اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

حقيقة تمارين التنفس: بين العلم والمغالطات

في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع دورات وتمارين التنفس التي تُقدَّم تحت مسميات مختلفة: "تنفس الطاقة"، "تنفس الوعي"، "تنفس التحرر"، وغيرها. يروج لها

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
4 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع دورات وتمارين التنفس التي تُقدَّم تحت مسميات مختلفة: "تنفس الطاقة"، "تنفس الوعي"، "تنفس التحرر"، وغيرها. يروج لها مدربون غير مختصين، ويُدَّعى أنها تمنح صفاء الذهن، وتحرر من المشاعر السلبية، بل وتفتح آفاقاً روحية ومعرفية غير مسبوقة. فما حقيقة هذه التمارين؟ وهل لها أساس علمي؟ وما المخاطر الكامنة وراءها؟

في هذا المقال، نستعرض أهم ما جاء في نقاش علمي موسع حول موضوع تمارين التنفس، مع توضيح الحقائق الطبية، ودحض المغالطات المنتشرة.

كيف يستهدف مدربو الطاقة عقول الناس؟

جميع تمارين الطاقة والتنفس التي يروج لها غير المختصين تهدف إلى إدخال الشخص في حالة ذهنية معينة، من خلال التأثير على موجات الدماغ. يشبّهون الإنسان بجهاز راديو، ويحاولون "ضبط تردده" على موجة محددة (غالباً موجة "سيتا" Theta)، وهي موجة الدماغ المرتبطة بحالات التأمل العميق، والأحلام، والهلوسة.

للوصول لهذه الحالة، يستخدمون عدة وسائل، منها:

  • تمارين التنفس: خاصة التنفس البطني العميق أو التنفس السريع، مع التركيز على أن يكون الزفير أطول من الشهيق.
  • الموسيقى ذات الترددات الخاصة (Subliminal/Binaural Beats): يُقال إنها تدخل الدماغ في موجات معينة.
  • الرقص الدائري أو الحركات المنتظمة: كما في بعض الطقوس الصوفية.
  • التلوين المطول (مندالا): التركيز على تفاصيل دقيقة لفترة طويلة.
  • النظام الغذائي النباتي الصرف: يقال إنه يغير كيمياء الدماغ.
  • الصعود للمرتفعات أو ممارسة التنفس والمعدة فارغة: يؤدي لانخفاض السكر والأكسجين في الدماغ.
  • تناول مواد مهلوسة (مثل DMT أو Ayahuasca): للوصول السريع لحالة "السيتا".

موجات الدماغ: ما هي، ولماذا يستهدفون "السيتا"؟

الدماغ يعمل بعدة موجات كهربائية، أهمها:

  • جاما (Gamma): أعلى نشاط ذهني وتركيز.
  • بيتا (Beta): وعي كامل ويقظة، التفكير المنطقي.
  • ألفا (Alpha): استرخاء مع إغماض العينين.
  • سيتا (Theta): تأمل عميق، أحلام، هلوسة، حالة بين النوم واليقظة.
  • دلتا (Delta): نوم عميق بلا أحلام.

مدربو الطاقة يسعون لإدخال المتدرب في موجة "سيتا"، لأنها حالة يكون فيها الشخص بين الوعي واللاوعي، يسهل التأثير عليه، وتكثر فيها الهلوسات والتجارب الغريبة.

كيف يُدخلونك في موجة "السيتا"؟

الطريقة الأساسية هي التنفس الطاغي (Hyperventilation): أي تنفس سريع أو عميق أو زفير طويل، وغالباً مع المعدة الفارغة أو بعد مجهود بدني أو في أماكن منخفضة الأكسجين (كالمرتفعات).

هذه الطريقة تُستخدم حتى في الطب لتشخيص بعض أنواع الصرع عند الأطفال، حيث يُطلب من الطفل أن ينفخ بالوناً أو يتنفس بسرعة، فإذا دخل في حالة "تجمد" (Absence Seizure)، يعرف الطبيب أنه مصاب بنوع معين من الصرع. في هذه الحالة، يتجمد الطفل، تظل عيناه مفتوحتين، ولا يستجيب لأي مناداة أو كلام، ولا يتذكر ما حدث أثناء النوبة.

بمعنى آخر: تمارين التنفس الطاغي يمكن أن تدخل الإنسان في حالة فقدان وعي أو تشنجات خطيرة.

المخاطر الطبية للتنفس الطاغي

خلافاً لما يروج له المدربون، فإن التنفس العميق أو الطاغي لا يزيد الأكسجين في الدم، بل قد يؤدي إلى:

  • انخفاض ثاني أكسيد الكربون في الدم: الزفير الطويل أو السريع يطرد كميات كبيرة من CO2، وهذا يخل بتوازن الجسم الكيميائي (pH).
  • ارتفاع قلوية الدم (Alkalosis): يؤدي ذلك إلى انقباض الأوعية الدموية في الدماغ، وانخفاض الأكسجين الواصل للدماغ، ما يسبب الدوخة، فقدان الوعي، أو حتى الصرع المؤقت.
  • تشنجات عضلية وتنميل الأطراف: بسبب اضطراب الكالسيوم في الدم.
  • خطر السكتة الدماغية أو القلبية: التنفس الطاغي ممنوع طبياً على من لديهم مشاكل قلبية أو تنفسية.
  • تأثيرات نفسية خطيرة: مثل الهلوسات السمعية والبصرية، وظهور "كينونات" أو "أصوات" أو "ذكريات زائفة"، ما قد يسبب اضطرابات نفسية عميقة.

تنبيه مهم: في الطب، حتى عند إجراء تخطيط دماغي مع تنفس طاغٍ لمدة 5 دقائق فقط، يُطلب من المريض توقيع تعهد بسبب المخاطر المحتملة (صرع، جلطة، سكتة قلبية).

مفاهيم مغلوطة يروج لها المدربون

  • "التنفس البطني هو التنفس الطبيعي": خطأ. التنفس الطبيعي يعتمد على عضلات الصدر والحجاب الحاجز، ولا يحتاج الإنسان لتحريك عضلات البطن إلا في حالات مرضية أو رياضية خاصة.
  • "أنت لا تستخدم كل رئتيك إلا بتمارين التنفس": غير صحيح. كل أجزاء الرئة تعمل بشكل طبيعي ما لم يكن هناك مرض أو انسداد.
  • "التنفس الطاغي يزيد الأكسجين للخلايا": العكس تماماً، فهو يمنع الأكسجين من الوصول للخلايا بسبب تغير كيمياء الدم.
  • "التنفس مثل الأطفال الرضع هو الأصل": الأطفال يتنفسون بالبطن لأن عضلات صدرهم لم تتطور بعد، وليس لأن هذا هو التنفس المثالي للبالغين.
  • "تنفس بين الأذان والإقامة أو أثناء السجود له فوائد روحية": لا يوجد أساس علمي أو ديني لهذا الكلام، وهو من الدجل والشعوذة.

لماذا يروجون لهذه التمارين؟

الهدف الحقيقي ليس الصحة أو الاسترخاء، بل إدخال الإنسان في حالة غياب عن الوعي، يسهل معها التأثير عليه، وزرع أفكار أو ذكريات أو معتقدات جديدة، أو حتى تسهيل حالات "التلبس" أو "التنويم الإيحائي". كثير من طقوس الطرق الباطنية والصوفية والروحانية تعتمد على هذه الحالة، وتصفها بـ"السكر الروحي" أو "فيض المعرفة".

متى يكون التنفس العميق مفيداً؟

هناك حالات طبية محددة يُستخدم فيها التنفس العميق أو البطني، مثل:

  • بعد العمليات الجراحية لتحريك الحجاب الحاجز وتنشيط الأمعاء.
  • في حالات الهلع أو تسارع ضربات القلب (وبإشراف طبي، ولفترة قصيرة جداً).
  • لدى الرياضيين المحترفين وتحت إشراف مختصين.

أما التنفس الطاغي لساعات أو في جلسات جماعية أو مع موسيقى وترديدات، فهو غير آمن وخطير.

خلاصة علمية

  • التنفس الطبيعي: شهيق يساوي زفير، دون مبالغة أو تحكم قسري بعضلات البطن.
  • أي تمرين تنفس يخل بتوازن ثاني أكسيد الكربون في الجسم هو خطر على الصحة.
  • لا يوجد ما يسمى "تنفس الطاقة" أو "تنفس الوعي" في الطب أو العلم.
  • الاسترخاء الحقيقي يكون بالتنفس الطبيعي، والنوم الكافي، والحركة المنتظمة، وليس بجلسات الدجل.

نصيحة للمتدربين والمهتمين

لا تنخدعوا بالشعارات البراقة والدورات المكلفة. صحتكم أغلى من أن تُجربوا عليها أساليب غير علمية قد تضر بدماغكم وجسدكم ونفسيتكم. إذا أردتم تحسين صحتكم النفسية أو الجسدية، استشيروا الأطباء والمختصين، وابتعدوا عن مدربي الطاقة والدجالين.

المصادر العلمية:

  • كتب علم وظائف الأعضاء (Physiology) والتشريح المعتمدة في كليات الطب.
  • توصيات جمعيات طب الأعصاب البريطانية والأمريكية حول اختبارات التنفس في تخطيط الدماغ.
  • أبحاث منشورة حول تأثير التنفس الطاغي على كيمياء الدماغ والجسم.

ختاماً:

الوعي العلمي هو خط الدفاع الأول ضد الدجل والشعوذة. شاركوا هذه المعلومات مع من تحبون، وكونوا دائماً على اطلاع بالحقائق الطبية الصحيحة.

https://www.youtube.com/watch?v=TRaigcFV-aM

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك