اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

حكم صيام الحائض في الإسلام: بين الشريعة والعلم

في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض الأصوات التي تدعو النساء لصيام أيام الحيض في رمضان، بحجة التقرب إلى الله أو المساواة مع الرجال. هذه الدعوات أثارت جدلاً و

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض الأصوات التي تدعو النساء لصيام أيام الحيض في رمضان، بحجة التقرب إلى الله أو المساواة مع الرجال. هذه الدعوات أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والاجتماعية، ودفعت العديد من العلماء والمتخصصين للرد عليها وتوضيح الحكم الشرعي والحكمة الطبية من هذا الأمر. في هذا المقال، سنعرض الرأي الشرعي والطبي حول صيام الحائض، ونناقش أسباب ظهور هذه الأفكار، وكيف ينبغي للمسلم التعامل معها.

اتفق علماء الإسلام قديماً وحديثاً، وبإجماع الأمة، على أن الحائض لا يجوز لها الصيام في رمضان، وأنه يجب عليها الإفطار وقضاء تلك الأيام بعد انتهاء الشهر الفضيل. هذا الحكم ليس اجتهاداً أو رأياً شخصياً، بل هو نص صريح في السنة النبوية، أقرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت:

"كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"

(رواه البخاري ومسلم)

أي أن النساء في زمن النبي ﷺ كن يفطرن أيام الحيض، ثم يقضينها بعد رمضان، ولا يُطلب منهن قضاء الصلوات الفائتة أثناء الحيض. وهذا الأمر كان واضحاً وبديهياً في المجتمع الإسلامي عبر القرون، حتى أصبح من المسائل المتفق عليها بين العلماء.

قد يتساءل البعض: لماذا أُعفيت المرأة الحائض من الصيام؟

الجواب باختصار أن هذا من رحمة الله بالمرأة، وتيسيره عليها. فخلال فترة الحيض تمر المرأة بتغيرات جسدية ونفسية وهرمونية كبيرة، قد تضعف جسدها وتؤثر على صحتها العامة. فقدان الدم، والتقلبات الهرمونية، والآلام الجسدية، كلها تجعل الصيام عبئاً إضافياً قد يضر بصحتها.

وقد أشار بعض العلماء إلى أن الحكمة من هذا الحكم هي التخفيف عن المرأة في وقت تكون فيه أضعف من المعتاد. حتى إن لم نعرف كل تفاصيل الحكمة، فإن المسلم يؤمن ويسلم لحكم الله، ويوقن أن الشريعة لا تأمر إلا بما فيه خير للإنسان.

من المهم التأكيد أن إعفاء الحائض من الصيام ليس انتقاصاً من مكانتها أو تقصيراً في عبادتها، بل هو رخصة من الله سبحانه وتعالى، كما قال النبي ﷺ:

"إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"

أي أن الله يحب من عباده أن يأخذوا بالرخص التي شرعها لهم، كما يحب منهم الالتزام بالعزائم (الأوامر الأصلية). فمن رحمة الله أن خفف عن المرأة في هذا الوقت، وأمرها بالقضاء لاحقاً، دون أن يحاسبها على الإفطار في أيام الحيض.

ظهور دعوات لصيام الحائض أو أداء العبادات في وقت العذر الشرعي، هو من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة. بل إن الإصرار على الصيام في هذه الحالة يُعد مخالفة صريحة لأمر الله ورسوله، ولا يُقبل هذا الصيام مهما كانت النية. بل قد يُسأل الإنسان عن تعمده مخالفة الحكم الشرعي.

كما أن هذه الدعوات غالباً ما تأتي من تيارات فكرية تحاول التشكيك في ثوابت الدين، أو من أشخاص يتبعون فلسفات غريبة ودخيلة على المجتمع الإسلامي، ويزعمون أن العقل وحده كافٍ لفهم الشريعة دون الرجوع إلى القرآن والسنة وإجماع العلماء.

من أبرز أسباب ظهور هذه البدع هو الابتعاد عن منهج أهل السنة والجماعة، وإنكار السنة النبوية كمصدر للتشريع. فالقرآن الكريم أمرنا صراحة باتباع النبي ﷺ، فقال تعالى:

"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"

[الحشر: 7]

والسنة النبوية هي التي شرحت لنا تفاصيل العبادات، وبينت لنا ما يجوز وما لا يجوز، مثل حكم صيام الحائض. والعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم المرجع في فهم نصوص الشريعة وتطبيقها على الواقع.

من الناحية الطبية، تمر المرأة خلال الدورة الشهرية بثلاث مراحل رئيسية، أهمها مرحلة الحيض التي يصاحبها فقدان الدم، وتغيرات هرمونية كبيرة (انخفاض الإستروجين والبروجستيرون)، مما يؤدي إلى ضعف عام، آلام في البطن والظهر، تغيرات مزاجية ونفسية، وأحياناً صداع أو حتى أعراض اكتئاب.

خلال هذه الفترة، يحتاج الجسم إلى تعويض السوائل والراحة، ويكون الصيام عبئاً إضافياً قد يؤثر سلباً على الصحة. لذلك، فإن الإعفاء من الصيام في هذه الحالة يتوافق مع الفطرة السليمة، ويؤكد أن الشريعة الإسلامية تراعي طبيعة الإنسان وحاجاته البيولوجية.

البعض يزعم أن اتباع النصوص الشرعية دون محاولة "تأويلها" أو "تجديدها" هو نوع من التشدد أو الجمود. والحقيقة أن التسليم لله ورسوله هو جوهر الإيمان، وأن العقل دوره أن يفهم النص ويطبقه، لا أن يعارضه أو يغير معناه حسب الأهواء.

محاولات تفسير الدين بمعزل عن السنة أو الإجماع، أو استيراد أفكار دخيلة من فلسفات شرقية أو غربية، تؤدي في النهاية إلى التشكيك في أصول الدين، وقد تفضي إلى الإلحاد أو الخروج من الملة، والعياذ بالله.

ديننا الإسلامي دين ثابت، نقلته الأجيال جيلاً بعد جيل، وهو تاج رؤوسنا ومصدر عزتنا. لا ينبغي أن نترك أنفسنا فريسة لكل فكرة دخيلة أو بدعة مستحدثة. فكل ما جاء به الله ورسوله فيه الخير والرحمة والحكمة، حتى لو لم ندرك كل أبعاده.

إعفاء الحائض من الصيام ليس نقصاً، بل هو رحمة إلهية، وعلى المرأة أن تفتخر بهذه الرخصة وتلتزم بها، ولا تصغي لمن يحاول التشكيك في دينها أو دفعها لمخالفة الشريعة.

نصائح للنساء والفتيات

  • التزمي بحكم الله ورسوله، ولا تصومي أيام الحيض، واقضيها بعد رمضان.
  • لا تستمعي لأي دعوة تخالف إجماع العلماء أو السنة النبوية.
  • اسألي أهل العلم الموثوقين إذا أشكل عليك أمر من أمور دينك.
  • اعتزي بدينك وموروثك، ولا تتأثري بالأفكار الغريبة أو الفلسفات الدخيلة.

ختاماً

الإسلام دين يراعي الفطرة، ويوازن بين الروح والجسد، ويعطي كل إنسان حقه بحسب طبيعته. فاحمدي الله على نعمة الإسلام، واتبعي أوامره كما جاءت، وكوني واثقة أن كل حكم شرعي فيه الخير لك في الدنيا والآخرة.

المصادر:

  • صحيح البخاري ومسلم
  • أقوال العلماء في كتب الفقه
  • مراجع طبية حول الدورة الشهرية

بقلم: فريق الكتابة التعليمية

https://www.youtube.com/watch?v=G0HUsXbmF08

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك