هل ذُكرت الطاقة في القرآن؟ كشف الشبهات حول ربط الطاقة بالنور القرآني
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم “الطاقة” و”النور” في أوساط التنمية البشرية والروحانيات، وبدأ البعض يربط بين هذه المفاهيم وبين نصوص القرآن الكريم، مد
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم “الطاقة” و”النور” في أوساط التنمية البشرية والروحانيات، وبدأ البعض يربط بين هذه المفاهيم وبين نصوص القرآن الكريم، مدّعين أن الطاقة التي يتحدثون عنها مذكورة في القرآن تحت مسمى “النور”. فما حقيقة هذا الادعاء؟ وهل فعلاً هناك علاقة بين الطاقة بمفهومها الحديث وبين النور الذي ورد في كتاب الله؟ هذا المقال يسلط الضوء على هذه الشبهة، ويفندها من خلال النصوص الشرعية وفهم السلف الصالح.
أولاً: حقيقة النور في القرآن
جاء ذكر النور في القرآن الكريم في مواضع عديدة، منها قوله تعالى:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]
وكذلك قوله سبحانه:
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257]
النور هنا ليس مادة محسوسة يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو قياسها بأجهزة الطاقة، بل هو نور الهداية، ونور الإيمان، ونور العلم الذي يضيء للإنسان طريق الحق. النور في القرآن هو نور معنوي، مرتبط باتباع منهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس طاقة فيزيائية أو قوة غيبية كما يروج بعض مدربي الطاقة.
ثانياً: كيف يتم التلبيس بين النور والطاقة؟
يحاول بعض مدربي الطاقة تمرير أفكارهم إلى المسلمين عبر ربط مصطلحات الطاقة بالنصوص الدينية، فيقولون مثلاً: “الطاقة مذكورة في القرآن باسم النور”، ويصورون النور كأنه “كشاف” يضيء الطريق فقط لمن يسير على “المنهج الصحيح” بحسب فهمهم. ويزعمون أن من لم يفعل ذلك يعيش في ظلام وتخبط وقلق وخوف. ثم يضيفون أن الطاقة لا تُرى بالعين المجردة، ويشيرون إلى مفاهيم مثل “العين الأصلية” أو “العين الثالثة” المأخوذة من الفلسفات الشرقية.
هذا الربط فيه تلبيس واضح، إذ يتم اقتطاع كلمة “النور” من سياقها الشرعي، وإلباسها معنى جديداً مستورداً من فلسفات وثنية أو غنوصية، ثم نسبته إلى القرآن الكريم. وهذا لا يصح لا لغةً ولا شرعاً ولا حتى منطقاً.
ثالثاً: الرد الشرعي على هذه الشبهة
عند النظر في القرآن والسنة، نجد أن النور الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الهداية والشريعة والحق، كما قال تعالى:
{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15]
أي أن الرسول والقرآن هما النور الذي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليس هناك أي ذكر للطاقة الكونية أو الطاقة الإيجابية أو السلبية أو غير ذلك من المصطلحات الحديثة.
بل إن الشريعة الإسلامية جاءت لتحصين الأمة من الخرافات والدجل، وبيان الحق من الباطل. فكلما ظهرت بدعة أو خرافة أو فلسفة منحرفة، كان المسلمون أول من يكتشف زيفها ويكشف حقيقتها، لأن عندهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: خطر تحريف المفاهيم الشرعية
من أخطر ما في هذه الشبهات أنها لا تكتفي بتغيير معاني الألفاظ، بل تهاجم السنة النبوية وتدعو الناس إلى ترك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، بحجة أن “الاتباع الأعمى” يمنع الإنسان من التفكير واستغلال إمكانياته. ويزعمون أن من يتبع السنة يعيش في قلق وخوف وتخبط، بينما من يسير على طريق الطاقة يعيش في سلام ونور!
هذا المنطق مقلوب، فالحقيقة أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو طريق النور والطمأنينة والسعادة، كما قال تعالى:
{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]
أما ترك الاتباع فهو طريق الضلال والتيه، كما قال تعالى:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115]
خامساً: لماذا يستشهدون بكلمة "موروث"؟
من أساليب أهل هذه الشبهات أنهم يطلقون على السنة النبوية اسم “الموروث”، ويطعنون في كتب الحديث مثل صحيح البخاري ومسلم، بحجة أن هذه الكتب من إنتاج بشر، وليس من الوحي. والهدف من ذلك هو إسقاط السنة النبوية، لأنهم يعلمون أن الطعن في السنة أسهل من الطعن في القرآن مباشرة.
لكن الحقيقة أن السنة وحي من الله، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن القرآن نفسه سماه الله “موروثاً” عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]
سادساً: أصول الطاقة في الفلسفات الشرقية
من المثير للاهتمام أن مفهوم “الطاقة النورانية” ليس أصيلاً حتى في كتب الهندوسية والبوذية القديمة، كما شهد بذلك بعض من قرأ هذه الكتب لعقود طويلة. فمصطلح “الطاقة نور” لم يرد في تلك الكتب، بل هو اختراع حديث ظهر في المدارس المتصوفة الحديثة وبعض الفلسفات الغربية، ثم تم “أسلمته” وربطه بنصوص القرآن والسنة زوراً وبهتاناً.
سابعاً: كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا من هذه الشبهات؟
- تعلم الشريعة: لا بد لكل مسلم أن يتعلم دينه من مصادره الصحيحة، القرآن والسنة بفهم السلف الصالح.
- الرجوع للعلماء: عند الشبهات، نرجع لأهل العلم، ولا نأخذ ديننا من مدربي الطاقة أو المتأثرين بالفلسفات الشرقية.
- التحقق من المعاني: لا نقبل أي تفسير للقرآن أو السنة يخالف ما عليه علماء الأمة عبر القرون.
- التمييز بين المصطلحات: يجب الانتباه إلى أن الطاقة بمفهومها الفلسفي أو الكوني ليست هي النور الذي ذكره الله في كتابه.
خلاصة القول
النور في القرآن هو الهداية والإيمان والعلم، وليس “الطاقة” التي يروج لها بعض مدربي التنمية البشرية أو الروحانيات. وكل محاولة لربط الطاقة بالنور القرآني هي تلبيس وتحريف لمعاني القرآن والسنة.
ديننا واضح، ونصوصه بينة، ومنهج السلف الصالح هو الحصن الحصين ضد كل خرافة أو بدعة أو فلسفة دخيلة.
فلنتمسك بالقرآن والسنة بفهم السلف، ولنعلم أبناءنا أن النور الحقيقي هو نور الإيمان والاتباع، لا نور الطاقة المزعومة.
اللهم ثبتنا وإياكم على الحق، وانر بصائرنا بنور كتابك وسنة نبيك.
https://www.youtube.com/watch?v=i-ADm_au-3Q