حقيقة علوم الطاقة والتنمية البشرية: بين الجذور العقدية والمخاطر المجتمعية
في السنوات الأخيرة، انتشرت في المجتمعات العربية موجة من الدورات والورش التي تحمل عناوين براقة مثل "علوم الطاقة"، "التأمل"، "التشافي الذاتي"، و"التنمية
في السنوات الأخيرة، انتشرت في المجتمعات العربية موجة من الدورات والورش التي تحمل عناوين براقة مثل "علوم الطاقة"، "التأمل"، "التشافي الذاتي"، و"التنمية البشرية". كثير من هذه المفاهيم تُعرض على أنها أدوات لتطوير الذات وتحقيق السعادة والنجاح والثراء. لكن خلف هذا الغلاف الجذاب، تكمن تساؤلات جوهرية حول مصادر هذه العلوم، حقيقتها، وتأثيرها على العقيدة والمجتمع.
في هذا المقال، نستعرض رحلة نشأة علوم الطاقة وفلسفاتها، ونتناول شهادات وتجارب واقعية، ونحلل آراء المختصين في الشريعة وعلم النفس، لنصل إلى رؤية واضحة حول هذه الظواهر.
تجربة واقعية: من البحث عن التطور إلى الوقوع في الفخ
تروي إحدى الفتيات تجربتها مع علوم الطاقة، حيث بدأت رحلتها قبل سنتين بدافع الفضول والرغبة في التطور الذاتي. لم تظهر هذه العلوم في البداية كأمور خطيرة، بل قُدمت لها كتمارين تأمل وتشافي وسبل لتصبح "إنسانة أفضل". ومع الوقت، تعمّقت في هذه الممارسات، وبدأت تلاحظ تغيرات سلبية في حياتها وسلوكها، حتى وصلت إلى مرحلة من العزلة، وسماع أصوات غريبة، وتغيرات في علاقتها مع عائلتها، بل وصل بها الأمر إلى النفور من الصلاة وكره الدين.
هذه التجربة ليست فردية، بل تتكرر مع كثيرين ممن انجرفوا خلف هذه الدورات دون وعي بحقيقتها وجذورها.
الجذور العقدية لعلوم الطاقة
يرى المختصون أن ما يُسمى بعلوم الطاقة ليس علماً تجريبياً أو إنسانياً بالمعنى العلمي، بل هو منظومة عقدية وفلسفية تعود جذورها إلى الديانات الشرقية القديمة، خصوصاً الهندوسية والبوذية. في هذه الفلسفات، يُنظر إلى الكون على أنه مصدر للطاقة، ويُقدَّس ما يُسمى بـ"الطاقة الكونية" أو "البرانا" أو "الكي"، وتُربط هذه المفاهيم بعبادات الأصنام والكواكب.
تطورت هذه الأفكار عبر العصور، ومرت بمراحل متعددة، من المعابد الهندوسية إلى الفلسفات البوذية، ثم انتقلت إلى الغرب عبر منظمات مثل "الثيوصوفية" و"العصر الجديد"، التي عملت على تغليف هذه المعتقدات بغلاف علمي وإنساني لتناسب المجتمعات الغربية، ثم تسربت إلى العالم العربي مع موجات التنمية البشرية.
كيف دخلت هذه العلوم إلى المجتمعات العربية؟
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل الوصول إلى دورات وورش في الطاقة والتنمية البشرية. بعض المدربين والمدربات يقدمون أنفسهم كخبراء في التشافي أو مدربي وعي أو مرشدين أسريين، لكن كثيراً منهم لا يملكون خلفية علمية حقيقية، بل ينقلون هذه الفلسفات دون تمحيص.
في بعض الحالات، يتم تحايل على الأنظمة والقوانين، وتُعقد دورات تحت مسميات مثل "التخاطب مع الكينونات" أو "جلسات الشفاء بالطاقة"، وهي في حقيقتها ممارسات ذات جذور سحرية أو شركية، مثل استحضار الأرواح أو التعامل مع الجن، ولكن تُعرض بغلاف عصري.
لماذا تنتشر هذه العلوم بين الشباب والفتيات؟
هناك عدة أسباب لانتشار هذه الظواهر، منها:
- الفراغ الروحي والنفسي: كثير من الشباب يبحثون عن حلول لمشاكلهم النفسية أو الاجتماعية، فيجدون في هذه الدورات وعوداً بالراحة والنجاح.
- الخطاب العاطفي: تُستخدم عبارات تحفيزية وتبشيرية تستثير العواطف، مثل "أنت تستحق الأفضل"، "حقق أحلامك"، "اشفِ جروحك".
- غياب الوعي الديني: عدم وجود معرفة كافية بجذور هذه الممارسات يجعل البعض يعتقد أنها لا تتعارض مع الدين، خاصة مع محاولات بعض المدربين "أسلمة" هذه المفاهيم وتقديمها بألفاظ إسلامية.
المخاطر العقدية والاجتماعية
يحذر العلماء والمختصون من خطورة هذه العلوم على العقيدة، إذ أنها تحمل في جوهرها مفاهيم شركية أو إلحادية، مثل فكرة أن الكون هو الخالق، أو أن الإنسان يمتلك "إلهاً صغيراً" بداخله (العقل الباطن)، أو أن تحقيق الأمنيات يتم عبر إرسال ترددات للكون.
كما أن لهذه الممارسات آثاراً نفسية واجتماعية سلبية، مثل العزلة، القطيعة الأسرية، اضطرابات السلوك، بل ووصول البعض إلى حالات من الاكتئاب أو الهوس.
كيف نكتشف تأثر أبنائنا بهذه العلوم؟
هناك علامات يمكن للآباء والأمهات ملاحظتها، منها:
- العزلة والانطواء.
- طرح أسئلة وجودية غريبة.
- تغير في العلاقة مع الأم أو الأسرة.
- ظهور طقوس غريبة (استخدام الشموع، أحجار كريمة، صور الشمس والقمر).
- النفور من العبادات أو الطعام (خاصة اللحوم).
- الاهتمام المفرط بموضوعات الطاقة والكواكب والكارما.
الرد العلمي والشرعي
أكد العلماء المشاركون في النقاش أن علوم الطاقة ليست علماً حقيقياً، بل هي منظومة فلسفية عقدية لا تستند إلى حقائق علمية مثبتة، وقد حذرت منها الجامعات الغربية نفسها وصنفتها كعلوم زائفة.
أما من الناحية الشرعية، فهذه الممارسات تتعارض مع التوحيد، وتدخل في باب الشركيات والسحر، كما أن محاولة "أسلمة" هذه المفاهيم لا يغير من حقيقتها شيئاً.
نصيحة للآباء والمجتمع
ينبغي على الأسر والمجتمع رفع مستوى الوعي حول هذه الظواهر، وعدم الانخداع بالمصطلحات البراقة أو الوعود الزائفة. يجب التأكيد على أهمية الرجوع إلى المصادر الموثوقة في الشريعة والعلم، وعدم الانجرار خلف أي ممارسة أو دورة دون التأكد من حقيقتها ومشروعيتها.
كما يُنصح بالانفتاح في الحوار مع الأبناء، والاستماع إلى تساؤلاتهم ومشاكلهم، وتوجيههم نحو مصادر الدعم النفسي والروحي السليمة.
خلاصة
علوم الطاقة والتنمية البشرية، كما تُقدم اليوم في معظم الدورات غير المعتمدة، ليست مجرد تمارين بريئة أو وسائل تطوير ذاتي، بل هي منظومة فكرية وفلسفية ذات جذور عقدية خطيرة، قد تؤدي إلى الانحراف عن العقيدة الصحيحة، وتسبب اضطرابات نفسية واجتماعية.
الوعي والتمحيص، والرجوع إلى أهل العلم الشرعي والعلمي، هو السبيل لحماية أنفسنا وأبنائنا من هذه الشبهات والانحرافات.
المصادر الموصى بها:
- كتب الدكتورة فوز كردي والدكتورة هيفاء الرشيد حول نقد علوم الطاقة والتأمل.
- البحوث العلمية المحكمة في الجامعات الإسلامية حول هذه الظواهر.
- متابعة الحملات التوعوية الرسمية حول العلوم الزائفة والشركيات.
وأخيراً:
"كل من يحمل في قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله، عليه واجب الدفاع عن دينه وأسرته ومجتمعه، ولو بكلمة أو نصيحة أو توعية."
https://www.youtube.com/watch?v=1jECyItq4Hk