حقيقة التجلي في رمضان: بين الروحانية الحقيقية وخرافات الطاقة
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تزداد الأجواء الروحانية ويترقب المسلمون هذا الضيف العزيز الذي لا يأتي إلا مرة واحدة في السنة. في هذا الشهر الفضيل، تتعالى
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تزداد الأجواء الروحانية ويترقب المسلمون هذا الضيف العزيز الذي لا يأتي إلا مرة واحدة في السنة. في هذا الشهر الفضيل، تتعالى الإيمانيات وتسمو الروحانيات، وتكثر فرص التسامح والعفو، وتزداد الطاعات والعبادات مثل الصلاة، وقراءة القرآن، والصدقات، وصلة الأرحام. يمتاز رمضان بجماله الخاص وأجوائه الفريدة التي لا تتكرر في باقي شهور السنة، حتى نشعر أن الوقت يمر بسرعة ونفاجأ بانقضائه.
رمضان: شهر الروحانيات الحقيقية
رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة لضبط النفس وقوة الإرادة والتحمل. في هذا الشهر، نتعلم كيف نصوم عن الأذى والكلام الجارح، ونتقرب إلى الله عز وجل بقلوبنا وأعمالنا. الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو عبادة مقدسة وروحانية للغاية، تهدف إلى تهذيب النفس وتزكيتها.
خرافات الطاقة والتجلي في رمضان
للأسف، في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض الأفكار والممارسات التي تدعي الروحانية والتجلي، لكنها في حقيقتها بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام. يروج بعض الأشخاص لفكرة أن شهر رمضان هو شهر المعجزات والطاقة العالية، ويزعمون أن بإمكانهم تحقيق الأمنيات وجذب الأقدار من خلال طقوس معينة مثل التأمل، وبرمجة العقل الباطن، وتفعيل أسماء الله الحسنى بطريقة مبتدعة، بل ويشجعون على ما يسمى بـ"التجلي" و"إطلاق النوايا" و"الاستغفار الطاقي" وغيرها من المصطلحات الغريبة.
يُروج هؤلاء الأشخاص لدورات مجانية أو مدفوعة، يعدون فيها المشاركين بتحقيق أهدافهم بمجرد الاستماع إلى تسجيلات صوتية أو ممارسة طقوس معينة، دون أي سعي عملي أو التوكل الحقيقي على الله. ويزعمون أن الكون هو من يستجيب للدعاء، وأن إرسال الطاقة يجلب الخير، متناسين أن الله وحده هو القادر على تحقيق الأمنيات وتغيير الأقدار.
الحقيقة وراء هذه الممارسات
من خلال تجربتي الشخصية، كنت أمارس مثل هذه الطقوس وأروج لها بحسن نية، ظنًا مني أنني أساعد الناس على تحقيق أهدافهم. كنت أقدم دورات في "التجلي" و"برمجة العقل الباطن"، وأطلب من المشاركين ترديد عبارات وتأكيدات، وأمارس معهم تقنيات التأمل والتنزيلات. لكن مع مرور الوقت، اكتشفت أن هذه الممارسات ليست سوى وساوس شيطانية، وأن إرسال الطاقة ما هو إلا تلاعب بالجن والشياطين، وأن النتائج التي يظن البعض أنها تجليات ما هي إلا استدراج من الشيطان.
لقد أدركت أن الطريق الصحيح لتحقيق الأمنيات هو التوكل على الله، والدعاء الصادق، والعمل الجاد، وليس الاعتماد على خرافات الطاقة أو طقوس التأمل المبتدعة. فالله سبحانه وتعالى هو وهاب كريم، إذا أعطى أدهش بعطاياه، أما الشيطان فيوهم الإنسان بالخير ليأخذ منه الصحة والعافية في النهاية.
رمضان شهر العبادة والتقرب إلى الله
رمضان هو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتضاعف فيه الحسنات وتجاب فيه الدعوات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومرضت الجن وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة".
في هذا الشهر المبارك، يجب أن نبتعد عن كل ما يبعدنا عن الله، وأن نركز على العبادات والطاعات كما أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا أن ننشغل بخرافات الطاقة أو طقوس التأمل التي لا أصل لها في ديننا.
رسالة لأهل الطاقة والروحانيات المبتدعة
إلى كل من يروج لمثل هذه الأفكار والممارسات، اتقوا الله في أنفسكم وفي الناس البسطاء الذين يستغلون حاجتهم ورغبتهم في تحقيق الأمنيات. توقفوا عن استنزاف أموالهم ووقتهم فيما لا ينفع، وعودوا إلى الطريق الصحيح، طريق العبادة والتقوى والعمل الصالح. فالله عز وجل يقول في سورة الكهف: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".
ختامًا
أسأل الله العلي العظيم أن يبلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يتكرم علينا ويبدل أقدارنا ويرزقنا أجمل الأقدار، وأن يغفر لنا ذنوبنا ويكفر عنا سيئاتنا، ويجعلنا من عتقاء النار، ويرزقنا الفردوس الأعلى وصحبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
في النهاية، أذكركم بأن الطريق إلى الله واضح، فلا تتركوا وساوس الشيطان تضللكم، وتمسكوا بالقرآن والسنة، وكونوا من أهل العبادة الحقيقية في رمضان وفي كل أيام السنة.
https://www.youtube.com/watch?v=_kxvt6JH1mk