حقيقة "الطاقة" بين العلم والدين: رؤية نقدية لمفاهيم العصر الحديث
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الناس مفاهيم مثل "طاقة الحب"، "طاقة السلام"، و"طاقة الشفاء"، وأصبحت هذه المصطلحات تتردد في جلسات التأمل، ودورات تطوير ا
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الناس مفاهيم مثل "طاقة الحب"، "طاقة السلام"، و"طاقة الشفاء"، وأصبحت هذه المصطلحات تتردد في جلسات التأمل، ودورات تطوير الذات، وحتى في الأحاديث اليومية. كثيرون يتحدثون عن إرسال طاقات إيجابية للآخرين أو للكرة الأرضية، خاصة في أوقات الأزمات مثل جائحة كورونا، حيث اجتمع البعض على إرسال "طاقة شفاء" للعالم. لكن، هل لهذه المفاهيم أساس علمي أو ديني؟ وهل فعلاً تحقق النتائج المرجوة؟
مفاهيم الطاقة في الميزان
أولاً، من المهم أن نوضح أنه لا يوجد في العلم أو الدين ما يسمى بـ"طاقة الحب" أو "طاقة السلام" كما يتم الترويج له في بعض الدورات والمنتديات. فهذه المفاهيم، وإن بدت جميلة في ظاهرها، إلا أنها تفتقر إلى الدليل العلمي والديني. في الإسلام، الغيب وعالم الشهادة محددان بوضوح، وليس من المسموح محاولة الدخول إلى عوالم الغيب عبر تقنيات أو ممارسات مثل التأملات أو طقوس الطاقة.
تجارب شخصية وتحذيرات
خلال فترة الحجر الصحي في جائحة كورونا، شارك البعض في جلسات جماعية لإرسال طاقات شفاء أو حب للعالم. ومع ذلك، لم يُلاحظ أي تغيير ملموس، بل على العكس، ازدادت الأمور سوءاً بالنسبة للكثيرين. من هنا، يتضح أن الاعتماد على هذه الطقوس لا يحقق الأمان أو الشفاء المنشود، خاصة إذا كان الإنسان متحصناً بالإيمان والأذكار، فهذه هي الحصانة الحقيقية.
كذلك، هناك تحذير من الانخداع بالمشاعر اللحظية التي قد يشعر بها البعض أثناء ممارسات الطاقة، مثل التنميل أو الشعور بالراحة المفاجئة. هذه المشاعر ليست دليلاً على حدوث تغيير إيجابي حقيقي، بل قد تكون استدراجاً أو خداعاً للنفس.
الطاقة والجن: حقيقة أم خيال؟
يخلط البعض بين مفاهيم الطاقة وعالم الجن والشياطين. في الغرب، تُسمى هذه الكيانات بأسماء مختلفة مثل "الأرواح"، "الملائكة الساقطة"، أو "المرشد الروحي". أما في الإسلام، فالعوالم الغيبية محددة: هناك عالم الجن وعالم الملائكة، وكل منهما له دور ووظيفة محددة بأمر الله. الملائكة لا تخدم البشر إلا بأمر الله، والجن منهم المسلم ومنهم الكافر. أما الشياطين، فهم أتباع إبليس، وهم يسعون لإضلال البشر.
ممارسات الطاقة مثل الريكي، البرانا، الثيتا، وأمثالها، ليست سوى طقوس سحرية حتى وإن تم تسويقها على أنها "سحر أبيض" أو "طاقة إيجابية". في الواقع، هذه الممارسات قد تفتح أبواباً لعوالم غيبية غير مأمونة العواقب، وقد تؤدي إلى مس شيطاني أو هلاوس نفسية.
فلسفة الطاقة: أصول وثنية
من المهم أن نعرف أن فلسفة الطاقة ليست حديثة، بل تعود جذورها إلى عقائد وثنية مثل البراهمانية، البوذية، الجينية، الفراعنة، والإغريق. هذه الفلسفات مبنية على تعدد الآلهة ووحدة الوجود، وليس لها أصل في العقيدة الإسلامية. حتى وإن احتوت هذه الممارسات على بعض الفوائد الظاهرية، إلا أن الأساس العقائدي لها خاطئ، والمخاطرة في اتباعها كبيرة.
النجاح الحقيقي: السعي والعمل والعبادة
إذا نظرنا إلى الناس الناجحين في حياتهم، نجد أن سر نجاحهم يكمن في السعي والعمل الجاد، وليس في ممارسة طقوس الطاقة أو التأملات. في الإسلام، العزة والنجاح في الدنيا والآخرة يتحققان بالسعي، الأخذ بالأسباب، التقرب إلى الله، واتباع الكتاب والسنة. تزكية النفس تكون بالعبادات والأخلاق، وليس بالدخول إلى عوالم غيبية أو البحث عن حلول سحرية.
التوبة والعودة للطريق الصحيح
قد ينزلق البعض في هذه الممارسات دون علم بحقيقتها، لكن دائماً هناك فرصة للتوبة والعودة إلى الطريق الصحيح. التوبة تعني الرجوع إلى الله، وترك هذه الطقوس التي قد تفتح أبواباً للوساوس أو المس الشيطاني. التجارب الشخصية تؤكد أن السلام الداخلي الحقيقي يأتي من الإيمان، العمل، والاعتماد على الله، وليس من طقوس الطاقة أو التأملات.
دروس من الواقع: فلسطين مثالاً
إذا نظرنا إلى أهل فلسطين وغزة، نجد أنهم يواجهون أصعب الظروف، ومع ذلك يتمسكون بإيمانهم ويأخذون بالأسباب الواقعية. لم يحتاجوا إلى طقوس طاقة أو قانون جذب أو غيرها من الممارسات، بل اعتمدوا على الدعاء، العمل، والثبات على العقيدة. هذا هو الطريق الحقيقي للنجاح والصمود.
خلاصة القول
مفاهيم الطاقة كما يتم ترويجها اليوم ليست سوى فلسفات دخيلة لا أساس لها في العلم أو الدين. الاعتماد الحقيقي يجب أن يكون على الإيمان، العمل، والعبادات التي شرعها الله لنا. إذا أردت أن تحقق السلام الداخلي والنجاح في حياتك، فتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، واسعى في حياتك بجد واجتهاد، ودع عنك الأوهام والطقوس التي لا تزيدك إلا بعداً عن الحقيقة.
وفي الختام، نسأل الله أن يحفظنا جميعاً، وأن يثبتنا على الحق، وأن ينصر أهل فلسطين ويثبت أقدامهم. اللهم آمين.
https://www.youtube.com/watch?v=U5P9S2cm6-k