حركة العصر الجديد: جذورها، تطبيقاتها، ومخاطرها على العقيدة الإسلامية
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات والتقنيات التي يُروَّج لها تحت مسميات مثل "الطاقة"، "التنمية الذاتية"، "العلاج البديل"، وغيرها من المصط
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات والتقنيات التي يُروَّج لها تحت مسميات مثل "الطاقة"، "التنمية الذاتية"، "العلاج البديل"، وغيرها من المصطلحات الجذابة. كثير من هذه الممارسات تنضوي تحت ما يُعرف بـ"حركة العصر الجديد" (New Age Movement)، وهي حركة فكرية وروحية بدأت في الغرب، لكنها وجدت طريقها إلى العالم الإسلامي، وأثرت بشكل ملحوظ على العقائد والسلوكيات. في هذا المقال، نعرض لكم ملخصًا لأهم أفكار وتطبيقات حركة العصر الجديد، كما وردت في كتاب الدكتورة فوز كردي "حركة العصر الجديد"، مع مناقشة مخاطرها على العقيدة الإسلامية.
جذور حركة العصر الجديد
حركة العصر الجديد ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لأفكار باطنية وغنوصية قديمة، ظهرت في الشرق والغرب. تقوم هذه الأفكار على وجود "قوة مطلقة" أو "طاقة كونية" يُعتقد أن كل الكائنات انبثقت منها، وأن الهدف النهائي للإنسان هو الاتحاد مع هذه القوة أو الطاقة. هذه المفاهيم مستمدة من ديانات شرقية كالهندوسية والبوذية، وكذلك من الكابالا اليهودية وبعض الفلسفات اليونانية القديمة.
تؤمن هذه الحركات بأن الإنسان يمكنه، من خلال طقوس وممارسات معينة، أن يترقى روحانيًا ويصل إلى "العرفان" أو "الإشراق"، متجاوزًا بذلك حدود الدين والوحي الإلهي.
كيف انتشرت حركة العصر الجديد؟
بدأت حركة العصر الجديد في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة، حيث تأسست معاهد ومراكز مثل معهد "إسلن" الذي يُعتبر الحاضنة الأساسية للحركة. من هناك، انتشرت البرامج والتقنيات المرتبطة بها إلى أوروبا، ثم إلى العالم الإسلامي، خاصة مع الانفتاح الثقافي والعولمة خلال السنوات الأخيرة.
ما يميز حركة العصر الجديد عن غيرها من الحركات الباطنية هو محاولتها إضفاء صبغة علمية على ممارساتها، رغم أنها في حقيقتها تفتقر إلى أي أساس علمي رصين أو أبحاث معترف بها. كثير من المدربين والمروجين لهذه التقنيات يستخدمون مصطلحات فيزيائية مثل "فيزياء الكم" و"الزمكان" لإقناع الناس، دون وجود أدلة علمية حقيقية.
أشهر تطبيقات حركة العصر الجديد
فيما يلي أبرز التطبيقات والممارسات التي تنتشر ضمن حركة العصر الجديد، والتي يجب على المسلم معرفتها والحذر منها:
1. الطاقة الكونية والشاكرات
تقوم الفلسفة الشرقية على وجود "طاقة كونية" (كي، تشي، برانا...) تتدفق في جسم الإنسان عبر مراكز تسمى "الشاكرات". يُعتقد أن توازن هذه الشاكرات ضروري للصحة الجسدية والروحية، وأن التأمل والتدريبات الخاصة تساعد على فتحها والتواصل مع "الإله" أو "المصدر". لكن هذه المفاهيم لا علاقة لها بالعلم الفيزيائي ولا بالدين الإسلامي.
2. التنفس التحولي
تمارين تنفس يُزعم أنها تساعد على استشعار تدفق الطاقة الكونية في الجسم، وتدخل الشخص في حالة من الاسترخاء العميق أو النشوة. في الحقيقة، هذه التمارين مستمدة من طقوس صوفية وشرقية، ولا تستند إلى أي أساس علمي.
3. التأمل التجاوزي
تأملات وطقوس روحية مأخوذة من الديانات البوذية والهندوسية، تهدف للوصول إلى "السمو الروحي" والدخول في حالات "اللاوعي". يُعتقد أن هذه الحالات تقرّب الإنسان من المطلق أو "الإله" حسب زعمهم.
4. البرمجة اللغوية العصبية (NLP)
تقنية انتشرت على أنها علم تطوير الذات، لكنها في أصلها مستمدة من فلسفات باطنية، وتمت نمذجتها على شخصيات غنوصية لا علاقة لها بالدين أو الأخلاق. رغم وجود بعض التمارين المستمدة من علم النفس، إلا أن الأساس الفكري لها مشبوه.
5. الماكروبيوتك
نظام غذائي وفلسفة حياتية تدعو للاتحاد مع الطاقة الكونية، وتفرض قواعد صارمة على الأكل، اللباس، وتصميم المنزل بهدف تحقيق "التناغم الروحي". في المستويات المتقدمة، تدخل مفاهيم وثنية مثل ثنائية "الين واليانغ".
6. الفونج شوي
فلسفة صينية تهتم بتصميم المنزل وتوزيع الألوان والأثاث لجلب الحظ والصحة والمال، بناءً على معتقدات باطنية حول الطاقة الكونية وتدفقها في المكان.
