حقيقة الشاكرات: بين الخرافة والحقيقة العلمية
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم الشاكرات والطاقة الروحية بين الشباب والشابات في العالم العربي، وأصبحت موضوعًا شائعًا في الدورات وورش العمل، بل وحتى
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم الشاكرات والطاقة الروحية بين الشباب والشابات في العالم العربي، وأصبحت موضوعًا شائعًا في الدورات وورش العمل، بل وحتى في بعض قنوات التواصل الاجتماعي. لكن ما هي حقيقة الشاكرات؟ وهل لها أصل علمي أو ديني؟ أم أنها مجرد خرافة قديمة أعيد تغليفها بأساليب عصرية؟
في هذا المقال، نستعرض أصل فكرة الشاكرات، ونكشف عن جذورها التاريخية والفلسفية، ونوضح علاقتها بالسحر والطقوس الوثنية، مع تحليل نقدي لأسباب انتشارها وأخطارها على الفرد والمجتمع.
ما هي الشاكرات؟
الشاكرات، بحسب الفلسفات الشرقية، هي مراكز طاقة غير مرئية يُعتقد أنها موزعة على طول العمود الفقري للإنسان، ولكل منها وظيفة وتأثير على الصحة الجسدية والنفسية والروحية. يروج ممارسو الطاقة أن هناك سبع شاكرات رئيسية، تبدأ من الجذر أسفل العمود الفقري وتنتهي عند التاج في أعلى الرأس، وأن توازنها أو "فتحها" يؤدي إلى الصحة والسعادة والتنوير.
لكن عند التدقيق، نجد أن هذه المفاهيم ليست موحدة حتى بين المدارس الشرقية نفسها؛ فالهندوسية والبوذية والكبّالا (التصوف اليهودي) تختلف في عدد الشاكرات ومواقعها ووظائفها، بل وحتى في طبيعة الطاقة المتداولة بينها. وهذا التناقض يثير تساؤلات حول مصداقية هذه الفكرة.
الجذور التاريخية للشاكرات
أصل فكرة الشاكرات ليس هندوسيًا فقط كما يُشاع، بل تعود جذورها إلى الحضارات البابلية القديمة، حيث كان الكهنة يربطون بين الكواكب السبعة المعروفة آنذاك وبين قوى سحرية وروحية، ويخصصون لكل كوكب إلهًا، وعنصرًا، ولونًا، وحجرًا كريمًا، وطقوسًا خاصة. تطورت هذه الأفكار لاحقًا في الفلسفات الهندية والبوذية، وتداخلت مع مفاهيم السحر والخيمياء.
في كل حضارة، تم ربط الشاكرات أو مراكز الطاقة بممارسات سحرية وتعويذات وقرابين، واعتُبرت بوابات للتواصل مع العوالم الأخرى أو مع "الآلهة" أو "الأرواح". ومع مرور الزمن، أُضيفت إليها رموز الهندسة المقدسة، وألوان، وأحجار كريمة، وأطعمة، وحتى أصوات وتردّدات صوتية (مانترا) يُزعم أنها تفعّل كل شاكرة.
الشاكرات بين العلم والخرافة
من الناحية العلمية، لم يثبت وجود الشاكرات بأي وسيلة من وسائل التشريح أو التصوير الطبي أو الأجهزة الحديثة. لم يتمكن أحد من رؤية هذه المراكز أو قياسها أو إثبات وجودها فيزيائيًا. حتى الأجهزة التي يُزعم أنها تلتقط "الهالة" أو "الطاقة" حول الإنسان، كجهاز كيرليان، ثبت أنها تتأثر بعوامل فيزيائية مثل الرطوبة والضغط الجوي، ولا علاقة لها بطاقة روحية أو شاكرات.
أما من الناحية الدينية، فلا يوجد في الإسلام أو في الكتب السماوية ما يدل على وجود مراكز طاقة أو شاكرات بهذا المفهوم. بل إن كثيرًا من الممارسات المرتبطة بالشاكرات، مثل تقديم القرابين، أو ترديد تعويذات بلغات غريبة، أو ربط الأحجار بالكواكب، تدخل في دائرة الشرك أو السحر المحرم.
لماذا تختلف مدارس الشاكرات؟
عند البحث في مصادر الشاكرات، نجد اختلافًا كبيرًا في عددها، ووظائفها، وألوانها، وحتى في أسماء "الآلهة" المرتبطة بها. ففي الهندوسية مثلاً، يُقال إن الكونداليني (طاقة الأفعى) تبدأ من شاكرة الجذر وتصعد إلى التاج، بينما في البوذية تبدأ من الأعلى وتنزل للأسفل. كما أن لكل مدرسة طقوسًا وتعويذات وأحجارًا وأطعمة وألوانًا مختلفة.
هذا التناقض يطرح سؤالاً مهمًا: إذا كانت الشاكرات حقيقة مطلقة، فلماذا لم يتفق عليها أصحابها حتى اليوم؟ ولماذا تختلف الأعداد والصفات والرموز من مدرسة لأخرى؟ ألا يدل ذلك على أن الشاكرات مجرد خرافة أو وهم فلسفي، وليست حقيقة علمية أو روحية؟
الشاكرات والارتباط بالسحر والطقوس الوثنية
من أخطر ما في موضوع الشاكرات أن ممارساتها ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بطقوس سحرية ووثنية قديمة. فلكل شاكرة تعويذة (مانترا) خاصة، وحجر كريم، ورمز هندسي، ولون، وحركة جسدية (مودرا)، وأحيانًا حتى طعام أو بخور أو زيت عطري. ويتم تقديم هذه الأشياء كقرابين أو وسائل لاستدعاء "الطاقة" أو "المرشد الروحي" أو "الخادم الكوكبي".
بل إن بعض المدربين يطلبون من المتدربين أداء طقوس معينة، أو ترديد تعويذات بلغات غير مفهومة، أو حتى القيام بممارسات غير أخلاقية بحجة "تنظيف الشاكرات" أو "تفعيل الطاقة الجنسية". وبعضهم يربط الشاكرات بتقديم الدماء أو رسم رموز بدم الحيض، أو تربية حيوانات معينة كالقطة أو الكلب أو القرد، وكل ذلك له جذور في السحر والشعوذة.
كيف يتم خداع الممارسين؟
يبدأ المدربون عادة بإقناع الممارس بأن لديه مشاكل نفسية أو عاطفية أو صحية بسبب "انسداد الشاكرات"، ثم يقترحون عليه سلسلة من التمارين أو الطقوس أو التأملات أو استخدام الأحجار أو الألوان أو الأصوات أو حتى الترددات الصوتية (سبليمنال)، وكلها تدور في فلك السحر والشعوذة. ويُطلب من الممارس أحيانًا تقديم "قربان" أو أداء طقس معين، أو حتى دفع مبالغ مالية لدورات أو جلسات خاصة.
وللأسف، كثير من الشباب والفتيات يقعون في هذا الفخ، بحثًا عن حل سريع لمشاكلهم أو رغبة في "الوعي" أو "الثراء" أو "جذب شريك الحياة"، دون أن يدركوا أنهم يدخلون في دائرة خطيرة من الخرافات والشركيات.
الأضرار الصحية والنفسية لممارسات الشاكرات
بعيدًا عن المخاطر العقدية، فإن لممارسات الشاكرات أضرارًا جسدية ونفسية حقيقية. فبعض تمارين اليوغا والتأمل تؤدي إلى ضعف العضلات، واضطراب الدورة الدموية، ومشاكل في الجهاز العصبي، بل وقد تؤدي إلى الهلوسة أو فقدان الإرادة أو حتى الجنون في بعض الحالات. كما أن بعض الطقوس تتضمن ممارسات غير أخلاقية أو إيذاء للنفس.
أما نفسيًا، فيعيش الممارس في دوامة من الأوهام، ويصبح أكثر عرضة للوساوس والاضطرابات النفسية، وقد ينقطع عن واقعه الاجتماعي والديني، ويقع في براثن مدربين أو مشعوذين يستغلون حاجته وضعفه.
الشاكرات في ضوء الإسلام
الإسلام دين التوحيد الخالص، ويرفض كل ما فيه شرك أو استعانة بغير الله أو ممارسة طقوس وثنية أو سحرية. لا يوجد في القرآن أو السنة ما يدل على وجود شاكرات أو طاقة كونية أو مراكز خفية في الجسد. بل إن كل ما يتعلق بهذه الممارسات يدخل في دائرة البدع أو الشركيات أو السحر.
وقد حذر العلماء من الانخراط في مثل هذه الدورات أو الممارسات، ودعوا إلى الاكتفاء بما شرعه الله من أذكار وأدعية ورقية شرعية، واللجوء إلى الطب والعلم في علاج الأمراض النفسية أو الجسدية.
نصيحة للممارسين والباحثين عن الحقيقة
إذا كنت ممن يمارسون طقوس الشاكرات أو تفكر في دخول هذا المجال، فكر جيدًا: لماذا تختلف المدارس في عدد الشاكرات ووظائفها؟ لماذا ترتبط هذه الممارسات بالسحر والقرابين والأحجار والتعويذات؟ لماذا لم يثبت العلم وجودها؟ ولماذا لم يرد ذكرها في ديننا الحنيف؟
ابحث بنفسك، واطلع على المصادر الأصلية بلغتها، ولا تكتفِ بما يقال لك بالعربية. واعلم أن الحل الحقيقي لمشاكلك النفسية أو الجسدية أو الروحية هو في العودة إلى الله، والتمسك بدينك، والاستعانة بالعلم الصحيح، لا بالخرافات والأساطير.
الخلاصة
الشاكرات ليست حقيقة علمية ولا دينية، بل هي خرافة فلسفية قديمة تطورت عبر العصور، وارتبطت بالسحر والشعوذة والطقوس الوثنية. انتشارها اليوم بين الشباب ليس إلا نتيجة جهل أو بحث عن حلول سريعة لمشاكل الحياة، لكن عواقبها خطيرة على الدين والصحة والعقل.
فلنحذر جميعًا من الوقوع في هذا الفخ، ولنتمسك بديننا وعقولنا، ولنجعل من العلم الصحيح والدين القويم طريقنا للنجاة والسعادة.
ملاحظة: كل ما ورد في هذا المقال مبني على تحليل نقدي للمصادر التاريخية والدينية والعلمية، وهدفه التوعية والتنبيه، وليس التجريح أو الانتقاص من أي شخص. نسأل الله لنا ولكم الهداية والثبات.
للمزيد من التعمق:
- ابحث عن أصل الشاكرات في المصادر الأجنبية.
- استمع إلى بثوث المتخصصين في الرد على الخرافات الطاقية.
- استشر أهل العلم والدين في كل ما يخص الطقوس والممارسات الغريبة.
- لا تتردد في العودة إلى القرآن والسنة، ففيهما الشفاء والهدى.
حفظكم الله من كل شر، ووفقكم للحق والصواب.
https://www.youtube.com/watch?v=7u3KFIY-tXA