فهم الجذور الباطنية لعلوم الطاقة: كشف الحقيقة بين السحر، الكابالا، والغنوصية
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الناس موجة كبيرة من الاهتمام بما يسمى "علوم الطاقة" ومصطلحاتها المختلفة مثل الشاكرات، التنوير، التوأم الشعلة، الطاقة ال
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الناس موجة كبيرة من الاهتمام بما يسمى "علوم الطاقة" ومصطلحاتها المختلفة مثل الشاكرات، التنوير، التوأم الشعلة، الطاقة الذكورية والأنثوية، وغيرها من المفاهيم المستوردة من ثقافات وفلسفات شرقية وغربية. كثير من الناس يعتقدون أن هذه المفاهيم مجرد تقنيات أو علوم حديثة تساعد على تطوير الذات وتحسين جودة الحياة، لكن عند التعمق في جذورها، نكتشف أنها ليست إلا امتداداً لعقائد وفلسفات باطنية قديمة، بعضها مرتبط بالسحر والكابالا والغنوصية.
في هذا المقال، سنسلط الضوء على هذه الجذور، ونوضح كيف تسللت إلى مجتمعاتنا، ولماذا يجب علينا كمسلمين أن نكون على وعي وحذر منها.
السحر والكابالا: البداية من بابل
يعود أصل كثير من هذه العلوم الباطنية إلى الحضارات القديمة، وتحديداً إلى أرض بابل. ففي القرآن الكريم، ورد ذكر السحر الذي تعلمه الناس من الشياطين، حيث اتهم بعض بني إسرائيل نبي الله سليمان عليه السلام بممارسة السحر، بينما الحقيقة أن الشياطين هم من علموا الناس السحر، كما جاء في قوله تعالى:
وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.
هنا يتضح أن السحر علم شيطاني، بدأ مع الشياطين، وتعلمه الناس في بابل، ثم تطور عبر العصور حتى أصبح منظماً ومدوناً في كتب مثل الكابالا والتلمود. الكابالا تحديداً هي فلسفة باطنية يهودية، تزعم أن فيها أسرار الكون وأصول الخلق، وتستخدم رموزاً معقدة مثل "شجرة الحياة" (السيفيروت) التي تمثل قنوات للطاقة الروحية.
الغنوصية والباطنية: فلسفة الاستغناء عن الله
الغنوصية (Gnosticism) هي حركة فلسفية ودينية قديمة، تقوم على فكرة أن الإنسان يمكنه الوصول إلى الإله أو الحقيقة العليا عبر المعرفة الباطنية والتجربة الشخصية، وليس عبر الوحي أو الشرائع السماوية. هذه الفلسفة تطورت مع مرور الزمن، وامتزجت مع عقائد بني إسرائيل أثناء وجودهم في مصر وبابل، وأخذوا من علوم تلك الشعوب وأضافوها إلى تراثهم.
جوهر الغنوصية هو الاستغناء عن الله، والاعتماد على النفس أو على قوى خفية، والاستعانة بالشياطين أو الأرواح لتحقيق أهداف دنيوية وروحية. هذا الانحراف عن التوحيد الخالص هو ما يجعلها خطراً على العقيدة الإسلامية.
علوم الطاقة الحديثة: مصطلحات براقة وجذور باطنية
عند دراسة مصطلحات علوم الطاقة المنتشرة اليوم، نجد أنها ليست جديدة، بل هي إعادة تدوير لمفاهيم باطنية غنوصية وكابالية وهندوسية وبوذية. على سبيل المثال:
- الشاكرات: هي مراكز طاقة في الجسد حسب الفلسفة الهندوسية، وتقابلها السيفيروت في الكابالا اليهودية.
- شجرة الحياة: رمز رئيسي في الكابالا، يمثل قنوات الطاقة الروحية، وله نفس ترتيب الشاكرات تقريباً.
- التوأم الشعلة، الليلة المظلمة، الطاقة الذكورية والأنثوية: كلها مفاهيم باطنية تعبر عن فلسفات وحدة الوجود، وتروج لفكرة أن الإنسان يحمل جزءاً من الإله بداخله (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).
- المانترا، التأمل، التنظيفات الطاقية: طقوس روحية مأخوذة من الديانات الشرقية والباطنية، تهدف إلى "تفعيل" الطاقة الداخلية، لكنها في حقيقتها تفتح الباب للاستعانة بالشياطين.
كل هذه المصطلحات تُعرض اليوم في دورات تطوير الذات، أو تحت اسم "العلاج بالطاقة"، دون توضيح جذورها العقدية، وغالباً ما يتم تغليفها بمصطلحات إسلامية أو علمية لجعلها مقبولة اجتماعياً.
خطر التأويل الباطني للنصوص الدينية
من أخطر ما يفعله دعاة هذه العلوم هو محاولة تأويل النصوص القرآنية والحديثية لتتوافق مع معتقداتهم الباطنية. فيفسرون آيات القرآن بطريقة رمزية أو سرية، ويزعمون أن هناك "معنى باطنياً" غير ظاهر، كما هو الحال في تفسيرهم لسقوط آدم أو خلق الإنسان.
هذا النوع من التأويل يُعد تحريفاً للدين، ويؤدي إلى الانحراف عن العقيدة الصحيحة، ويجعل الإنسان يعتقد أن طريق الوصول إلى الله يمر عبر فهم الطاقة أو تفعيل الشاكرات، وليس عبر الإيمان والعمل الصالح والاتباع الصحيح للشرع.
لماذا تنتشر هذه العلوم؟ وكيف نحمي أنفسنا؟
انتشار علوم الطاقة والغنوصية اليوم ليس صدفة، بل هو جزء من مشروع عالمي لنشر العقائد الباطنية، وقد ساعد على ذلك الانفتاح الإعلامي وانتشار الدورات التدريبية والمدربين غير المؤهلين. كثير من الناس ينجذبون لهذه العلوم بسبب الوعود بتحسين الصحة، وجلب المال، وتحقيق السعادة، لكنهم لا يعلمون أنهم يدخلون في متاهة من الأفكار التي تبعدهم عن الله وتوقعهم في الشرك أو الكفر.
من المهم أن نعرف أن كل ما يروج له من أسرار أو علوم باطنية ليست إلا أوهام شيطانية، وأن ضررها الحقيقي هو في إضعاف العقيدة، وزرع القلق والاضطراب النفسي، وليس في تحقيق أي منفعة حقيقية.
موقف الإسلام من السحر والعلوم الباطنية
الإسلام حذر من السحر وكل ما يتعلق به، واعتبر تعلمه أو ممارسته من الكبائر التي تخرج الإنسان من دائرة الإيمان. قال تعالى:
وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر
أي أن تعلم السحر كفر، وأن الشياطين هم من علموا الناس هذه العلوم الضارة.
أما عن علوم الطاقة، فكل ما فيها من مفاهيم مستوردة من الكابالا أو الهندوسية أو البوذية لا يجوز للمسلم أن يعتقد بها أو يمارسها، لأنها تقوم على عقائد مخالفة للتوحيد، مثل وحدة الوجود، حلول الإله في الإنسان، أو الاستعانة بالأرواح والشياطين.
كيف نتصدى لهذه الموجة؟
- التمسك بالقرآن والسنة: العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتدبر معانيهما، وفهم العقيدة الصحيحة.
- التحصن بالأذكار والأدعية: المداومة على الأذكار الشرعية، خاصة أذكار الصباح والمساء، فهي الحصن الحصين من كل شر.
- البحث عن الجذور: قبل الإيمان بأي تقنية أو علم جديد، ابحث عن أصله وجذوره العقدية، ولا تأخذ الأمور بظاهرها.
- عدم تعظيم هذه العلوم: لا تعتقد أن فيها أسراراً خارقة أو قدرات عجيبة، فهي في حقيقتها أوهام وأباطيل.
- نشر الوعي: شارك المعلومات الصحيحة مع الآخرين، وكن سبباً في إنقاذ من حولك من الوقوع في هذه الفتن.
- التثبت من المصادر: لا تأخذ دينك أو معرفتك من مدربين أو مصادر غير موثوقة، بل ارجع للعلماء الثقات وأهل الذكر.
الخلاصة
علوم الطاقة، الكابالا، الغنوصية، وكل الفلسفات الباطنية، ليست إلا امتداداً لعقائد السحر والشرك القديمة، وقد تسللت إلى مجتمعاتنا بأسماء براقة ومصطلحات جديدة. الواجب علينا كمسلمين أن نكون على وعي بجذور هذه العلوم، وأن نحذر من الوقوع في فخاخها، وألا نسمح لأحد أن يفسر لنا ديننا أو نصوصنا الشرعية وفق أهوائه أو معتقداته الباطنية.
ديننا واضح، عقيدتنا صافية، والقرآن والسنة فيهما كل الشفاء والهداية. فلنعد إلى الله، ولنحذر من كل ما يخالف التوحيد، ولنجعل ثقتنا بالله وحده، فهو القوي العزيز الذي لا يضرنا شيء إلا بإذنه.
"وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله"
[البقرة: 102]
مصادر مقترحة للقراءة والتدبر:
- القرآن الكريم (سورة البقرة، النساء، النور)
- كتاب "الوحي ونقيضه" للدكتور بهاء الأمير
- كتب العلماء الثقات في العقيدة الإسلامية
شارك هذا المقال مع من تحب، وانشر الوعي بين أهلك وأصدقائك، فالدين أمانة، والفتن كثيرة، والحق واضح لمن أراد الله له الهداية.
https://www.youtube.com/watch?v=sibgIT5k8lI