7. الجرافولوجي (تحليل الخط)
يدّعي المروجون أن تحليل خط اليد يكشف عن ماضي وحاضر ومستقبل الإنسان، وهو في الحقيقة نوع من الكهانة المغلفة بمصطلحات علمية.
8. الهوا (Huna)
طقوس من جزر هاواي تتعلق بالتعامل مع "طاقات الأرض" وتحريك الأشياء عن بعد بالنظر المغناطيسي، وتدخل في نطاق السحر والشركيات.
مخاطر حركة العصر الجديد على المسلمين
تُعد حركة العصر الجديد من أخطر التيارات الفكرية التي تهدد العقيدة الإسلامية، وذلك للأسباب التالية:
1. نشر عقيدة وحدة الوجود
تروج الحركة لفكرة أن الإنسان جزء من "الإله" أو "الطاقة الكونية"، وأنه يمكنه الاتحاد معه. هذا يتعارض مع التوحيد الخالص الذي يدعو إليه الإسلام، ويؤدي إلى الشرك بالله.
2. نشر أنواع من الشرك العملي
من خلال ممارسة طقوس مثل استخدام الأحجار، التماثيل، الفونج شوي، وغيرها، يقع كثير من الناس في الشرك العملي دون أن يشعروا.
3. إحياء عقائد وثنية
تعظيم مخلوقات الكون (الشمس، القمر، الأرض...) والتواصل معها، أو ربط السعادة والصحة بالاتصال بالطبيعة، كلها أفكار وثنية تتعارض مع العقيدة الإسلامية.
4. نشر مبادئ الديانات الشرقية
استخدام مصطلحات مثل "الهالة"، "الشاكرات"، "المانترا"، "الكارما"، وغيرها، يؤدي إلى تداخل العقائد وخلط الإسلام بالفلسفات الشرقية.
5. نشر طرق المعرفة الباطنية
تشجيع الناس على الاعتماد على "الإلهام الداخلي" أو "الوعي الجمعي" بدلًا من الوحي الإلهي، مما يؤدي إلى ضياع الثوابت الدينية.
6. صبغ السحر والكهانة بصبغة العلم
إطلاق مسميات علمية على ممارسات السحر والكهانة (علم الطاقة، علم الأبراج...) لخداع الناس وإبعادهم عن الدين.
7. هدم عقيدة الولاء والبراء
الدعوة إلى "الأخوة الكونية" وقبول كل الأديان والمعتقدات، مما يؤدي إلى ذوبان الفروق بين المسلمين وغيرهم، والتشبه بالكفار في العبادات والسلوكيات.
8. تقديم إجابات بديلة عن أسئلة الوجود
تزعم الحركة أنها تقدم تفسيرات جديدة لأسئلة الخلق والمصير والغيب، متجاوزة بذلك الوحي الإلهي، ومعتمدة على الفلسفات الباطنية والغنوصية.
توصيات هامة لمواجهة حركة العصر الجديد
في ختام كتابها، تقدم الدكتورة فوز كردي عدة توصيات مهمة للمتخصصين في العقيدة والدعوة، ولجميع المسلمين، لمواجهة خطر حركة العصر الجديد:
- الاهتمام بتتبع الفكر الباطني وأساليب نشره، وفضح منهجه ووسائله الحديثة.
- تعزيز الاعتزاز الديني والثقافي، والثقة بمصادر الدين الإسلامي، والحد من استيراد المناهج الفكرية الغربية.
- التحذير من اتباع أهل الباطن ومشابهتهم، كما نبّه النبي صلى الله عليه وسلم.
- التحذير من صور الكهانة والسحر المعاصر وخطرها على الإيمان.
- تضافر جهود المتخصصين في العلوم الشرعية والطبيعية لمتابعة ما يُدعى من إعجاز علمي أو تفسيرات للمغيبات.
- دراسة التطبيقات المعاصرة للفلسفات الشرقية تحت شعارات الصحة والسعادة والطاقة البشرية.
- دراسة الحركات الدينية المعاصرة في الغرب ومواجهة أساليب الباطنية المتسترة تحت دعاوى الحب والسلام.
كلمة أخيرة
إن حركة العصر الجديد ليست مجرد مجموعة من التمارين أو الدورات، بل هي منظومة فكرية وعقدية تهدف إلى زعزعة ثوابت الدين الإسلامي واستبدالها بفلسفات باطنية دخيلة. واجب كل مسلم اليوم أن يكون واعيًا، ناقدًا، متثبتًا من مصادر معرفته، وأن يحافظ على عقيدته من كل ما يشوبها من أفكار دخيلة.
نسأل الله أن يحفظ ديننا وعقيدتنا، وأن يوفقنا جميعًا للثبات على الحق، ونشكر كل من يساهم في توعية الناس حول هذه المخاطر، سائلين الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
المصدر الأساسي للمقال:
كتاب "حركة العصر الجديد" للدكتورة فوز كردي.
للاطلاع على الكتاب بنسخته الإلكترونية، يمكنكم متابعة قناة وهج على يوتيوب حيث سيتم وضع رابط الكتاب بعد نشر التسجيل.
بقلم: وهج – معلم سابق وممارس سابق لتقنيات العلاج بالطاقة والتنمية الذاتية