اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

حقيقة "دورات العلاقات" في مدارس الطاقة: نقد وتحليل من منظور إسلامي وأسري

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات التدريبية وورش العمل التي تروج لما يسمى بـ"مدارس الطاقة" أو "علوم الطاقة" مثل "الأكسس بارز" وغيرها، والتي

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات التدريبية وورش العمل التي تروج لما يسمى بـ"مدارس الطاقة" أو "علوم الطاقة" مثل "الأكسس بارز" وغيرها، والتي تقدم نفسها كوسيلة لتطوير الذات وتحسين العلاقات الإنسانية، خاصة الأسرية والزوجية. لكن خلف هذه الشعارات البراقة، تبرز تساؤلات جوهرية حول حقيقة ما تطرحه هذه الدورات، ومدى توافقها مع القيم الدينية والاجتماعية، وتأثيرها الفعلي على الأفراد والأسر.

في هذا المقال، نستعرض بشكل تحليلي وناقد ما يدور في كواليس هذه الدورات، ونقارن بين المفاهيم التي تروج لها وبين المبادئ الإسلامية والقيم الأسرية الأصيلة، مع عرض شهادات وتجارب واقعية لمن خاضوا هذه التجربة.

مدخل: ما هي "دورات العلاقات" في مدارس الطاقة؟

تقدم مدارس الطاقة، مثل "الأكسس بارز"، نفسها كمنهج متكامل لتحسين جودة الحياة والعلاقات، وتدّعي أنها تساعد الفرد على "رفع وعيه" وتحريره من القيود النفسية والاجتماعية التي تعيق سعادته. وتروج هذه الدورات لمصطلحات مثل "الاستحقاق العالي"، "تقدير الذات"، "تحرير الطاقة السلبية"، وغيرها من المفاهيم التي تبدو في ظاهرها إيجابية.

لكن عند التعمق في محتواها، نجد أن هذه الدورات تعتمد على فلسفات غريبة عن بيئتنا الإسلامية والعربية، وتدفع المتدرب تدريجياً إلى إعادة تعريف العلاقات الإنسانية بشكل مادي ونفعي بحت، بعيداً عن الروابط العاطفية والروحية والأخلاقية.

المفاهيم الأساسية في "أكسس العلاقات"

1. مركزية "الأنا"

تعتمد هذه الدورات على تضخيم الذات بشكل كبير، حيث يصبح الفرد هو محور الكون، ويُطلب منه أن يضع نفسه في المرتبة الأولى دائماً، حتى ولو كان ذلك على حساب أقرب الناس إليه من والدين وأبناء وزوج أو زوجة. وتُشجع المتدربة أو المتدرب على الاستغناء عن الجميع، بحجة أن "الإنسان الواعي" لا يحتاج لأحد!

2. العلاقات كصفقات ومصالح

تُعيد هذه الدورات تعريف العلاقات، فبدلاً من أن تكون مبنية على الرحمة والمودة والتكافل، تصبح قائمة على "المقايضة" و"المنفعة". فلا يوجد عطاء بلا مقابل، وكل علاقة يجب أن تحقق للفرد مكاسب مادية أو معنوية، وإلا فهي علاقة "سامّة" يجب قطعها فوراً، حتى لو كانت مع الوالدين أو الأبناء.

3. تهميش العواطف والمشاعر

تروج هذه الدورات لفكرة أن المشاعر "السلبية" يجب التخلص منها، وأن الحزن أو التعاطف مع الآخرين يُضعف الطاقة ويمنع "الاستحقاق". فتجد المتدربات يمتنعن عن زيارة مريض أو مواساة حزين، بحجة الحفاظ على "طاقتهن الإيجابية".

4. تقديس الجسد والمتعة

تُعلي هذه الدورات من شأن الجسد واللذة الشخصية، وتدعو إلى الانفتاح المطلق في العلاقات، حتى وصل الأمر إلى تبرير الانحلال الأخلاقي تحت مسمى "الحرية" و"الاستحقاق".

5. هدم الروابط الأسرية

من أخطر ما يُلاحظ في هذه الدورات هو تشجيع المتدربين، خاصة النساء، على الانفصال عن أسرهن وأزواجهن وأبنائهن، بحجة التحرر من "الهيمنة" و"الابتزاز العاطفي"، وتُصور الأم أو الأب أو الزوج كعقبة في طريق "التطور الذاتي".

مقارنة بين النموذج الطاقي والنموذج الإسلامي في العلاقات

النموذج الطاقي (مدارس الطاقة)

  • الأنا أولاً: الفرد هو المركز، ولا قيمة للآخرين إلا بقدر ما يحققونه له من منفعة.
  • العلاقات صفقات: لا عطاء بلا مقابل، ولا مكان للتضحية أو الإيثار.
  • تهميش المشاعر: يُنظر للعواطف كضعف يجب التخلص منه.
  • الانفصال عن الأسرة: الأسرة تُعتبر قيداً يجب التحرر منه.
  • تقديس الجسد والمتعة: التركيز على اللذة الشخصية دون ضوابط.

النموذج الإسلامي

  • الأسرة أولاً: بر الوالدين، صلة الرحم، الرحمة والمودة بين الزوجين.
  • العطاء والإيثار: "خير الناس أنفعهم للناس"، والعلاقات قائمة على التعاون والتكافل.
  • الاعتدال في المشاعر: الإسلام لا ينكر المشاعر، بل يوجهها ويهذبها.
  • الأسرة حصن المجتمع: الحفاظ على الأسرة من أهم مقاصد الشريعة.
  • الروح فوق الجسد: الاعتناء بالجسد مشروع، لكن الروح والإيمان هما الأساس.

نتائج واقعية: شهادات وتجارب

تروي العديد من النساء والرجال ممن خاضوا هذه الدورات أن النتائج كانت كارثية على حياتهم الأسرية والاجتماعية. من أبرز ما ذُكر:

  • تفكك أسر: حالات طلاق وقطيعة بين الأبناء وأمهاتهم أو آبائهم، بسبب قناعة جديدة بأن "الأسرة تقيد الطاقة".
  • برود عاطفي: غياب المشاعر الطبيعية تجاه الأحداث الحزينة أو السعيدة، حتى في وفاة أحد الوالدين.
  • عزلة اجتماعية: الانسحاب من العلاقات الاجتماعية، والشعور الدائم بالوحدة رغم كثرة "التمارين" و"التأملات".
  • تضخم الأنا والشعور بالاستحقاق: كل شيء يجب أن يدور حول "أنا"، ولا مكان للتنازل أو التضحية.
  • شعور بالذنب والضياع: بعد فترة من ممارسة هذه الفلسفات، يشعر الكثيرون بالذنب تجاه أسرهم، ويدخلون في أزمات نفسية عميقة.

نقد علمي وواقعي

لا شك أن تطوير الذات وتحسين العلاقات أمر محمود، لكن ليس على حساب القيم الدينية والأخلاقية. فالدعوة إلى قطع الأرحام، أو تهميش دور الأسرة، أو تقديس الجسد والمتعة الشخصية، هي دعوات تتعارض مع الفطرة السليمة ومع تعاليم الإسلام.

كما أن المزاعم حول "رفع الطاقة" و"الاستحقاق" و"تنظيف الكارما" ليست سوى شعارات فارغة لا تستند إلى أي أساس علمي أو ديني، وغالباً ما تؤدي إلى مزيد من الضياع النفسي والاجتماعي.

نصيحة للباحثين عن التطوير الذاتي

إذا كنت تبحث فعلاً عن تحسين علاقاتك، فابدأ من حيث انتهى الأنبياء والحكماء: بالرحمة، والمودة، وحسن الخلق، والتضحية، والإيثار. استعن بالله، واطلب العون من أهل الخبرة الموثوقين، وابتعد عن الدورات التي تروج لفلسفات غريبة عن دينك وثقافتك.

وتذكر قول الله تعالى:

"وجعل بينكم مودة ورحمة" (سورة الروم: 21)، فهذه هي الأساس المتين لأي علاقة إنسانية ناجحة.

خلاصة

دورات "العلاقات" في مدارس الطاقة قد تبدو مغرية في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها أفكاراً تهدم الأسرة، وتزعزع القيم، وتدفع الفرد إلى عزلة وأنانية مفرطة. فاحذر أن تنخدع بالشعارات البراقة، وكن واعياً بما يدخل إلى قلبك وعقلك، فليس كل جديد نافع، وليس كل ما يلمع ذهباً.

بقلم: فريق التحرير

للمزيد من المقالات التوعوية حول تطوير الذات من منظور إسلامي وأخلاقي، تابعوا موقعنا أو صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي.

https://www.youtube.com/watch?v=PkfNHWZ-A7U

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك