حقيقة العلاج بالطاقة: تجربة شخصية وتحذير للباحثين عن الشفاء
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والممارسات التي تدّعي القدرة على علاج الأمراض الجسدية والنفسية من خلال ما يُسمى "الطاقة" أو "العلاج بالطا
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والممارسات التي تدّعي القدرة على علاج الأمراض الجسدية والنفسية من خلال ما يُسمى "الطاقة" أو "العلاج بالطاقة". من بين هذه التقنيات ظهرت أسماء مثل "الثيتا هيلينغ" و"الأكسس بارز" وغيرها من المصطلحات التي جذبت الكثيرين، خاصة من يعانون من مشكلات صحية أو نفسية ويبحثون عن حلول سريعة وسهلة. في هذا المقال، نسلط الضوء على حقيقة هذه الممارسات من خلال تجربة شخصية واقعية، ونستعرض المخاطر المرتبطة بها، ونوضح الفرق بينها وبين المنهج الديني والعلمي في التعامل مع المشكلات الصحية.
أقسام الاستجابة للدعاء والفرق مع "مدارس الطاقة"
عندما يدعو الإنسان ربه، فإن استجابة الدعاء لها ثلاث حالات: إما أن يُستجاب له في الدنيا، أو يُدخر له في الآخرة، أو يُصرف عنه سوء. أما في "دورات الطاقة"، فيروج البعض لفكرة أن الكون حتمي في استجابته، وأنه يكفي أن يرسل الإنسان تردداته أو يفتح "الاحتمالات" حتى يحصل على ما يريد. هذا التصور يتجاهل تمامًا عقيدة القضاء والقدر، وينكر أن الله عز وجل قد كتب المقادير للخلائق، ويستبدل معيار الحلال والحرام بمعيار المنفعة واللذة الشخصية فقط.
كيف بدأت القصة؟
كثير من المدربين في هذه الدورات لم يكن لديهم خلفية علمية أو دينية قوية، بل دخلوا المجال صدفة أو بدافع الفضول أو الحاجة المالية. بعضهم كان يعمل في مجالات أخرى كالتدريب الرياضي أو التعليم، ثم انجذب إلى عالم الطاقة من خلال منشورات ممولة على وسائل التواصل الاجتماعي تعد بحياة أفضل وثروة وصحة وسعادة بمجرد حضور دورة أو جلستين.
ما هي تقنية "الأكسس بارز"؟
"الأكسس بارز" واحدة من أشهر تقنيات العلاج بالطاقة، وتدّعي أنها تعتمد على الضغط على 32 نقطة في الرأس (16 يمينًا و16 يسارًا) بطريقة متزامنة لتحرير "المعتقدات الخاطئة" وفتح مسارات الطاقة في الجسم. يُقال إن لكل نقطة وظيفة خاصة، مثل المال أو الجمال أو العلاقات، وخلال الجلسة تُقال عبارات وجمل معينة يُزعم أنها تساعد في الشفاء.
لكن في الواقع، هذه التقنية ليست علاجية معتمدة، ولا تملك براءة اختراع أو اعترافًا من الهيئات الطبية. هي مجرد ممارسة روحانية، ولا تستند إلى أي أساس علمي أو طبي. الأخطر من ذلك، أن منشأها مرتبط بممارسات الشعوذة واستحضار الأرواح، وأن من ابتكرها لم يكن له أي علاقة بالعلم أو الطب، بل كان يمارس التداوي بالأعشاب ويدّعي قدرات خارقة.
كيف يتم استغلال المرضى؟
يستهدف مروجو هذه الدورات فئات معينة من الناس، خاصة من يعانون من مشكلات مزمنة أو أمراض عضوية أو نفسية مثل الاكتئاب، التوحد، مشاكل العلاقات الزوجية، العقم، وغيرها. يتم إيهامهم بأن الحل ليس في الطب أو العلاج النفسي، بل في "تنظيف الشاكرات" أو "تحرير الطاقة السلبية". بل وصل الأمر إلى أن بعض الأخصائيين والأطباء دخلوا هذا المجال، وبدأوا يروجون له كعلاج بديل، رغم خطورته وغياب أي دليل علمي على فعاليته.
عند حضور الجلسات، يُقال للعميل إن النتائج لن تظهر من أول مرة، بل يحتاج إلى عدة جلسات (ثلاثة على الأقل)، مما يدفعه للعودة مرارًا وتكرارًا ودفع مبالغ مالية كبيرة. في بعض المدن، تصل تكلفة الجلسة الواحدة إلى آلاف الدنانير، ما يجعل الأمر تجارة مربحة للبعض على حساب آلام الناس وأحلامهم بالشفاء.
لماذا يصدق الناس هذه الادعاءات؟
غالبًا ما يكون الشخص الذي يلجأ لهذه الدورات في حالة ضعف أو يأس، يبحث عن أي قشة للنجاة. الإعلانات الممولة تُظهر الأمر وكأنه عصا سحرية، وتعد بتحقيق الأمنيات وتغيير الحياة للأفضل. في الدورات، يُطلب من المتدرب أن يتخلى عن التفكير النقدي، وألا يسأل أو يشكك، بل يصدق ويطبق فقط. هذا الأسلوب يزرع التبعية للمدرب ويجعل العميل يثق في أي شيء يُقال له، حتى لو كان بلا دليل.
المخاطر النفسية والدينية
بعيدًا عن غياب الفائدة الطبية، تحمل هذه الممارسات مخاطر نفسية ودينية كبيرة. فالبعض قد يتعرض لأعراض نفسية مثل النسيان الشديد، الكوابيس، أو حتى الشعور بوجود قوى غريبة، نتيجة تكرار الجلسات وتبادل ما يُسمى "الطاقة". والأخطر هو البعد عن الدين، حيث يُستبدل التوكل على الله واللجوء إليه بالاعتماد على "الكون" أو "الطاقة" أو "المدرب"، ما قد يؤدي إلى زعزعة العقيدة وفتح الباب للأوهام والوساوس.
رسالة تحذيرية من تجربة واقعية
تروي إحدى المدربات السابقات في مجال الطاقة كيف دخلت المجال صدفة، وانبهرت في البداية بالوعود الكاذبة، ثم بدأت تلاحظ التلاعب بالناس واستغلالهم ماديًا ونفسيًا. بعد سنوات من العمل، شعرت بتأنيب الضمير، وقررت التوبة والابتعاد عن هذا الطريق، بل وأبلغت كل من تدربوا على يديها أن كل ما تعلموه كان خطأً وخطرًا على دينهم ونفسيتهم.
توجه رسالة صادقة لكل من يفكر في دخول هذا المجال أو التعامل مع هذه الدورات: "ابتعدوا عنها قدر المستطاع، فظاهرها فيه الخير ولكن باطنها كله شر. لا تلجأوا للكون ولا للطاقة، بل الجأوا إلى الله عز وجل، واستعينوا بالعلم الصحيح والطب الموثوق."
الخلاصة
العلاج بالطاقة وتقنياته المنتشرة ليست سوى أوهام تُباع للناس في ثوب العلم والروحانية، لكنها في حقيقتها تجارة تستغل ضعف الناس وتبعدهم عن دينهم. الحلول الحقيقية لمشكلاتنا الصحية والنفسية تبدأ باللجوء إلى الله، ثم الاستعانة بالطب والعلم، وعدم الانسياق وراء كل جديد دون تحقق أو تمحيص.
إذا كنت تعاني من مشكلة صحية أو نفسية، استشر الطبيب المختص أو الأخصائي النفسي، ولا تترك نفسك فريسة للدجالين ومروجي الأوهام. حافظ على عقيدتك، وكن واعيًا في اختياراتك، فالصحة أمانة والدين مسؤولية.
ملاحظة: إذا كنت قد تعرضت لمثل هذه التجارب وتعاني من آثار نفسية أو جسدية، لا تتردد في طلب المساعدة من أهل الاختصاص، وابدأ رحلة العودة إلى الطريق الصحيح بثقة ويقين.
https://www.youtube.com/watch?v=nFbgkihVsbo