حقيقة صيام الحائض بين الشريعة والشبهات الحديثة
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم المغلوطة حول بعض الأحكام الشرعية، خاصة بين فئة المدربين أو من يسمون أنفسهم "مدربي الطاقة" الذين يروجون ل
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم المغلوطة حول بعض الأحكام الشرعية، خاصة بين فئة المدربين أو من يسمون أنفسهم "مدربي الطاقة" الذين يروجون لأفكار دخيلة على الدين الإسلامي. من بين هذه المسائل التي أثير حولها الجدل، مسألة صحة صيام المرأة الحائض، والتي تتكرر كل عام مع قدوم شهر رمضان، وتجد رواجًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي.
جذور الشبهات: إنكار السنة والطعن في الموروث
من المؤسف أن بعض هذه الشبهات ليست وليدة جهل فقط، بل هي نتاج فكر معادٍ لعقيدة التوحيد، يسعى لتشويه فهم المسلمين لدينهم. يبدأ الأمر غالبًا بإنكار السنة النبوية ورفض الاحتجاج بها، والاكتفاء بالقرآن الكريم وحده، متجاهلين أن القرآن نفسه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".
هذا الفكر لا يكتفي بإنكار السنة، بل يصل أحيانًا إلى الطعن في القرآن ذاته، أو تأويله بما يوافق الأهواء، فيزعمون أن كل عصر له فهمه الخاص للدين، وأنه من الطبيعي أن تتغير طريقة فهمنا للأحكام الشرعية مع تطور الزمان، متناسين أن العبادات توقيفية، لا مجال فيها للاجتهاد الشخصي أو التأويل الباطني.
حكم صيام الحائض في الإسلام: إجماع لا خلاف فيه
من الشبهات التي يروج لها هؤلاء، القول بأن الحائض يجوز لها الصيام، وأن الطهارة ليست شرطًا لصحة الصيام، مستدلين بعدم وجود نص صريح في القرآن يمنع الحائض من الصيام. لكن الحقيقة أن هذا القول مخالف للنصوص الصحيحة وإجماع الأمة.
- الأدلة من السنة النبوية:
في صحيح البخاري ومسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
- إجماع العلماء:
قال الإمام النووي: "أجمعت الأمة على تحريم الصوم على الحائض والنفساء، وعلى أنه لا يصح صومهما، وأن عليهما قضاء ما فاتهما من الصيام".
وقال ابن رجب: "أجمعت الأمة على أن الحائض لا تصوم في أيام حيضها، وأن صومها غير صحيح ولا يعتد به".
إذًا، الأمر واضح لا لبس فيه: يحرم على المرأة الصيام حال الحيض، ولا يصح منها الصوم، ويجب عليها قضاء الأيام التي أفطرتها بعد الطهر.
خطورة اتباع الشبهات وأثرها على العقيدة
المشكلة ليست في طرح سؤال بديهي كهذا، بل في مصدر الشبهة ومنطلقها. فغالبية هذه الأفكار تأتي من أشخاص بعيدين عن العلم الشرعي، يخلطون بين الدين والفلسفات الشرقية، ويستقون علومهم من مصادر مشبوهة. بعضهم يروج للطاقة واليوغا والتأمل، ويخلطها بنصوص دينية لتمرير أفكار شركية أو باطنية بين المسلمين.
بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنكار اليوم الآخر، أو القول بتحريف القرآن، أو الدعوة لتفسير القرآن بالوعي الشخصي بعيدًا عن فهم الصحابة والسلف الصالح. وهذا انحراف خطير يهدد ثوابت الدين.
الرد على بعض الشبهات المنهجية
من الملاحظ أن هؤلاء يروجون لفكرة أن كل ما لم يرد تفصيله في القرآن يمكن تركه أو تأويله حسب الرأي الشخصي. فلو أخذنا بهذا المنطق، لتركنا تفاصيل الصلاة، والزكاة، وأحكام الحج، بل حتى كيفية دفن الموتى، لأن كثيرًا من هذه التفاصيل وردت في السنة النبوية لا في القرآن. فهل يعقل أن نأخذ ديننا من أشخاص يجهلون أو ينكرون السنة، أو يفسرون النصوص الشرعية حسب أهوائهم؟
تحذير للنساء: لا تتبعن كل من يدعي العلم
أخواتي الكريمات، احذرن من الوقوع في فخ هذه الشبهات. إن اتباع مثل هذه الفتاوى الباطلة ليس مجرد خطأ فقهي، بل قد يكون بابًا للانحراف العقدي، خاصة إذا صاحبه استهانة بالسنة النبوية أو استبدالها بفلسفات دخيلة. واعلمي أن كل عبادة لم يُشرعها الله ورسوله فهي مردودة على صاحبها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
الدين له علماءه وليس كل من هب ودب يُفتى فيه
الدين الإسلامي له علماؤه المتخصصون، وليس من حق كل شخص أن يفتي في الأحكام الشرعية، خاصة من لم يتلق العلم من مصادره الصحيحة. فاحرصي على أخذ دينك من العلماء الثقات، ولا تغتري بكثرة المتابعين أو شهرة المدربين على مواقع التواصل.
الخلاصة والنصيحة
في الختام، أوجه رسالتي لكل أخت مسلمة:
- لا تتبعي كل من يدعي العلم أو الوعي، وتذكري أن دينك أمانة.
- صيام الحائض لا يصح بإجماع العلماء، ومن أفتى بغير ذلك فقد خالف النص والإجماع.
- خذي دينك من العلماء المعتبرين، وابتعدي عن أصحاب الشبهات والفلسفات الدخيلة.
- احذري من الابتداع في الدين أو الاستهانة بالسنة النبوية، فذلك باب عظيم للضلال.
أسأل الله أن يحفظنا جميعًا من الفتن، وأن يثبتنا على الحق، وأن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعصمنا من الضلال وأئمة الضلال، وأن يجعلنا من المعتصمين بالكتاب والسنة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
شاركوا هذا المقال مع من تحبون، لعل الله أن ينفع به، ويحفظ به دين أخواتنا وبناتنا من كل انحراف أو ضلال.
https://www.youtube.com/watch?v=2OPPdtNqUmU