمفاهيم الزائفة. بعضهم بدأ يشك في دينه أو في نفسه، والبعض الآخر قضى سنوات طويلة في متابعة دورات الطاقة والتنمية البشرية دون تحقيق أي نتائج ملموسة. بل إن بعض المدربين يستمرون في بيع دورات جديدة بحجة أن النجاح لم يتحقق بعد، ويجب الاستمرار في التعلم والتنظيف الروحي وما إلى ذلك.
العلاقة بين التنمية البشرية والطاقة والمدارس الروحية
من المهم أن نعرف أن الكثير من مفاهيم التنمية البشرية والطاقة مستمدة من مدارس روحية وفلسفية غير علمية، مثل الفينج شوي، فلسفة الين واليانغ، الشاكرات، الأبراج، التاروت، وغيرها من أفكار العصر الجديد (New Age). هذه المفاهيم لا تستند إلى أي مرجعية علمية أو دينية صحيحة، بل هي خليط من الأفكار التي نشأت في بيئات وثقافات مختلفة، وتم تسويقها على أنها حلول سحرية لمشكلات الحياة.
التأمل والتنفس: حقائق علمية أم أوهام؟
يُروج البعض لفكرة أن التأمل أو التنفس بطرق معينة يمكن أن "يفضي الدماغ" أو يحقق حالة من الصفاء الذهني التام. لكن الحقيقة أن هذا مجرد شعور مؤقت بالاسترخاء، مثل الجلوس أمام البحر أو الاستمتاع بجو لطيف. أما من الناحية الطبية، فلا يوجد ما يسمى "تصفية الدماغ" بشكل كامل. بل إن بعض تمارين التنفس قد تكون خطيرة على أشخاص يعانون من مشاكل صحية في الأوعية الدموية أو الجهاز التنفسي.
الخلاصة: كيف نميز بين العلم والوهم؟
- ابحث دائمًا عن المصدر العلمي الموثوق.
- لا تنخدع بالشهادات غير المعترف بها أو الدورات التجارية.
- اعلم أن الدين مكتمل ولا يحتاج إلى إضافات أو تفسيرات غامضة.
- ركز على تطوير المهارات العملية الحقيقية التي تفيدك في حياتك وعملك.
- احذر من استغلال العواطف الدينية والوطنية في الترويج للأفكار الزائفة.
في النهاية، نحن لسنا ضد تطوير الذات أو تحسين الحياة، بل نشجع على ذلك من خلال العلم والمعرفة الصحيحة. لكن يجب أن نكون واعين ونميز بين ما هو علمي وما هو وهم، حتى لا نقع ضحية للعلم الزائف ونضيع وقتنا ومالنا فيما لا ينفع.
قناة سحر اليوغا والطاقة