اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

حادثة الوحي: دروس من السيرة النبوية وتحذير من الانحرافات المعاصرة

هل لديك سرٌ بينك وبين الله؟ هل تقدم صدقاتٍ خفية لا يعلمها إلا الله؟ تلك الأعمال الخفية هي من أعظم ما يقرب العبد إلى ربه، وتُظهر صدق الإيمان وعمق العلا

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
8 دقائق

هل لديك سرٌ بينك وبين الله؟ هل تقدم صدقاتٍ خفية لا يعلمها إلا الله؟ تلك الأعمال الخفية هي من أعظم ما يقرب العبد إلى ربه، وتُظهر صدق الإيمان وعمق العلاقة بالله عز وجل. في هذا المقال، سنستعرض حادثة نزول الوحي على النبي محمد ﷺ، ونستخلص منها دروسًا تربوية وعقائدية، مع تسليط الضوء على بعض الانحرافات الفكرية المنتشرة اليوم، خاصة في موضوع "علوم الطاقة" وما شابهها.

حادثة الوحي: البداية المباركة

عندما بلغ النبي محمد ﷺ سن الأربعين، نزل عليه الوحي لأول مرة. كثير من الناس يظنون أن هناك خصوصية أو طاقة معينة لسن الأربعين، ويحتفلون به بشكل خاص، لكن في الحقيقة، لا يوجد في الشريعة ما يدل على تميز هذا السن بفضل خاص سوى ما ورد في قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}، أي أنه سن النضج، وليس سنًا يُستمد منه طاقة أو حكمة خارقة كما يروج بعض أهل الفلسفات الشرقية.

أمضى النبي ﷺ ثلاث عشرة سنة في مكة، ثم عشر سنوات في المدينة، وتوفي عن عمر 63 عامًا. أول ما بدأ به من الوحي كان الرؤيا الصادقة في المنام، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. وهذا النوع من الرؤى هبة من الله، لا يمكن اكتسابها بالتمارين أو التحكم فيها كما يظن بعض المتأثرين بفلسفات الطاقة أو "الإسقاط النجمي" وغيرها من الممارسات الباطلة.

حب الخلاء والتأمل المشروع

كان النبي ﷺ يحب الخلوة والتأمل في غار حراء، يتعبد الليالي ذوات العدد، بعيدًا عن الشرك وعبادة الأصنام التي كانت تملأ مكة. هذا الاصطفاء من الله للنبي ﷺ يُظهر أهمية التوحيد ونبذ الشرك، حتى قبل نزول الوحي.

جدير بالذكر أن التأمل المشروع في الإسلام يختلف تمامًا عن التأمل في الفلسفات الشرقية. التأمل الإسلامي هو تدبر في خلق الله، واستشعار عظمة الخالق، وتعظيمه وذكره، وليس "تفريغ العقل" أو البحث عن طاقات كونية مجهولة.

نزول الوحي وأول آيات القرآن

عندما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي ﷺ في الغار، قال له: "اقرأ"، فأجاب: "ما أنا بقارئ"، فغطه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم أطلقه وكرر الأمر. نزلت أول خمس آيات من سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

هذه الآيات تحمل معاني عظيمة، أهمها أن القراءة والتعلم يجب أن تكون باسم الله، وبما يرضيه، وأن الكرامة الحقيقية في اتباع أوامر الله وشرعه. أما من يطلب المعرفة من مصادر منحرفة أو فلسفات باطلة، فإنه يبتعد عن نور الله ويقع في الضلال.

خلق الإنسان والتعلق بالله

قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}، أي من علقة صغيرة في رحم أمه، ليبين لنا ضعف الإنسان وحاجته الدائمة إلى التعلق بالله عز وجل. الإنسان بطبيعته ضعيف، إذا لم يتعلق بالحق، تعلق بالباطل. ولذلك، كل من ترك التعلق بالقرآن والسنة، وجد نفسه متعلقًا بأفكار باطلة، أو طقوس غريبة، أو حتى أشخاص يدّعون امتلاك "طاقة" أو "قدرات خارقة".

قصة الخلق في الإسلام واضحة وثابتة، وتختلف تمامًا عن قصص الخلق في الديانات الشرقية التي تؤمن بانبثاق الكون من طاقة أو شواش، وتدعو إلى التناسخ ووحدة الوجود. هذه العقائد تتعارض كليًا مع التوحيد الإسلامي، والتشبه بها أو تبنيها خطر عظيم على العقيدة.

العلم الحقيقي والكرامة في اتباع الحق

الله عز وجل هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وجعل القلم وسيلة لنقل العلم. العلم الحقيقي هو العلم المستمد من الكتاب والسنة، وأي علم يخالفهما أو يدعو إلى الشرك والكفر فهو جهل وضلال، مهما زُيّن للناس بمسميات براقة.

من يتبع فلسفات الطاقة أو غيرها من المعتقدات المنحرفة بحثًا عن الشفاء أو الثراء أو الجمال، فإنه يسلك طريق الشيطان الذي لا يؤدي إلا إلى الكفر والشرك، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}.

الاعتماد على الأسباب لا يغني عن التوكل على الله

من أخطر ما يقع فيه الإنسان اليوم هو الاعتماد المطلق على الأسباب المادية، ونسيان التوكل على الله. مع تطور الطب والتقنية، أصبح كثير من الناس يظنون أن الشفاء أو الرزق أو الحماية بيد البشر أو الأنظمة، وقلّ تعلقهم بالله. هذا الاستغناء يؤدي إلى الطغيان، كما قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}.

الرجوع إلى الله في كل الأمور، واليقين بأن كل شيء بيده، هو أساس الإيمان. وكلما زاد تعلقك بالله، زاد قربك وكرامتك عنده.

الابتلاء سنة الحياة

الحياة في أصلها دار ابتلاء، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}. من أخطر ما تروج له فلسفات الطاقة وغيرها، هو إنكار الابتلاء، والدعوة إلى حياة بلا ألم أو مشاكل، وهذا مخالف للفطرة ولتعاليم الإسلام. الابتلاء يقربنا إلى الله، ويزيد إيماننا، ويهيئنا للجنة التي لا نصب فيها ولا تعب.

التحذير من الانحرافات المعاصرة

كثير من الناس اليوم يروجون لعلوم الطاقة، التأمل الشرقي، العلاج بالطاقات، التعلق بالأحجار أو الرموز أو الطقوس الغريبة. كل هذه الممارسات لها جذور في عقائد شركية، وتتنافى مع التوحيد. العلاج بالوهم أو "مسارات الطاقة" أو "الهالة" ليس له أصل علمي ولا شرعي، وهو من وسائل الشيطان لإبعاد الناس عن الدين الحق.

حتى بعض الممارسات التي تبدو بريئة، مثل التأمل أمام الشموع أو شرب شاي يحمل رموزًا شركية، يجب الحذر منها، لأنها قد توقع في التشبه بالكفار أو في الشرك دون أن يشعر الإنسان.

كيف نواجه الشبهات والشهوات؟

عند مواجهة شخص متأثر بهذه الأفكار، يجب التعامل معه بلطف وحكمة، وعدم القسوة أو القطيعة. الحوار الهادئ، وبيان الحق بالدليل من الكتاب والسنة، والدعاء له بالهداية، هو الطريق الأمثل. كثير من الشباب يدخلون هذه الطرق بدافع الفضول أو الرغبة في التجربة، ويحتاجون لمن يحتضنهم ويوجههم بحب وصبر.

أما الشبهات، فيجب دراستها جيدًا والرد عليها بالعلم والحجة، وعدم الاكتفاء بالإنكار فقط.

الذكر والرقية والاعتماد على الله

التحصينات والأذكار والرقية الشرعية كلها أسباب مشروعة للحماية والشفاء، لكن يجب أن يكون اليقين بأن الشافي هو الله وحده. لا يجوز الاعتقاد بأن الأذكار أو سورة البقرة أو غيرها تشفي بذاتها، بل هي أسباب، والشافي هو الله.

القرآن كله شفاء، وليس هناك تخصيص بقراءة سورة معينة يوميًا إلا ما ورد في السنة. الالتزام بالتحصينات والأذكار الواردة، مع التوكل على الله، هو الحصن الحصين من كل شر.

خلاصة المقال

  • حادثة الوحي تحمل دروسًا عظيمة في التوحيد، والتعلق بالله، وطلب العلم المشروع.
  • يجب الحذر من الانحرافات الفكرية المعاصرة، خاصة علوم الطاقة والتأملات الشرقية، وكل ما يخالف عقيدة الإسلام.
  • التوكل على الله، والاعتماد عليه في كل الأمور، هو أساس الإيمان.
  • الابتلاء سنة الحياة، ويجب تقبله والصبر عليه.
  • الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة هو السبيل لدعوة المتأثرين بهذه الأفكار.
  • الذكر والرقية أسباب، والشافي هو الله وحده.

نسأل الله أن يرزقنا حبّه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، وأن يحفظ قلوبنا من كل انحراف، ويثبتنا على الصراط المستقيم.

مصادر مقترحة للتوسع:

  • كتاب "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (في التأمل والتدبر في خلق الله)
  • السيرة النبوية (ابن هشام أو غيره)
  • كتب الرد على الفلسفات الشرقية وعلوم الطاقة من منظور إسلامي

وأخيرًا: اجعل لنفسك وردًا يوميًا من القرآن والسنة، وابتعد عن كل ما يبعدك عن الله، وكن حريصًا على الاقتراب منه في كل أمور حياتك.

https://www.youtube.com/watch?v=iaCtDPDt8es

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك