احفظ الله يحفظك: دروس في التوحيد والحفظ من القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، حمدًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في زمن كثرت فيه الفتن وتعددت طرق الضياع، أصبح من
الحمد لله رب العالمين، حمدًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في زمن كثرت فيه الفتن وتعددت طرق الضياع، أصبح من الضروري أن نعود إلى أصول ديننا، ونبحث عن الحماية الحقيقية لأنفسنا وأرواحنا. كثير من الناس اليوم يبحثون عن الطمأنينة والحفظ في أماكن غير صحيحة، من خلال بعض الممارسات المنتشرة مثل "طاقات الطاقة" أو الاعتماد على الأحجار الكريمة أو الخرائط الفلكية، ويبتعدون عن الطريق الذي رسمه لنا الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
فتنة الأفكار الوافدة
انتشرت في الآونة الأخيرة دورات وورش عمل تدعو إلى "تحرير الذات" و"توسيع الوعي"، وتروج لمفاهيم غريبة، مثل ضرورة التحرر من المعتقدات الدينية حتى يصبح الإنسان "مدربًا للطاقة" أو "مدربة أكسس". بل وصل الأمر بالبعض إلى القول بعدم الحاجة للدعاء أو الصلاة، بحجة أن الإنسان "كائن غير محدود" وأن الدعاء يحد من إمكانياته! وتدعو هذه الأفكار إلى عدم الحكم على أفعال الآخرين، حتى لو كانت منكرات صريحة، بحجة أن ذلك يعيق "جذب المال والسعادة".
وللأسف، هناك من ينكر السنة النبوية ويزعم أن القرآن لا يذكر الحجاب، أو أن الصلاة ليست ضرورية، ويستبدلها بما يسمى "تأملات" أو "ميديتيشن"، ويعتبرها أقرب إلى الله من الصلاة! كل هذه الأفكار تفتح أبواب الضياع والانحلال العقدي، وتبعد الإنسان عن التوحيد الصحيح، فيصبح مكشوفًا للأذى، وتسلط عليه شياطين الإنس والجن.
الحفظ الحقيقي: من أين يبدأ؟
كل إنسان يبحث عن الحفظ والأمان، لكن السؤال: من أين نبدأ؟ هل نحفظ أنفسنا بالأحجار الكريمة أو التعاويذ أو الخرائط الفلكية؟ أم أن الحفظ الحقيقي يأتي من الله وحده؟ يقول الله تعالى: "إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق". ويقول سبحانه: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم".
لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم طريق الحفظ الحقيقي في وصيته العظيمة لابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال:
"يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف." (رواه الترمذي)
هذه الوصية ليست لابن عباس وحده، بل لكل مسلم ومسلمة يريدون النجاة في الدنيا والآخرة.
كيف نحفظ الله؟
"احفظ الله" تعني أن نحفظ حدود الله وأوامره ونواهيه. أن نتمسك بالتوحيد الخالص، ونجتنب الشرك صغيره وكبيره، وأن نؤدي الصلاة ونحافظ عليها، ونحفظ الجوارح من الحرام، ونراقب الله في السر والعلن.
التوحيد هو أعظم ما يجب أن نحفظه، وهو أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة. علينا أن نبتعد عن كل ما يقدح في التوحيد، مثل الاعتماد على غير الله في الحفظ أو الرزق أو دفع الضر، أو تعليق التمائم والأحجار، أو اللجوء إلى العرافين والمنجمين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك".
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي الصلة بين العبد وربه. قال تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" (البقرة: 238). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة". فالصلاة نور وبركة وحفظ لصحة البدن والقلب، ودفع للشرور وجلب للخيرات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء. قالوا: إنا نستحيي يا رسول الله. قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى". فحفظ الرأس يشمل السمع والبصر واللسان والأفكار، وحفظ البطن يشمل الطعام الحلال والبعد عن الحرام. كما يجب حفظ الفرج من الزنا والفواحش، وحفظ اللسان من الكذب والغيبة.
خطورة الانحراف عن طريق الحفظ
من يتبع طرقًا غير شرعية للحفظ، كتعليق صائد الأحلام أو الاعتماد على الطاقة أو غيرها، يضرب توحيده ويعرض نفسه للضياع. بل إن المال الحرام الذي يجنيه البعض من هذه الدورات لا بركة فيه، ويكون سببًا في منع إجابة الدعاء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يمد يديه إلى السماء: "يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، فأنى يستجاب لذلك؟".
الحفظ في قصص الأنبياء
انظروا إلى قصة يوسف عليه السلام، كيف حفظه الله من الفاحشة عندما لجأ إليه وقال: "معاذ الله". حفظ الله له جاء بسبب إخلاصه وصدقه وابتعاده عن الحرام، فصرف الله عنه السوء والفحشاء، ونجاه من كيد امرأة العزيز.
الحفظ من الله وحده
الحفيظ هو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو وحده القادر على حفظ عباده في دينهم ودنياهم وآخرتهم. لا تفتش عن الحفظ في غير الله، ولا توكل أمرك لمخلوق ضعيف، بل الجأ إلى الله بقلب صادق، وكن من الذين قال فيهم الله: "هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ" (ق: 32).
دعاء الحفظ
من الأدعية النبوية التي تحفظ الإنسان: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه". وقبل النوم: "باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
خاتمة
الحفظ الحقيقي يبدأ من توحيد الله، والتمسك بالصلاة، وحفظ الجوارح، والاعتماد على الله وحده في كل أمر. كلما حفظت الله في أوامره ونواهيه، حفظك الله في دينك ودنياك وآخرتك، وفتح لك أبواب الخير والرزق والطمأنينة.
نسأل الله أن يهدينا ويثبتنا على دينه، وأن يحفظنا بحفظه، ويكفينا بحلاله عن حرامه، ويجعلنا من الراشدين.
اللهم احفظنا بحفظك، واكفنا بعنايتك ورعايتك، واجعلنا من عبادك الصالحين، واهد قلوبنا، وبارك لنا في أرزاقنا، وانصر إخواننا في كل مكان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
https://www.youtube.com/watch?v=ndPGDFZdOjo