حقيقة "الأكسس بارز": تحليل نقدي وتحذير تربوي
في السنوات الأخيرة، انتشرت في العالم العربي العديد من الدورات والممارسات المتعلقة بما يُسمى بـ"الأكسس بارز" (Access Bars)، خاصة مع بداية جائحة كورونا.
في السنوات الأخيرة، انتشرت في العالم العربي العديد من الدورات والممارسات المتعلقة بما يُسمى بـ"الأكسس بارز" (Access Bars)، خاصة مع بداية جائحة كورونا. هذه التقنية، التي يُروَّج لها كوسيلة لتحرير الإنسان من الأفكار السلبية وزيادة الوعي وتحقيق السعادة، أصبحت محل جدل واسع بين مؤيدين يرون فيها طريقاً للتغيير الإيجابي، ومعارضين يحذرون من مخاطرها الفكرية والدينية والنفسية. في هذا المقال، نقدم لكم تحليلاً تربوياً نقدياً شاملاً حول الأكسس بارز، مع تسليط الضوء على أصولها، آلياتها، وأثرها على الفرد والمجتمع.
ما هو الأكسس بارز؟
يُعرَّف الأكسس بارز بأنه تقنية تعتمد على الضغط الخفيف على 32 نقطة في الرأس، يُقال إنها مسؤولة عن إطلاق الطاقات السلبية والمعتقدات المعيقة، بهدف "تحرير العقل" و"رفع الوعي". يُقدَّم الأكسس بارز في دورات وورش عمل، ويُمارَس على الأفراد من مختلف الأعمار، بل وصل الأمر إلى تقديم جلسات للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.
يُروج لهذه التقنية باعتبارها أداة لتحسين الصحة النفسية، والعلاقات الاجتماعية، وزيادة الثقة بالنفس، وحتى تحقيق النجاح المالي والمهني. ويزعم مروجوها أن كل نقطة في الرأس مرتبطة بجانب معين من جوانب الحياة، وأن الضغط عليها يزيل العوائق الذهنية والطاقات السلبية.
الأصول الحقيقية للأكسس بارز
من المهم أن يعرف القارئ أن الأكسس بارز ليست تقنية حديثة أو علمية، بل تعود جذورها إلى مؤسسها "جاري دوغلاس"، الذي استلهم أفكاره من مصادر غامضة وغريبة. تشير شهادات بعض المدربين السابقين إلى أن دوغلاس يدّعي تلقيه معلوماته من "كيانات روحية" أو "أرواح"، بل ويذكر تواصله مع روح الساحر الروسي الشهير راسبوتين، المعروف بممارساته الفاسدة والسحرية في التاريخ الروسي.
هذا الارتباط الوثيق مع عالم الأرواح والشياطين، كما يُسمى في التراث الديني، يثير علامات استفهام كبيرة حول سلامة هذه الممارسات ومشروعيتها، خاصة في المجتمعات ذات المرجعية الدينية الواضحة.
كيف تُمارَس جلسات الأكسس بارز؟
تتم جلسات الأكسس بارز عبر جلوس الممارس أمام المتلقي، ثم يبدأ بالضغط ببطء على النقاط المحددة في الرأس (وأحياناً اليدين والقدمين)، بزعم تفعيل "مسارات الطاقة" وتحرير الأفكار والمعتقدات الراسخة. يُقال إن هذه الجلسات تساعد في التخلص من القلق، والاكتئاب، والمخاوف، وحتى الأمراض الجسدية.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في مضمون هذه الجلسات، حيث يتم التركيز على "تحرير" الإنسان من كل ما يعتبرونه "معتقدات مقيدة"، وعلى رأسها المعتقدات الدينية والقيم الأخلاقية والاجتماعية. بل يُروج لفكرة أن الإنسان هو "الخالق" لواقعه، وأنه ليس بحاجة إلى دين أو إله أو مجتمع ليهتدي به، في دعوة واضحة إلى الإلحاد والتحرر من كل الضوابط.
أدوات الأكسس بارز: السؤال والمنطِقة
من الأدوات الأساسية في الأكسس بارز ما يُسمى "فن السؤال"، حيث يُشجَّع الشخص على توجيه الأسئلة إلى "الكون" بدلاً من الله، مثل: "كيف يصبح الحال أفضل؟" ويُقال إن الكون سيرد على هذه الترددات ويحقق المطلوب! يتم أيضاً تكرار عبارات ومنطِقات (جُمل تنظيفية) صباحاً ومساءً، يُقال إنها تزيل الطاقات السلبية وتحقق السعادة، وتُستبدل بها أذكار الصباح والمساء المعروفة في الإسلام.
هذه الأدوات، رغم بساطتها الظاهرية، تحمل في طياتها أفكاراً خطيرة، مثل الإيمان بتناسخ الأرواح، والكرمة، ووجود قوى خفية تتحكم في مصير الإنسان بعيداً عن إرادة الله.
مخاطر الأكسس بارز: دينية، نفسية، واجتماعية
- الابتعاد عن العقيدة: الأكسس بارز تدعو ضمنياً إلى التحرر من المعتقدات الدينية، بل وتعتبر الإيمان بالله والالتزام بالشرائع "عقبات" يجب التخلص منها. هذا التوجه يؤدي إلى الإلحاد أو على الأقل إلى الشك في الثوابت الدينية.
- التعامل مع الشياطين والجن: كثير من أدوات الأكسس بارز، بحسب شهادات ممارسين سابقين، تتضمن استحضار كيانات روحية يُقال إنها "أرواح" أو "ملائكة"، ولكنها في الحقيقة شياطين أو جن، وفق المفهوم الإسلامي. ويتم تعليم المتدربين كيف يتواصلون مع هذه الكيانات ويطلبون منها المساعدة.
- الخلط بين الخير والشر: من أخطر ما يُروج له في الأكسس بارز هو تذويب الفوارق بين الخير والشر، وجعل كل شيء "وجهة نظر" قابلة للنقاش، حتى وجود الله أو القيم الأخلاقية.
- استهداف الأطفال والشباب: انتشرت دورات الأكسس بارز حتى في المدارس ورياض الأطفال، مما يعرض الأجيال الجديدة لأفكار خطيرة في سن مبكرة، ويجعلهم عرضة للانفصال عن هويتهم الدينية والثقافية.
- تأثيرات نفسية سلبية: تشير تجارب بعض الخارجين من هذه الدورات إلى ظهور حالات من القلق، والاكتئاب، والغضب الشديد، بل وحتى فقدان السيطرة على النفس في بعض الأحيان.
خدعة "أسلمة" الأكسس بارز
يحاول بعض المروجين للأكسس بارز إضفاء صبغة إسلامية على هذه التقنية، فيدّعون أنها مثل "آية الكرسي" أو "الرقية الشرعية"، أو يقتبسون بعض الآيات والأحاديث لتبرير ممارساتهم. لكن الحقيقة، كما يؤكدها المختصون، أن هذه مجرد محاولة لخداع الناس وجعلهم يقبلون بما هو في جوهره مخالف للعقيدة الإسلامية.
نصائح تربوية للمجتمع والأسرة
- البحث والتحقق: قبل الالتحاق بأي دورة أو ممارسة جديدة، ابحث عن مصادرها، واسأل المختصين في الدين والعلم النفسي.
- تعزيز الوعي الديني: علم أبناءك وبناتك أصول العقيدة الصحيحة، وحصنهم بالمعرفة حتى لا يكونوا عرضة للأفكار الدخيلة.
- عدم الانجرار وراء الدعاية: لا تصدق كل ما يُقال عن "تغيير الواقع" أو "تحقيق السعادة" عبر طرق سحرية أو غامضة، فالحياة لا تقوم على العصا السحرية.
- الحذر من استهداف الأطفال: راقب ما يُعرض على أطفالك في المدارس أو الأنشطة الخارجية، ولا تسمح بإدخال هذه الممارسات إلى حياتهم.
- استشارة المختصين: في حال وجود مشاكل نفسية أو اجتماعية، توجه إلى المختصين المعتمدين في العلاج النفسي أو الإرشاد الأسري.
خلاصة
الأكسس بارز ليست مجرد تقنية للاسترخاء أو التخلص من الأفكار السلبية، بل هي منظومة فكرية خطيرة تهدد العقيدة والقيم والأمن النفسي للمجتمع. واجبنا كأولياء أمور ومربين ومعلمين أن نكون على وعي تام بمخاطر هذه الممارسات، وأن نحصن أبناءنا بالعلم الصحيح، ونحذرهم من الانجراف وراء الدعايات البراقة التي تخفي وراءها الكثير من المخاطر.
احرصوا على البحث، وكونوا دائماً على وعي بما يدخل إلى بيوتكم وعقول أبنائكم. فالعلم الصحيح هو الحصن المنيع ضد كل دخيل.
للاستفسار أو طرح الأسئلة حول هذا الموضوع، نرحب بتعليقاتكم ومشاركاتكم.
إعداد: فريق التوعية التربوية
https://www.youtube.com/watch?v=l-Ja5rrv74w