اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

حقيقة علم الأرقام والأكواد الكونية: خرافة أم علم؟

في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التدريبية مفاهيم جديدة تدور حول ما يسمى بـ"علم الأرقام" أو "الأكواد الكونية". يروج أنص

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التدريبية مفاهيم جديدة تدور حول ما يسمى بـ"علم الأرقام" أو "الأكواد الكونية". يروج أنصار هذه المفاهيم لفكرة أن لكل رقم طاقة خاصة، وأن هذه الأرقام مفاتيح لفهم أسرار الكون وتحقيق الأمنيات من خلال خوارزميات كونية مزعومة. لكن ما حقيقة هذه الادعاءات؟ وهل لها أساس علمي أو ديني؟

ما هي الأكواد الكونية؟

يدعي مروجو الطاقة والتنمية الذاتية أن هناك أكواد أو أرقام كونية تستطيع من خلالها فك شيفرة الكون، أو برمجة الواقع لتحقيق ما تريد. ويزعمون أن تكرار أرقام معينة، أو كتابتها على الجسد، أو ترديدها بصوت معين، يجلب طاقة إيجابية ويحقق رغبات الإنسان، سواء كانت ثراءً، أو شفاءً، أو حتى جذب شريك الحياة.

تتنوع المسميات لهذه الأكواد بين "الكود الكوني"، "الرمز الكوني"، "المسار الحياتي"، "الشيفرة المقدسة"، "رقم المعجزة"، "أرقام الملائكة"، وغيرها. لكن جميعها تدور حول فكرة واحدة: أن للأرقام قوة خفية يمكن استغلالها.

من أين تأتي هذه الأكواد؟

يدعي بعض المروجين أن هذه الأكواد تأتيهم عبر رسائل من "ملاك نوراني"، أو أنها مستوحاة من القرآن الكريم، أو حتى من الحضارات القديمة مثل الفراعنة. لكن الحقيقة أن هذه الادعاءات لا تستند لأي دليل علمي أو ديني، بل هي محض خرافات وابتداع.

في الواقع، يتم اختراع هذه الأكواد بشكل عشوائي، ويضع كل مدرب أو مروج طريقة خاصة لاستخدامها، دون أي منهجية علمية أو مرجعية موثوقة. ويذهب البعض إلى ربطها بالكابالا اليهودية أو الفلسفات الشرقية مثل الهندوسية، أو حتى بكتب غامضة مثل "كتاب الجفر".

الرقم 369: أسطورة أم حقيقة؟

من أكثر الأرقام التي يتم الترويج لها هو الرقم 369، ويقال عنه إنه "كود الكون". يزعم البعض أن هذا الرقم يكشف أسرار الخلق، وأنه مرتبط بمراحل تكوين الجنين في الرحم، أو أن له علاقة بطاقة الكون. ويربطون ذلك بعالم الفيزياء الشهير نيكولا تسلا، الذي كان مهووسًا بهذا الرقم، ويقال إنه قال: "إذا أردت أن تفهم أسرار الكون، فكر في الطاقة والتكرار والاهتزاز".

لكن عند البحث في حياة تسلا، نجد أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية مثل الوسواس القهري، وكان يكرر أفعاله ثلاث مرات، ويحسب خطواته، ويعيش هوسًا بالأرقام، خاصة الرقم 3. هذه التصرفات لا تعني أن الرقم 369 يحمل سرًا كونيًا، بل تعكس حالة نفسية خاصة بتسلا نفسه.

أما التفسيرات الروحانية لهذا الرقم، فهي مستمدة من الفلسفات الهندوسية والباطنية، حيث يرمز الرقم 3 إلى حالات الوعي الثلاث، والرقم 6 إلى الشاكرات أو الحواس الستة، والرقم 9 إلى التسع فتحات في جسد الإنسان أو مستويات الارتقاء الروحي. وكل هذه التفسيرات لا علاقة لها بالعلم أو الدين الإسلامي.

الأضرار النفسية والدينية لهذه الممارسات

قد يظن البعض أن استخدام الأكواد الكونية أمر بسيط أو مجرد تجربة لا ضرر منها، لكن الحقيقة أن لهذه الممارسات آثارًا سلبية عديدة:

  • الاضطرابات النفسية: كثير ممن يمارسون هذه الطقوس يعانون من القلق، والاكتئاب، والشعور بالذنب، وعدم التوازن النفسي. إذ يتم إقناعهم بأن سبب كل مشكلة في حياتهم هو أفكارهم أو طاقاتهم، فيدخلون في دوامة لوم الذات.
  • إهدار الطاقة والوقت: ينشغل الشخص بتكرار أفعال لا طائل منها، ويهدر وقته وجهده في أوهام بدلًا من العمل الجاد والسعي الحقيقي لتحقيق أهدافه.
  • تعليق القلب بالأوهام: بدلاً من بذل الأسباب الحقيقية، يعلق الإنسان قلبه بأرقام أو رموز لا أساس لها، فيبتعد عن الواقع والمنطق.
  • الخطر الديني: أخطر ما في الأمر أن هذه الممارسات قد توقع الإنسان في الشرك، إذ يعتقد أن لهذه الأكواد قوة مستقلة عن الله، أو أنها وسيلة لجلب النفع أو دفع الضرر دون إذن الله. وهذا يتنافى مع التوحيد الذي هو أساس العقيدة الإسلامية.

الرد الشرعي والعلمي

الإسلام دين يحث على استخدام العقل، ويرفض كل ما لا يستند إلى دليل صحيح. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين، ومن اللجوء إلى الدجل والشعوذة. كما أن القرآن الكريم لم يشر إلى أن للأرقام قوى خفية أو طاقات سحرية.

أما من الناحية العلمية، فلا يوجد أي بحث أو دراسة موثوقة تثبت أن تكرار الأرقام أو كتابتها على الجسد يحقق أي فائدة حقيقية. كل ما في الأمر هو استغلال لحاجة الناس للأمل أو التغيير، وترويج لأوهام لا أساس لها.

كيف نحمي أنفسنا؟

  • التمسك بالتوحيد: يجب أن نعلم أن الله وحده هو القادر على جلب النفع ودفع الضرر، وأن كل ما يحدث في الكون بإرادته وحده.
  • استخدام العقل: المسلم كيس فطن، لا يصدق كل ما يسمع أو يرى، بل يعرض الأمور على الكتاب والسنة والعقل السليم.
  • الاجتهاد والعمل: لا شيء يتحقق دون سعي وجهد حقيقي. النجاح والشفاء والرزق كلها بيد الله، ولكنها لا تأتي إلا بالأسباب المشروعة والعمل الجاد.

الخلاصة

علم الأرقام والأكواد الكونية ليس إلا خرافة حديثة، لا أصل لها في العلم ولا في الدين. بل هي من وسائل الدجل والشعوذة التي تضر الإنسان في دينه ودنياه. فلنحذر من الانسياق وراء هذه الأوهام، ولنحافظ على أعز ما نملك: عقيدتنا الصحيحة وعقولنا السليمة.

حفظكم الله من كل سوء، ووفقكم لما يحبه ويرضاه.

https://www.youtube.com/watch?v=mKeOCDFqJZc

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك