دليل الاستشفاء من ممارسات الطاقة: العودة إلى الفطرة والإيمان

في السنوات الأخيرة، انتشرت بين مجتمعاتنا العربية والإسلامية العديد من الممارسات المرتبطة بما يُسمى "الطاقة" و"تطوير الذات" و"العلاج بالطاقة". انتشرت هذه المفاهيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح لها مدربون ومدربات، بل ودورات وورش عمل مكثفة. ومع تزايد أعداد المقبلين على هذه الدورات، ظهرت الحاجة الماسة لتوعية الناس بمخاطرها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروج لها، وتقديم خطوات عملية للاستشفاء منها والعودة إلى الفطرة السليمة وديننا الحنيف.

في هذا المقال، سنستعرض معًا أهم النقاط التي وردت في أحد اللقاءات التوعوية حول هذا الموضوع، مع تقديم خطة عملية لكل من يرغب في التعافي من آثار ممارسات الطاقة أو مساعدة من حوله.

أولاً: لماذا نحذر من ممارسات الطاقة؟

• مخالفات شرعية وعقدية: كثير من مدارس الطاقة تعتمد على فلسفات شرقية أو معتقدات باطنية تتعارض مع التوحيد الخالص، وتدعو أحيانًا إلى الاستعانة بغير الله أو ممارسة طقوس شركية.
• آثار نفسية وصحية: أثبتت التجارب أن الانخراط في هذه الممارسات يؤدي إلى اضطرابات نفسية، عزلة اجتماعية، فقدان الثقة بالنفس والآخرين، وأحيانًا أعراض جسدية غير مفهومة.
• استغلال مادي ومعنوي: يستغل بعض المدربين حاجة الناس للشفاء أو التطوير، فيبيعون لهم أوهامًا تحت مسميات براقة، ويغرسون فيهم مفاهيم خاطئة عن الكون والطاقة والذات.

ثانياً: خطوات عملية للاستشفاء بعد ترك الطاقة

1. تصحيح العقيدة والعودة للدين

• ابدأ بالاغتسال وصلاة ركعتين بنية التوبة الخالصة لله.
• التزم بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها، وداوم على السنن والنوافل.
• احرص على أذكار الصباح والمساء والتحصينات النبوية.
• اقرأ كتب العقيدة الصحيحة مثل: "العقيدة الطحاوية"، "كتاب التوحيد"، "فتح المجيد"، وكتب ابن تيمية وابن القيم.
• ضع لنفسك وردًا يوميًا من القرآن الكريم، ولو صفحة واحدة.

2. التداوي بالرقية الشرعية

• اقرأ سورة البقرة يوميًا بنية الشفاء.
• داوم على قراءة الفاتحة، الإخلاص، المعوذتين، وأذكار التحصين.
• لا تلجأ لأي رقية غير شرعية أو مجهولة المصدر، وابتعد عن من يحدد لك أعدادًا أو طقوسًا غريبة.
• استخدم الماء والزيت المقروء عليهما الرقية، واشرب وادهن بهما مناطق الألم أو البرودة أو الحر الشديد في الجسد.

3. الاستعانة بالطب الحديث

• أجرِ فحوصات شاملة للدم، الفيتامينات، المعادن، الهرمونات والغدد.
• إذا لاحظت أعراضًا نفسية (قلق، اكتئاب، عزلة، فقدان شهية أو نوم)، راجع أخصائيًا نفسيًا موثوقًا في مستشفى حكومي أو خاص.
• لا تتردد في الجمع بين الرقية الشرعية والعلاج الطبي، فكلاهما من أسباب الشفاء المشروعة.

4. تغيير العادات اليومية

• ارجع لممارسة حياتك الطبيعية: تواصل مع الأهل والأصدقاء، زر الأرحام، مارس هواياتك القديمة، واشترك في نشاطات اجتماعية أو رياضية.
• عكس كل عادة فرضها عليك مدربو الطاقة: إذا عزلتك الطقوس عن الناس، فاخرج واندمج في المجتمع.
• تخلص من كل رموز أو أدوات أو كتب أو أوراق مرتبطة بالطاقة.

5. التعامل مع الماضي

• أصلح كل ما أفسدته فترة الانخراط في الطاقة: استعد علاقاتك، أصلح ما انقطع من صلاتك الاجتماعية أو العائلية.
• لا تندم على الوقت أو المال أو الجهد الضائع، بل اعتبرها محطة تعلم وعبرة للمستقبل.
• تخلص من كل أثر مادي أو رقمي (حسابات، مجموعات، أصدقاء) يذكرك بالماضي.

6. بناء المستقبل

• واجه التحديات الجديدة بثقة، وضع خططًا عملية لتطوير نفسك في العلم والعمل.
• استمر في توعية من حولك بمخاطر هذه الممارسات، وكن قدوة في الصبر والثبات.
• جدّد دائماً محيطك بأصدقاء صالحين، وابتعد عن كل من يحاول إعادتك لتلك الدوائر.

7. الدعاء والصدقة

• أكثر من الدعاء لله بالشفاء والثبات والهداية.
• اجعل لك صدقة يومية بنية الشفاء، ولو كانت بسيطة (كوب ماء، ابتسامة، إطعام طير).
• لا تملّ من طرق باب الله، فالدعاء والصدقة من أسرع أسباب الفرج.

ثالثاً: نصائح مهمة في طريق الاستشفاء

• لا تعظّم من كيد الشيطان: قوة الشيطان ضعيفة أمام قوة الإيمان والتوحيد، فلا تجعل وساوسك أو مخاوفك أكبر من يقينك بالله.
• لا تنتظر التقييم من الناس: ركز على إصلاح نفسك، ولا تهتم بكلام المثبطين أو المشككين.
• احذر من القنوات والمجموعات المشبوهة: لا تدخل أي بث أو قناة أو مجموعة تتحدث عن الطاقة، التاروت، الأبراج، أو أي فلسفات باطنية.
• استبدل المصطلحات: لا تستخدم عبارات مثل "طاقة إيجابية/سلبية"، "هالة"، "شكرات"، بل سمّ الأمور بأسمائها الحقيقية: فرح، حزن، نشاط، كسل، إلخ.
• لا تحدد أعدادًا أو أوقاتًا للذكر إلا ما ورد في السنة: الذكر المطلق لا يُحدد بعدد أو وقت أو مكان إلا بدليل شرعي.
• استعن بأهل العلم الثقات: إذا واجهتك شبهات أو وساوس، اسأل أهل العلم الموثوقين، ولا تأخذ دينك من الإنترنت أو من أشخاص مجهولين.

رابعاً: قصص واقعية ودروس مستفادة

من القصص المؤثرة، حكاية سيدة كانت تعيش حياة مستقرة مع أسرتها، لكنها انجرفت وراء دورات الطاقة وتفعيل أسماء الله الحسنى، حتى فقدت توازنها النفسي، وابتعدت عن أهلها واختفت عنهم سنوات. مثل هذه القصص تذكرنا بأن الانبهار بالمظاهر أو السعي وراء أوهام السعادة المادية قد يقود الإنسان إلى الضياع.

وفي المقابل، هناك بشائر خير، مثل إعلان بعض المدربات المعروفات توبتهن وعودتهن إلى الله ورفضهن لهذه الممارسات، مما يدل على أن باب التوبة مفتوح، وأن العودة إلى الفطرة ممكنة مهما طال الطريق.

خامساً: ختام ونصائح ذهبية

• ارضَ بما قسم الله لك، وكن شاكرًا للنعم الصغيرة قبل الكبيرة.
• لا تترك باب بيتك مفتوحًا للشبهات، ولا تسمح لأفكار الطاقة أو الشعوذة أو الإلحاد بالتسلل إلى عقلك أو عقول أبنائك.
• استمر في طلب العلم النافع، وطور نفسك في المجالات المباحة المفيدة.
• تذكر أن الغيب بيد الله، وأن الأخذ بالأسباب المشروعة هو سبيل النجاح في الدنيا والآخرة.
• أغلق عقلك عن كل شبهات أو فلسفات باطلة، وكن على يقين أن دين الله كامل، وأن الفطرة السليمة كفيلة بإسعادك.

أخيرًا

العودة من مسارات الطاقة والشعوذة ليست مستحيلة، بل هي بداية جديدة لحياة أكثر صفاءً وأمانًا وسعادة. الطريق واضح: تصحيح العقيدة، التمسك بالكتاب والسنة، الاستعانة بالرقية والطب، إصلاح العلاقات والعادات، والدعاء المستمر.

كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في مجتمعك، وكن سببًا في إنقاذ نفسك ومن تحب من هذه الدوامة. وتذكر: "إن كيد الشيطان كان ضعيفًا"، وقوة الله أعظم من كل شيء.

اللهم ثبتنا على دينك، واهدنا صراطك المستقيم، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وردّنا إليك ردًا جميلًا.

للمزيد من التوعية والاستشارات، ابحث عن القنوات والمواقع الموثوقة لأهل السنة والجماعة، ولا تتردد في طلب المساعدة من المختصين.

هذا المقال موجّه لكل من مرّ بتجربة ممارسات الطاقة أو يعرف من مرّ بها، وهو دعوة للعودة إلى الله، وإلى الفطرة السليمة، وإلى العلم النافع.

https://www.youtube.com/watch?v=PhtpMyPnqBA