حقيقة "طاقة أسماء الله الحسنى": بين العلم والدين وخطر الشعوذة الحديثة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم ودورات تدّعي العلاج أو تطوير الذات عبر ما يُسمى "طاقـة أسماء الله الحسنى" أو "الطاقة النورانية"، حيث يُروّ
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم ودورات تدّعي العلاج أو تطوير الذات عبر ما يُسمى "طاقـة أسماء الله الحسنى" أو "الطاقة النورانية"، حيث يُروّج لها على أنها علم أو ممارسة روحية لها جذور إسلامية، بل ويزعم البعض أنها توافق القرآن والسنة. في هذا المقال، سنكشف حقيقة هذه الممارسات، جذورها، كيف تم تسويقها، ولماذا تعتبر خطراً على العقيدة والصحة النفسية للمجتمع.
كيف بدأت القصة؟
ظهر مفهوم "طاقة أسماء الله الحسنى" في أوساط التنمية البشرية والعلاج بالطاقة، مدعياً أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة معينة تؤثر على الإنسان، بل وعلى أعضاء جسده، وأن تكرار الاسم بعدد معين أو بطريقة معينة يجلب الشفاء أو الرزق أو النجاح. ويزعم المروجون أنهم يستندون إلى العلم الحديث، أو إلى تجارب روحية وصوفية قديمة.
لكن الحقيقة أن هذه الأفكار ليست إلا خليطاً من الفلسفات الباطنية، والسحر القديم، وبعض المفاهيم المستوردة من البوذية والهندوسية والكبّالا اليهودية، أُلبست ثوباً إسلامياً لتسويقها في المجتمعات المسلمة.
الجذور التاريخية: من التصوف الغالي إلى العصر الجديد
تعود جذور هذه الممارسات إلى مدارس التصوف الغالية، التي تأثرت بدورها بالفلسفات الباطنية والغنوصية. ويُعد أحمد شمس الدين البوني، صاحب كتاب "شمس المعارف"، من أوائل من أدخلوا مفاهيم علم الحرف والجفر وربط أسماء الله الحسنى بالأرقام والطقوس، مدّعياً أن لكل اسم قوة سرية يمكن تفعيلها بطقوس معينة، تتضمن العزلة، التكرار، البخور، وحتى استحضار الجن.
هذه الأفكار انتقلت عبر العصور، وتطورت مع ظهور "العصر الجديد" (New Age) ومدارس الطاقة الشرقية، مثل الريكي والشاكرات، لتُدمج لاحقاً مع أسماء الله الحسنى وتُقدم على أنها علم إسلامي أو علاج رباني.
كيف يتم تسويق "طاقة الأسماء"؟
يعتمد المروجون على عدة أساليب لجذب الناس:
- الاستناد إلى الدين: يقتبسون آيات وأحاديث، أو يفسرونها بشكل باطني، ويوهمون الناس أن هذه الممارسات عبادة أو ذكر لله.
- الخلط مع العلم الحديث: يذكرون مصطلحات مثل "ذبذبات"، "فيزياء الكم"، "تأثير الماء"، ويستشهدون بدراسات غير موثقة أو مزيفة.
- الاستغلال العاطفي: يستهدفون المرضى، الباحثين عن الرزق، أو من يمرون بمشاكل نفسية أو اجتماعية، ويعدونهم بالشفاء أو النجاح السريع.
- ادعاء التجربة الشخصية: يروون قصصاً عن أشخاص شفوا أو تغيرت حياتهم بعد ممارسة هذه الطقوس.
أين يكمن الخطر؟
1. الانحراف العقدي والشرك الخفي
أخطر ما في هذه الممارسات أنها تخرج الإنسان من دائرة التوحيد الخالص، إلى دائرة الشرك الخفي أو الأكبر، من خلال:
- الاعتقاد بأن للأسماء تأثيراً ذاتياً مستقلاً عن الله، أو أن الإنسان يمكنه "تفعيل" اسم من أسماء الله في نفسه أو في غيره.
- ممارسة طقوس تشبه السحر والشعوذة، مثل العزلة، البخور، الأعداد، استحضار الأرواح أو "الملوك النورانيين".
- ربط الأسماء بالأبراج، الأرقام، أو أعضاء الجسد، كما يفعل السحرة والكهان.
2. التلاعب بالدين والعقول
يتم تسويق هذه الممارسات على أنها "علم"، بينما هي في حقيقتها خرافات قديمة بثوب جديد. ويستغل بعض المدربين جهل الناس بالدين أو العلم، ويبيعون الدورات بأسعار باهظة، ويحققون أرباحاً على حساب صحة الناس وعقيدتهم.
3. خطر على الصحة النفسية والجسدية
الكثير من المرضى يتركون العلاج الطبي، ويعتمدون على تكرار الأسماء أو شحن الماء أو الأحجار، مما يؤدي لتفاقم أمراضهم. كما أن بعض الممارسات قد تسبب اضطرابات نفسية أو وساوس قهرية.
ما هو الموقف الشرعي والعلمي؟
الموقف الشرعي
أجمع العلماء وهيئات الفتوى المعتبرة على أن ما يسمى "العلاج بطاقة أسماء الله الحسنى" أو "تفعيل الأسماء" أو "ربطها بالأرقام والأبراج" هو من البدع المحدثة، بل ومن الشعوذة والقول على الله بغير علم. والمشروع في أسماء الله هو الدعاء بها، والتعبد لله بفهم معانيها، لا اتخاذها طلاسم أو تمائم أو أدوات علاج.
قالت هيئة كبار العلماء:
"إن العلاج بطاقة أسماء الله الحسنى عمل باطل، من الإلحاد في أسماء الله، وفيه امتهان لها. والمشروع في أسماء الله: الدعاء بها، وإثبات ما تتضمنه من الصفات العظيمة لله تعالى، ولا يجوز استعمالها في شيء من الأشياء غير الدعاء إلا بدليل شرعي."
الموقف العلمي
لا يوجد أي دراسة علمية موثوقة تثبت أن تكرار اسم معين يؤثر على عضو معين في الجسد، أو أن شحن الماء أو الأحجار بأسماء الله له أثر في الشفاء. كل ما يُذكر من "تجارب" أو "دراسات" إما مزيف أو غير معتمد علمياً.
كيف تميّز الحق من الباطل؟
- ارجع للأصل: كل عبادة أو ذكر أو علاج يُنسب للإسلام، يجب أن يكون له أصل في القرآن والسنة، وفهم الصحابة والعلماء الثقات.
- اسأل أهل العلم: إذا التبس عليك أمر، فاسأل العلماء المعتبرين، ولا تتبع كل من يدّعي العلم أو الروحانية.
- لا تخلط بين الدين والخرافة: ليس كل ما يقال فيه "ذكر" أو "دعاء" يكون مشروعاً، فهناك بدع وطرق ضلال كثيرة.
- احذر من الدورات غير الموثوقة: لا تدخل في مجموعات أو دورات تدّعي العلاج بالطاقة أو طاقة الأسماء أو الشاكرات أو غيرها من الفلسفات الباطنية.
خلاصة: الدعاء بأسماء الله عبادة، لا شعوذة
أسماء الله الحسنى هي صفات لله تعالى، نتعبد بها وندعو الله بها، ونفهم معانيها لنتقرب إلى الله. أما تحويلها إلى طلاسم، أو ربطها بالأرقام والأبراج والأعضاء، أو استخدامها في طقوس غامضة، فهو من البدع والشعوذة التي يجب الحذر منها.
احفظ دينك وعقلك، وكن على يقين أن الخير والشفاء والرزق بيد الله وحده، وليس عبر طقوس أو أعداد أو مدربين مجهولين.
قال تعالى:
"قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [الأعراف: 33]
ملاحظة هامة:
إذا كنت ممن وقع في هذه الممارسات، فبادر بالتوبة إلى الله، وارجع إلى الكتاب والسنة، واستعن بالعلماء الثقات، ولا تلتفت إلى كل جديد يُعرض باسم الدين أو العلم.
المصادر:
- القرآن الكريم والسنة النبوية
- فتاوى هيئة كبار العلماء
- كتب الرد على الصوفية الغالية والفلسفات الباطنية
- خبرات وتجارب واقعية ممن تركوا هذه الممارسات
حافظ على دينك، واحذر من الشعوذة الحديثة مهما لبست ثوب الدين أو العلم.
https://www.youtube.com/watch?v=zaAl4oQfwVg