الحقيقة الطبية حول شرب دم الحيض أو وضعه على الجلد: مخاطر صحية وشبهات مغلوطة

بقلم: د. سارة محمدقناة سحر اليوغا والطاقة

مقدمة

في السنوات الأخيرة، انتشرت بعض الممارسات الغريبة والخطيرة بين بعض الفتيات والسيدات، خاصة في أوساط من يتبعون ما يُسمى بـ"طاقه الأنثى" أو "الرحم المقدس". من أخطر هذه الممارسات شرب دم الحيض أو استخدامه كقناع للوجه أو وضعه على الشعر والجسم، بل وصل الأمر أحيانًا إلى خلطه مع المشروبات وتقديمه للآخرين دون علمهم، وخاصة الأزواج. هذه الممارسات ليست فقط مخالفة للفطرة والدين، بل تحمل مخاطر صحية جسيمة على الفرد والمحيطين به.

في هذا المقال، سنناقش الحقيقة الطبية والعلمية حول دم الحيض، ونوضح لماذا يُعتبر تناوله أو استخدامه على الجلد أمرًا بالغ الخطورة، كما سنرد على بعض الشبهات المنتشرة حول "قدسية الرحم" و"فائدة دم الحيض".

أولاً: دم الحيض في ضوء العلم

ما هو دم الحيض؟

دم الحيض ليس مجرد دم عادي يجري في العروق، بل هو خليط معقد يتكون من:

• خلايا ميتة: بطانة الرحم التي تنفصل كل شهر إذا لم يحدث حمل.
• إفرازات مخاطية: من عنق الرحم والمهبل.
• مخلفات أخرى: مثل بقايا الخلايا من الجلد المحيط بالجهاز التناسلي.
• كمية هائلة من البكتيريا: بعضها طبيعي في منطقة المهبل، لكنها تصبح خطيرة إذا انتقلت لمكان آخر في الجسم.

كيف يختلف دم الحيض عن الدم العادي؟

يختلف دم الحيض عن الدم الذي يجري في العروق من عدة نواحٍ:

• التركيب: يحتوي دم الحيض على خلايا ميتة، مخاط، إفرازات، وبكتيريا، بينما الدم العادي يحتوي على كريات دم حمراء وبيضاء وبلازما فقط.
• كمية الأكسجين: أقل بكثير في دم الحيض.
• اللون والسمك: دم الحيض أغمق وأكثر سماكة بسبب مكوناته المختلفة.
• القدرة على التجلط: تختلف المواد المسؤولة عن تجلط الدم بين الدم العادي ودم الحيض.
• البكتيريا: دم الحيض مليء بأنواع مختلفة من البكتيريا، بعضها قد يكون خطيرًا جدًا إذا دخل الجسم بطرق غير طبيعية.

ثانياً: المخاطر الصحية لتناول أو وضع دم الحيض على الجلد

ما هي الأمراض التي قد تنتج عن هذه الممارسات؟

أخطر ما يمكن أن يحدث هو الإصابة بما يُسمىمتلازمة الصدمة السمية (Toxic Shock Syndrome - TSS). هذا المرض نادر لكنه قاتل، وينتج عن دخول نوع معين من البكتيريا (عادةً المكورات العنقودية الذهبية) إلى الجسم عبر جرح صغير في الجلد أو الأغشية المخاطية، أو عند تناول الدم الملوث.

أعراض متلازمة الصدمة السمية:

• صداع شديد
• ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة
• هبوط حاد في الدورة الدموية
• تقشر الجلد
• فشل في الكبد والكلى
• انهيار الجهاز العصبي
• وفيات سريعة في بعض الحالات

حتى لو لم تظهر هذه المتلازمة، فإن تناول دم الحيض أو وضعه على الجلد قد يؤدي إلى:

• التهابات جلدية حادة
• تسمم غذائي
• انتقال أمراض بكتيرية وفيروسية خطيرة
• تدمير أنسجة الجسم من الداخل والخارج

لماذا البكتيريا في دم الحيض خطيرة؟

البكتيريا الموجودة في منطقة المهبل تكون "صديقة" فقط في مكانها الطبيعي، لكنها تتحول إلى عدو خطير إذا دخلت الجسم عبر جرح أو عن طريق الفم أو أي منفذ آخر. عندها، يمكن أن تسبب التهابات خطيرة أو حتى الوفاة.

ثالثاً: الرد على الشبهات المنتشرة

1. "دم الحيض طاهر ويمكن تناوله لأنه منبع الحياة"

هذه شبهة باطلة، فحتى الدم العادي محرم تناوله في جميع الأديان السماوية، فما بالك بدم الحيض الذي هو في الأصل ناتج عن عملية تنظيف للجهاز التناسلي الأنثوي ويحتوي على الكثير من الفضلات والبكتيريا.

2. "الرحم مقدس ودم الحيض يمنح طاقة الأنثى"

هذه أفكار مستوردة من بعض الثقافات والممارسات الوثنية، ولا أصل لها في العلم أو الدين. الرحم عضو كباقي أعضاء الجسم، ودم الحيض ليس له أي طاقة سحرية أو علاجية، بل هو فضلات يجب التخلص منها بطريقة صحية.

3. "الخلايا الجذعية في دم الحيض مفيدة ويمكن استخدامها"

صحيح أن هناك أبحاثًا حول استخراج الخلايا الجذعية من بطانة الرحم، لكن هذه العملية تتم في مختبرات طبية معقمة وتحت إشراف متخصصين، ويتم تعقيم الدم وفصله بعناية شديدة. لا علاقة لهذه الأبحاث بشرب دم الحيض أو وضعه على الجلد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تعميمها على الاستخدام المنزلي أو العشوائي.

4. "تناول المشيمة بعد الولادة مفيد كما تفعل بعض الحيوانات"

جهاز المناعة والهضم لدى الإنسان يختلف تمامًا عن الحيوانات. تناول المشيمة أو دم الحيض قد يكون آمنًا لبعض الحيوانات بسبب اختلاف البكتيريا والجهاز المناعي لديها، أما عند البشر فالأمر خطير جدًا وغير صحي إطلاقًا.

رابعاً: نصائح هامة للسلامة والصحة

• تجنب تمامًا تناول دم الحيض أو وضعه على الجلد أو الشعر، أو استخدامه في أي وصفة أو طقس.
• الحرص على النظافة الشخصيةخلال فترة الحيض، وتغيير الفوط الصحية بانتظام.
• عدم استخدام الأدوات أو الأكواب التي تجمع دم الحيض لفترات طويلة، لأنها تزيد من تكاثر البكتيريا وخطر الإصابة بالعدوى.
• الابتعاد عن الممارسات الغريبة وغير الصحيةالتي يروج لها بعض مدربي الطاقة أو المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
• الرجوع للفطرة السليمة وتعاليم الدينالتي تنهى عن تناول الدم أو استخدامه بطرق غير صحية.

خلاصة

دم الحيض ليس مادة سحرية أو علاجية، بل هو فضلات جسدية يجب التخلص منها بطريقة صحية. كل من يروج لفكرة تناوله أو استخدامه على الجلد يعرض نفسه والآخرين لمخاطر صحية جسيمة، وقد يتسبب في أمراض قاتلة. العلم والدين والفطرة جميعها تتفق على خطورة هذه الممارسات وضررها.

لنحافظ على صحتنا وصحة من حولنا، ولنعد للفطرة السليمة ونبتعد عن كل ما يخالفها.

د. سارة محمدقناة سحر اليوغا والطاقة