حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن: كشف الخرافة وتوضيح الحقيقة
في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات التي تدّعي القدرة على تحسين الصحة الجسدية والنفسية من خلال ما يُسمى بـ"العلاج بالطاقة". وتحت هذا
في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات التي تدّعي القدرة على تحسين الصحة الجسدية والنفسية من خلال ما يُسمى بـ"العلاج بالطاقة". وتحت هذا العنوان العريض، ظهرت مدارس وتطبيقات متنوعة، بعضها يستند إلى فلسفات شرقية قديمة، وأخرى تحاول إضفاء صبغة علمية أو حتى دينية إسلامية على هذه المفاهيم. في هذا المقال، نستعرض أهم ما جاء في كتاب "حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن" للدكتورة فوز كردي، ونوضح الفرق بين الطاقة العلمية والطاقة المزعومة، ونكشف حقيقة التطبيقات المنتشرة في مجتمعاتنا.
أولاً: مفهوم الطاقة بين العلم والفلسفات الشرقية
الطاقة في العلم الحديث
الطاقة في المفهوم العلمي الفيزيائي هي القدرة على القيام بعمل أو إحداث تغيير. ويشمل ذلك أشكال الطاقة المختلفة مثل الحرارية، النووية، الميكانيكية، الكيميائية، والكهرومغناطيسية. هذه الطاقة يمكن قياسها والتعامل معها بطرق علمية معروفة، وهي أساس العديد من التطبيقات العملية في حياتنا.
الطاقة في الفلسفات الشرقية
أما ما يُسمى بـ"الطاقة الكونية" أو "قوة الحياة" في الفلسفات الشرقية، فهو مفهوم مختلف تماماً. هذه الطاقة ليست فيزيائية ولا يمكن قياسها أو إثبات وجودها علمياً. بل هي فكرة فلسفية غيبية نشأت في حضارات لم تعرف النبوات أو أنكرت الوحي، فحاولت تفسير الحياة والكون عبر تصورات خيالية. وأُطلقت عليها أسماء متعددة بحسب الثقافات: "تشي" في الصين، "كي" في اليابان، "برانا" في الهند، "كا" عند الفراعنة، وغيرها.
ثانياً: كيف يتم الترويج للطاقة الكونية؟
يحاول مروجو هذه المفاهيم إقناع الناس بأن الطاقة الكونية هي مصدر الحياة، وأنه يمكن استمدادها بطرق خاصة لتحقيق الشفاء والسعادة والتوازن الروحي. ولإضفاء طابع علمي عليها، يدّعون أنها نوع من الطاقة الكهرومغناطيسية أو الذبذبات، ويستخدمون أجهزة مثل "تصوير كيرليان" أو "البندول الفرعوني" لقياسها، رغم أن هذه الأجهزة في الحقيقة تقيس ظواهر فيزيائية معروفة لا علاقة لها بالطاقة الكونية المزعومة.
كما يسعى بعضهم إلى ربط هذه المفاهيم بالدين الإسلامي، فيزعمون أن الطاقة الكونية هي "نور الله" أو "الروح"، أو يحاولون إيجاد تشابه بينها وبين مفاهيم إسلامية مثل البركة أو الشفاء بالقرآن، وهذا خلط خطير يفتقد الدليل العلمي والشرعي.
ثالثاً: أبرز تطبيقات العلاج بالطاقة المنتشرة
1. الريكي والعلاج باللمس
هي ممارسات تدعي نقل الطاقة الكونية عبر اليدين لتحقيق الشفاء الذاتي أو شفاء الآخرين. يُزعم أن المدرب يفتح "منافذ الطاقة" في الجسم، ويعطي المتدرب القدرة على الشفاء باللمس.
2. التشي كونج والتاي تشي
تمارين رياضية وروحية صينية تركز على تحريك الطاقة في الجسم عبر حركات وتنفس خاص، ويُقال إنها تزيد المناعة وتقاوم الأمراض.
3. التنفس العميق والتحولي
تدريبات تنفس يُزعم أنها تدخل "البرانا" أو طاقة الحياة إلى الجسم، وتحقق الاسترخاء والتناغم مع الكون. يروّج لها أحياناً كوسيلة لتحفيظ القرآن أو تحسين الصحة النفسية.
4. التأمل التجاوزي والتأمل الارتقائي
ممارسات روحية تهدف للوصول إلى حالات وعي مغيرة، غالباً عبر ترديد ترانيم أو أسماء رمزية، ويُقال إنها تمنح السعادة والنشوة الروحية.
5. الأنظمة الغذائية والديكورات الطاقية
مثل نظام "الماكروبيوتك" أو تصميم المنازل وفق "الفنغ شوي" أو "البايوجيومتري"، والتي تدّعي تحقيق التوازن الطاقي في الغذاء أو المكان.
