فهم طاقة الأنوثة بين الواقع والأسطورة: رؤية نقدية لمفاهيم منتشرة على وسائل التواصل
في عصرنا الحالي، تنتشر العديد من المفاهيم حول "طاقة الأنوثة" عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، حيث نجد الكثير من المؤثرين يتحدثون عن قوة الأنوث
في عصرنا الحالي، تنتشر العديد من المفاهيم حول "طاقة الأنوثة" عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، حيث نجد الكثير من المؤثرين يتحدثون عن قوة الأنوثة، ويصفونها بأنها طاقة خلاقة، طاقة اطمئنان، وطاقة استقبال تجذب النعم والرزق. يقال إن المرأة إذا كانت منفتحة على كل الاحتمالات والعطايا، فإنها ستجذب الخير إلى حياتها، كما يُستشهد بقصة السيدة مريم عليها السلام كمثال على الاسترخاء والثقة في الرزق، وأن توازن الطاقة الأنثوية يجلب ما تريد المرأة.
يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، فيدّعون أن إعطاء المرأة الحب يُضاعف الرزق للرجل، ويستشهدون بأمثلة مثل: "إذا أعطيت المرأة مجموعة خضار ستعيدها لك سفرة كاملة، وإذا أعطيتها نطفة ستعيدها لك طفلاً"، معتبرين أن الأنوثة طاقة خلاقة لكل شيء في الحياة، ويربطون ذلك بمفاهيم "الرحم الكوني" والإلهات القديمة مثل جايا، إيزيس، إنانا وعشتار، اللواتي ارتبطن بالحب والخصوبة.
تحليل نقدي لهذه المفاهيم
من المهم التوقف عند هذه الأفكار ونقدها بعين الفاحص. أولاً، يجب أن ندرك أن الكثير من هذه المفاهيم مستمدة من أساطير قديمة وثقافات غير إسلامية، وغالباً ما يتم اقتباسها بشكل مجتزأ أو غير دقيق. على سبيل المثال، يتم الاستشهاد بقصة السيدة مريم عليها السلام، ولكن في الحقيقة، الآية الكريمة التي تتحدث عن رزقها تقول: "قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب"، مما يؤكد أن الرزق من عند الله وحده، وليس نتيجة طاقة أنثوية أو استقبال معين.
كذلك، يُروى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم ولا يفقر، وعندما سُئل عن ذلك قال: "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني"، أي أن الرزق ليس مرتبطاً بجنس أو طاقة معينة، بل هو من عند الله.
الأساطير حول الإلهات الأنثوية
يرتبط الحديث عن طاقة الأنوثة أحياناً بالإلهات القديمة مثل إنانا وعشتار، ويُنظر إليهن كرموز للحب والخصوبة. لكن حتى في تلك الأساطير، لم تكن هذه الإلهات دائماً في مكانة عالية، بل كان يُنظر إليهن أحياناً بشكل سلبي، كرموز للضعف أو مجرد أدوات للتفريغ الجنسي، ولم يكن لهن قيمة كبيرة مقارنة بآلهة القوة والشجاعة في تلك الثقافات.
العلاقات الأسرية وتأثيرها على الطاقة الأنثوية
من الأفكار المنتشرة أيضاً أن علاقة الفتاة بأمها تعكس مدى تصالحها مع طاقتها الأنثوية، وأن علاقتها بوالدها تؤثر على اختياراتها لشريك الحياة. ورغم أن للعلاقات الأسرية تأثيراً نفسياً كبيراً، إلا أن ربط ذلك بطاقات غيبية أو قدرات خارقة للأنوثة يفتقر إلى الدليل العلمي أو الديني.
مخاطر التعلق واستنزاف الطاقة
ينصح البعض بعدم التعلق الزائد بالأشياء أو الأشخاص حتى لا تُستنزف الطاقة الأنثوية وتتعطل الشاكرات، مما يؤدي – حسب رأيهم – إلى الأمراض والمشاكل. لكن في الواقع، التوازن النفسي والعاطفي مهم للجميع، رجالاً ونساءً، وليس حكراً على النساء أو مرتبطاً بطاقة أنثوية خاصة.
دعوة للتمحيص والبحث
من المهم أن لا ننجر وراء كل فكرة جديدة أو مصطلح رائج دون تمحيص أو بحث. يجب علينا أن نعرض هذه الأفكار على القرآن والسنة، وأن نبحث عن مصادرها الحقيقية، وأن نسأل المختصين قبل تبنيها أو نشرها. فليس كل ما يقال على وسائل التواصل صحيحاً أو مفيداً، وبعضه قد يكون مضللاً أو حتى استغلالياً.
خلاصة
طاقة الأنوثة ليست قوة خارقة أو قدرة غيبية تجلب الرزق أو تحقق المعجزات، بل هي جزء من شخصية المرأة وتكوينها النفسي والجسدي، مثلها مثل الرجل. الرزق بيد الله وحده، والنجاح في الحياة يعتمد على العمل، السعي، والدعاء، وليس على أفكار مستوردة من أساطير أو فلسفات غير موثوقة. فلنكن واعين، ولنبحث دائماً عن الحقيقة، ونسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
https://www.youtube.com/watch?v=UqPGzYLsUe8