حقيقة "توأم الشعلة": بين الخرافة والواقع – قراءة نقدية

في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مفاهيم روحية جديدة مثل "توأم الشعلة" و"توأم الروح"، وبدأ الكثير من المدربين والمهتمين بالطاقة يتحدثون عنها ويقدمونها كحلول لمشكلات العلاقات العاطفية والاجتماعية. في هذا المقال، سنناقش مفهوم توأم الشعلة، ونحلل جذوره، ونوضح مخاطره، ونبين كيف يمكن أن تؤثر هذه الأفكار على الأفراد والمجتمع.

ما هو مفهوم توأم الشعلة؟

يتم الترويج لمفهوم توأم الشعلة على أنه علاقة نادرة جدًا بين شخصين، يقال إن الله خلقهما ليكملا بعضهما البعض ويؤديان رسالة روحية مشتركة على الأرض. ويزعم بعض المدربين أن هذه العلاقة ليست علاقة حب أو زواج تقليدي، بل علاقة روحية عميقة هدفها "خدمة الله" أو "محاربة الشياطين"، وأن من يعيشها يمر بتجارب طفولة قاسية ثم يتحد مع توأمه ليحقق النور والخير في العالم.

يقال أيضًا إن هناك نوعين من توأم الشعلة: "المطارد" و"الهارب"، وأن الهارب إذا ابتعد عن توأمه ولم يحقق الشفاء الروحي قد يتعرض للاكتئاب الشديد أو حتى الوفاة، بينما المطارد يتعلم من التجربة ويخرج منها أقوى.

نقد علمي وشرعي للمفهوم

1. تغيير المفاهيم الدينية والاجتماعية

يروج بعض المدربين لفكرة أن توأم الشعلة قد يكون أي شخص في حياتك: أمك، أبوك، ابنك، صديقك، أو حتى شريك حياتك. ويقدمون هذه العلاقة كبديل عن الزواج التقليدي، ويزعمون أن الزواج والنصيب ليسا مهمين، بل الأهم هو "العلاقة الروحية" مع توأم الشعلة. هذا الطرح يصطدم بشكل مباشر مع المفهوم الإسلامي للزواج والعلاقات، حيث شرع الله الزواج وجعل فيه المودة والرحمة، وأكد على أهمية القناعة بالقدر والنصيب.

2. تشجيع على الهروب من المسؤولية

يلاحظ أن كثيرًا ممن يتأثرون بهذه الأفكار هم أشخاص يمرون بمشكلات عاطفية أو اجتماعية مثل الخلافات الزوجية أو الجفاف العاطفي. فيجدون في فكرة توأم الشعلة مخرجًا وهميًا للهروب من مواجهة الواقع أو إصلاح العلاقات الحقيقية. بل قد يصل الأمر إلى تشجيع البعض على إنهاء علاقاتهم أو حتى ارتكاب تصرفات خاطئة بدعوى البحث عن توأم الشعلة.

3. خلط المصطلحات وتغيير الوعي

يتم اللعب على المصطلحات وتغيير معانيها، فيتم تقديم مفهوم "الاتحاد لخدمة الله" أو "محاربة الشياطين" بشكل غامض وغير محدد، ويُربط ذلك بمشاعر الطفولة والآلام النفسية، ليشعر المتلقي بأنه يعيش قصة استثنائية. كما يتم التلاعب بنسب الطاقة الذكورية والأنثوية (70% و30% مثلاً) دون أي أساس علمي، ويُعطى للمتلقي شعور بأنه يحتاج لمن يوجهه ويشفيه.

4. خطر على الصحة النفسية

من أخطر ما يروج له بعض المدربين هو أن الهارب من توأم الشعلة قد يموت إذا لم يلتئم مع توأمه! هذا الكلام قد يؤثر بشكل سلبي على الأشخاص الضعفاء نفسيًا، خاصة النساء أو الشباب الذين يمرون بفترات ضعف أو اكتئاب، فيدفعهم ذلك إلى اليأس أو اتخاذ قرارات متهورة.

5. تسويق لفكرة فلسفية غربية

مفهوم "الحب الأفلاطوني" أو "الاتحاد الروحي" مأخوذ من الفلسفات الغربية القديمة، وليس له أصل في الإسلام أو حتى في أغلب الثقافات الشرقية. كما أن فكرة أن الإنسان يحتاج إلى "نصفه الآخر" ليكتمل، تتعارض مع مبدأ الاكتفاء الذاتي والرضا بالقدر.

لماذا تنتشر هذه الأفكار؟

يرجع انتشار هذه الأفكار إلى عدة أسباب، منها:

• تأثر الناس بمشكلات العلاقات العاطفية والاجتماعية، فيبحثون عن حلول سريعة وسحرية.
• تسويق المدربين لأنفسهم عبر تقديم أفكار جديدة لجذب المتابعين، حتى لو كانت غير علمية أو غير أخلاقية.
• تأثير حركات العصر الجديد (New Age) التي تروج لمفاهيم الطاقة والاتحاد الروحي وتغيير الوعي.

كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟

• الرجوع إلى المصادر الشرعية والعلمية في فهم العلاقات الإنسانية وعدم الانجراف وراء كل فكرة جديدة.
• تعزيز الوعي النفسي والاجتماعي، وتعلم مهارات إدارة المشاعر وحل المشكلات بطرق واقعية.
• الانتباه إلى خطورة بعض المدربين أو الناشطات اللواتي يروجن لهذه الأفكار تحت مسميات حقوق المرأة أو الطفل، فقد يكون الهدف تغيير العقائد والسلوكيات وليس الدعم الحقيقي.
• مناقشة هذه الأفكار مع الأبناء والشباب وبيان حقيقتها وخطورتها بلغة هادئة وعقلانية.

الخلاصة

مفهوم "توأم الشعلة" كما يروج له بعض المدربين ليس سوى خرافة حديثة لا تستند إلى أساس علمي أو ديني، بل قد تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد. علينا أن نكون واعين ونحذر من الوقوع في فخ هذه العقائد الجديدة، وأن نتمسك بقيمنا ومبادئنا، ونبحث عن السعادة والرضا في الواقع لا في الأوهام.

إذا واجهت مشكلة في حياتك، ابحث عن حلول واقعية، واطلب الدعم من أهل الثقة والعلم، ولا تجعل من نفسك فريسة لأفكار قد تضر بك أكثر مما تنفعك.

https://www.youtube.com/watch?v=CLC2NKK2IUs