رابعاً: محاولات أسلمة العلاج بالطاقة وخطورتها
يحاول بعض المدربين في المجتمعات الإسلامية "أسلمة" هذه الممارسات، عبر إدخال مصطلحات شرعية أو ربطها بالقرآن والسنة. فيزعمون أن الريكي هو نوع من الرقية، أو أن التنفس العميق يساعد على حفظ القرآن، أو أن السجود يفرغ الطاقة السلبية، أو أن الحجامة تعمل على مسارات الطاقة.
وهذا خلط خطير بين العقيدة الإسلامية الصافية وبين فلسفات وثنية أو خرافات لا أصل لها في الدين. فالعلاج بالقرآن والرُّقية الشرعية يختلفان جذرياً عن ممارسات الطاقة، إذ أن الشفاء في الإسلام مرتبط بإرادة الله وحده، وليس بقوى غيبية أو طاقات كونية.
خامساً: الرد العلمي والطبي على مزاعم العلاج بالطاقة
أوضح المختصون أن كثيراً من الأعراض التي يشعر بها من يمارس تمارين التنفس أو التأمل (كالدوخة، التنميل، أو حتى "الشعور بالتحرر") هي في الحقيقة نتائج لتغيرات فسيولوجية في الجسم، مثل نقص الأكسجين أو الكالسيوم في الدماغ، وليس لها علاقة بطاقة كونية أو شفاء خارق.
أما ما يُسمى بالطاقة الحيوية في الجسم، فهو ببساطة العمليات الحيوية الطبيعية التي تحدث في الخلايا (مثل تحويل الغذاء إلى طاقة في الميتوكوندريا)، وهي مفهومة ومقاسة علمياً، ولا علاقة لها بالطاقة الكونية الغيبية.
سادساً: خطورة هذه الممارسات على العقيدة والمجتمع
تكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الممارسات ليست مجرد تمارين أو عادات صحية، بل تحمل في طياتها فلسفات دينية وثنية، وتدعو بشكل مباشر أو غير مباشر إلى عقائد مثل وحدة الوجود أو تأليه الذات أو الإيمان بقوى غيبية غير الله. وهذا قد يؤدي إلى الانحراف عن العقيدة الصحيحة، والوقوع في الشرك أو الإلحاد، والابتعاد عن منهج الوحي.
كما أن هذه الدورات غالباً ما تستهلك أموال ووقت المتدربين دون فائدة حقيقية، بل وقد تؤدي إلى أضرار نفسية أو صحية، وتخلق حالة من العزلة والأنانية بدلاً من التعاون والتراحم الذي يدعو إليه الإسلام.
سابعاً: كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا من هذه الخرافات؟
- التمييز بين العلم الحقيقي والخرافة: يجب أن نأخذ العلوم المثبتة علمياً فقط، ونرفض كل ما ليس له دليل علمي أو شرعي.
- الرجوع للكتاب والسنة: في أمور الغيب والروحانيات، لا نأخذ إلا من النصوص الشرعية الصحيحة، ونحذر من كل من يدّعي معرفة أسرار أو علوم غيبية.
- عدم الانبهار بالمصطلحات أو الأجهزة: كثير من المدربين يستخدمون مصطلحات علمية أو أجهزة ليوهموا الناس بالعلمية، بينما الحقيقة غير ذلك.
- الحذر من أسلمة الخرافات: لا يجوز تطويع الدين لخدمة فلسفات دخيلة أو خرافات وثنية.
- التوعية المستمرة: يجب على الآباء والمعلمين نشر الوعي بخطورة هذه المفاهيم، وتحذير الأبناء من الوقوع فيها.
خلاصة القول
العلاج بالطاقة كما يُروج له اليوم ليس علماً ولا علاجاً حقيقياً، بل هو مزيج من الفلسفات الوثنية والخرافات التي تتعارض مع العلم والدين. وقد حذر العلماء والدعاة من خطورته على العقيدة والصحة والمجتمع. واجبنا أن نتمسك بالمنهج العلمي الصحيح، ونحذر من كل ما يخالف ديننا وعقولنا، وأن نعود للقرآن والسنة في كل ما يتعلق بالروح والغيب.
وأخيراً: لا تجعلوا عقولكم سلة مهملات لكل ما يروج له المدربون والدورات، بل كونوا واعين، وابحثوا عن الحقيقة من مصادرها الصحيحة، حفظكم الله من كل ضلال وفتنة.
المقال مستوحى من كتاب "حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن" للدكتورة فوز كردي، ومداخلات مجموعة من المختصين في قنوات التوعية.
https://www.youtube.com/watch?v=RhZRJJxRcEc