حقيقة الأجساد الطاقية وقانون الجذب: رؤية نقدية من منظور إسلامي
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم المرتبطة بالطاقة البشرية، وقانون الجذب، وتجلي الواقع، وغيرها من الأفكار التي تدّعي أن الإنسان يملك القدر
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم المرتبطة بالطاقة البشرية، وقانون الجذب، وتجلي الواقع، وغيرها من الأفكار التي تدّعي أن الإنسان يملك القدرة الكاملة على صناعة واقعه وتغيير مصيره بمجرد استخدام أدوات وتقنيات معينة. هذه المفاهيم أصبحت شائعة في الدورات التدريبية، وورش العمل، وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم الترويج لها على أنها أسرار النجاح والسعادة والتحقق الذاتي. لكن هل هذه الأفكار مبنية على أسس علمية أو شرعية؟ وهل فعلاً تحقق للإنسان ما يعدونه به؟ دعونا نستعرض هذه القضية من منظور نقدي وموضوعي.
الإنسان بين المادة والروح
جميعنا نعلم أن الإنسان مكون من جسد وروح، وأن لكل منا مشاعر وأفكار وطاقة داخلية. لكن بعض المروجين لهذه المفاهيم يذهبون بعيداً في تقسيم الإنسان إلى "أجساد" متعددة: جسد مادي، جسد فكري، جسد مشاعري، جسد طاقي، وغيرها من المسميات. ويزعمون أن لكل جسد أدواته وطرق تغذيته الخاصة، وأنك إذا أتقنت خلط هذه الأدوات ستصنع "خلطتك الخاصة" وتحقق نتائج مبهرة في حياتك.
الحقيقة أن هذه الأفكار ليست جديدة، بل هي مستمدة من فلسفات قديمة مثل الغنوصية، والبوذية، والهندوسية، وبعض المعتقدات الوثنية. لم يرد في القرآن الكريم أو السنة النبوية أي دليل على وجود "أجساد طاقية" أو "جسد مشاعري" أو ما شابه ذلك. قال الله تعالى: "ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا" (الكهف: 51). فالله وحده هو خالق الإنسان، ولم يخبرنا إلا عن الجسد والروح.
قانون الجذب وصناعة الواقع: حقيقة أم وهم؟
من أكثر الأفكار التي يتم الترويج لها في هذا المجال هو "قانون الجذب"، والذي ينص على أن الإنسان يجذب ما يفكر فيه إلى حياته، وأنه المسؤول الوحيد عن صناعة واقعه، وأنه إذا تخيل هدفه وركز عليه بمشاعره فسيتجلى هذا الهدف في حياته تلقائياً. يتم تعليم المتدربين أن يكتبوا أهدافهم بالتفصيل، ويعيشوا مشاعر تحقيقها، ويؤمنوا أنها ستتحقق، ويُطلب منهم أن ينسوا دور الله والقضاء والقدر، وكأنهم هم وحدهم من يصنعون النتائج.
هذه الفكرة ليست فقط مخالفة للعقيدة الإسلامية، بل قد تكون مضرة نفسياً. كثير من الأشخاص الذين اتبعوا هذه التقنيات أصيبوا بالإحباط والاكتئاب عندما لم تتحقق أهدافهم، لأنهم ظنوا أن الخطأ فيهم أو في "خلطتهم" الخاصة، ونسوا أن هناك رباً مدبراً للأقدار، وأن النتائج ليست دائماً بيد الإنسان، بل بيد الله وحده.
غياب الضمانات وخطر التلاعب النفسي
الكثير من المدربين والمروجين لهذه الأفكار يقدمون جلسات وباقات علاجية، ويعدون المتدربين بنتائج مضمونة مثل جذب شريك الحياة، تحسين العلاقات، تحقيق الأهداف، وغيرها. لكن في الحقيقة، لا توجد أي ضمانات حقيقية، وغالباً ما تكون النتائج مجرد مشاعر مؤقتة أو تأثير نفسي (بلاسيبو)، وليس تحققاً فعلياً للأهداف. وعندما لا تتحقق النتائج، يتم إلقاء اللوم على المتدرب بأنه لم يطبق التقنيات بشكل صحيح، مما يؤدي إلى تدمير نفسيته وتحميله فوق طاقته.
من المؤسف أن بعض المدربين يجنون أرباحاً كبيرة من بيع هذه الأوهام، دون مراعاة للأثر النفسي أو الديني على المتدربين. بل ويتم تلميعهم في وسائل التواصل الاجتماعي وجعلهم مشاهير، بينما الضحايا هم من يدفعون الثمن.
ضرورة العودة إلى العقيدة الصحيحة
من المهم أن نعود إلى أصول ديننا ونفهم حقيقة الإنسان من منظور إسلامي، وأن نعرف أسماء الله الحسنى وأركان الإيمان والإسلام، ونتفقه في العقيدة ليس فقط في أيام المدرسة، بل طوال حياتنا. علينا أن نقوي إيماننا ويقيننا بأن الله هو المدبر والمقدر للأقدار، وأن الإنسان يسعى ويأخذ بالأسباب، لكن النتيجة بيد الله وحده.
حقيقة الأجساد الطاقية: بين العلم والدين
من الناحية العلمية، لا يوجد أي دليل تجريبي يثبت وجود "أجساد طاقية" أو "جسد أثيري" أو غيرها من المسميات. هذه المفاهيم مستمدة من فلسفات غنوصية ووثنية قديمة، وليست جزءاً من الدين الإسلامي أو العلم الحديث. بل إن الترويج لهذه الأفكار يفتح الباب أمام الشعوذة والخرافات، ويبعد الإنسان عن التوحيد الخالص والإيمان بالقضاء والقدر.
كيف نحمي أنفسنا من هذه الشبهات؟
- التحقق من الأدلة: لا نقبل أي فكرة إلا بدليل شرعي من القرآن أو السنة، أو دليل علمي موثوق.
- الوعي بالعقيدة: نحرص على تعلم العقيدة الصحيحة باستمرار، ونقرأ أو نستمع لمواد موثوقة تعزز إيماننا.
- عدم الانجرار وراء الدعايات: لا ننجرف وراء الدورات أو الجلسات التي تعد بنتائج خارقة دون دليل.
- التمييز بين العسل والسم: نقرأ بين السطور ونفهم ما وراء الكلام، فبعض الشبهات تُمرر في قالب جميل لجذب الناس.
- الاستشارة من أهل العلم: إذا واجهتنا فكرة جديدة أو غريبة، نرجع لأهل العلم الشرعي ونسألهم عنها.
الخلاصة
إن صناعة الواقع وتحقيق الأهداف ليست مجرد خلطات أو تقنيات طاقية، بل هي توفيق من الله بعد الأخذ بالأسباب. علينا أن نكون واعين ونحذر من الأفكار الدخيلة التي تخل بعقيدتنا وتضر بصحتنا النفسية. ولنحمد الله على نعمة الإسلام، ولنتمسك بديننا وعقيدتنا، ونسعى دائماً للعلم النافع والعمل الصالح.
إذا أعجبتك هذه المقالة، شاركها مع من تحب، وساهم في نشر الوعي الصحيح حول هذه القضايا المهمة.
https://www.youtube.com/watch?v=fCsiVfMx66s