حقيقة التأمل وممارسات الطاقة في رمضان: كشف المفاهيم ومخاطرها
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الكثير من الناس مفاهيم وممارسات جديدة تحت مسميات مثل "الطاقة الكونية"، "التأمل"، "جلسات تنظيف الطاقة"، و"يوغا الطاقة".
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الكثير من الناس مفاهيم وممارسات جديدة تحت مسميات مثل "الطاقة الكونية"، "التأمل"، "جلسات تنظيف الطاقة"، و"يوغا الطاقة". هذه المصطلحات لم تعد تقتصر على فئة معينة، بل أصبحت شائعة بين الشباب والكبار، حتى دخلت في تفاصيل الحياة اليومية، وارتبطت أحيانًا بمواسم دينية مثل شهر رمضان وليلة القدر. فما حقيقة هذه المفاهيم؟ وما مدى توافقها مع العقيدة الإسلامية؟ وكيف يمكننا التمييز بين ما هو مفيد وما هو دخيل على ديننا وثقافتنا؟
كيف دخلت مفاهيم الطاقة والتأمل إلى حياتنا؟
بدأت هذه الممارسات تدخل إلى مجتمعاتنا عبر وسائل الإعلام، برامج التنمية الذاتية، وبعض المدربين الذين يروجون لها على أنها طريق للسعادة والنجاح والشفاء الروحي والجسدي. ومع الوقت، أصبح من الطبيعي أن نسمع عبارات مثل "طاقتك اليوم منخفضة"، أو "اشحن طاقتك"، أو "ليلة القدر هي بوابة طاقية لتحقيق الأمنيات".
هذه العبارات، رغم بساطتها الظاهرة، تحمل في طياتها مفاهيم مستوردة من فلسفات شرقية وغنوصية (باطنية)، مثل الهندوسية والبوذية، والتي تقوم على عقائد وحدة الوجود، وعبادة الذات، والاعتقاد بأن الإنسان قادر على التحكم في مصيره من خلال "تفعيل الطاقة الكونية" أو "جذب الأحداث" عبر قوة التفكير والتأمل.
من أين جاءت هذه المصطلحات؟
مصطلح "الطاقة" في الأصل ليس غريبًا عن لغتنا، فنحن نستخدمه في سياقات الحياة اليومية للدلالة على النشاط أو القوة. لكن المشكلة تكمن في استبدال المفهوم الطبيعي للطاقة بمفهوم فلسفي أو ديني دخيل، يحمل معانٍ غيبية لا أصل لها في الإسلام.
عبر التاريخ، تم تطوير هذه المفاهيم في منظمات باطنية مثل الإيزوتيريك والكابالا، وتسللت إلى العلوم الحديثة من خلال أقسام مثل الكوزمولوجيا (علم الكونيات)، وأصبحت تُدرّس وتُمارس تحت غطاء علمي أو روحي. ومع الوقت، حدث استبدال تدريجي للمفاهيم الدينية الأصيلة، حتى أصبح بعض الناس يظنون أن "الطاقة الكونية" جزء من الإيمان أو حتى من القرآن الكريم.
أمثلة واقعية على الممارسات الدخيلة
خلال النقاشات، تم استعراض عدة تجارب واقعية لأشخاص انخرطوا في جلسات الطاقة والتأمل، خاصة في شهر رمضان. من بين هذه الممارسات:
- جلسات تنظيف الطاقة في رمضان: حيث يُطلب من المشاركين تجهيز الملح وزيت الزيتون والماء المقروء عليه، ثم القيام بطقوس معينة مع قراءة سور من القرآن وأدعية مركبة، بعضها لا أصل له في السنة، مع إضافة موسيقى أو ذبذبات معينة، ثم التخلص من الماء في البالوعة بعد الجلسة!
- إطلاق النوايا في ليلة القدر: يتم تحويل ليلة القدر من ليلة عبادة ودعاء إلى "بوابة طاقية" يُزعم أنها تفتح لتحقيق الأمنيات، ويُطلب من المشاركين كتابة أهدافهم باللون الأحمر، وحرق الأوراق أو دفنها، أو وضعها تحت الوسادة حتى تتحقق، مع ربط ذلك بحركات كونية أو مواقع فلكية.
- اليوغا والرياضات الروحية: رغم أن بعض حركات اليوغا قد تبدو رياضية، إلا أن أصلها طقوسي ديني، وكل حركة فيها ترمز لإله أو عقيدة معينة. كما أن بعض المدربين يروجون لليوغا على أنها مجرد تمارين استرخاء، بينما حقيقتها أعمق من ذلك بكثير.
مخاطر هذه الممارسات على العقيدة
المشكلة الأساسية في هذه الممارسات ليست في الجانب الحركي أو النفسي فقط، بل في الجانب العقدي. فمع الوقت، يبدأ الإنسان باستبدال مفهوم الخضوع لله بمفهوم "تفعيل الطاقة"، ويصبح التركيز على تحقيق الأمنيات وجذب الأحداث بدلًا من التوكل على الله والعمل الصالح.
هذه العقائد الباطنية تسعى، بشكل تدريجي وهادئ، إلى إبعاد الإنسان عن الإيمان الحقيقي، وتحويله إلى "إله صغير" يظن أنه قادر على خلق قدره بنفسه. كما أنها تفرغ الشعائر الدينية من محتواها، وتستبدلها بطقوس دخيلة لا أصل لها في الإسلام.
الرد على الشبهات الشائعة
1. هل ذكر القرآن الطاقة أو التأمل؟
القرآن الكريم لم يذكر "الطاقة الكونية" أو "التأمل" بالمعنى الفلسفي أو الطقوسي المعروف اليوم. ما ورد في القرآن هو الحث على التفكر والتدبر في خلق الله، وليس ممارسة طقوس التأمل لاستدعاء الطاقة أو تحقيق الأمنيات. التفكر في الإسلام عبادة قلبية وعقلية، لا تحتاج إلى طقوس أو أدوات أو موسيقى أو جلسات جماعية.
2. هل هناك ضرر في ممارسة اليوغا أو التأمل للاسترخاء فقط؟
إذا كان الهدف هو الاسترخاء الجسدي أو النفسي دون الدخول في طقوس أو عقائد دخيلة، فلا حرج في ذلك بشرط تجنب الحركات أو الأقوال التي تحمل معانٍ دينية أو شركية. لكن المشكلة أن كثيرًا من هذه الممارسات تحمل في طياتها رموزًا وعقائد لا يدركها الممارس العادي، مما يجعلها بابًا للشبهات والانحرافات العقدية.
3. هل قوانين الجذب والكارما لها أصل في الإسلام؟
مفاهيم مثل "الجذب" و"الكارما" هي مفاهيم هندوسية وبوذية، ولا أصل لها في الإسلام. في العقيدة الإسلامية، كل شيء بقدر الله، والدعاء عبادة مشروعة، والاستجابة بيد الله وحده، وقد يؤخر الله الإجابة لحكمة يعلمها، أو يبدلها بما هو خير للعبد.
نصائح عملية لحماية النفس والأسرة
- تعزيز الفهم الصحيح للعقيدة: بالرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، وقراءة كتب العلماء الموثوقين، لفهم حقيقة العبادات وأهدافها.
- الحذر من المصطلحات الدخيلة: وعدم استخدامها دون فهم حقيقتها وخلفيتها الفكرية والدينية.
- عدم الانجرار وراء كل جديد: خاصة في مواسم العبادات مثل رمضان وليلة القدر، وعدم استبدال العبادات المشروعة بطقوس لا أصل لها.
- التوعية الأسرية والمجتمعية: بنشر الوعي بين الأهل والأصدقاء، والتحذير من مخاطر هذه الممارسات، خاصة على الأطفال والشباب.
- استشارة أهل العلم: في حال الشك أو الحيرة في أي ممارسة أو مفهوم جديد.
خلاصة القول
إن انتشار مفاهيم الطاقة والتأمل واليوغا وغيرها من الممارسات الباطنية يمثل تحديًا كبيرًا لعقيدتنا وهويتنا. الواجب علينا أن نكون واعين، وأن نبحث ونتسائل عن أصل كل فكرة أو ممارسة قبل أن نتبناها أو ننقلها للآخرين. ديننا كامل، وشريعتنا واضحة، ولا حاجة لنا باستيراد طقوس أو عقائد من ثقافات أخرى تحت مسميات براقة.
فلنجعل من شهر رمضان وليلة القدر فرصة حقيقية للعودة إلى الله، بالعبادة الخالصة، والدعاء الصادق، والعمل الصالح، بعيدًا عن كل ما يشوش صفاء العقيدة أو يفرغ الشعائر من محتواها.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والثبات، وأن يحفظنا ويحفظ أبناءنا من كل فتنة وشبهة. رمضان مبارك، وكل عام وأنتم بخير.
https://www.youtube.com/watch?v=NfialDB2GTg