اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

جذور مفهوم "الطاقة الأنثوية" بين الأسطورة والواقع: قراءة نقدية

في السنوات الأخيرة، انتشر الحديث عن "الطاقة الأنثوية" و"إحياء الرحم المقدس" في أوساط التنمية الذاتية والروحانيات، حتى أصبحنا نرى دورات وورش عمل وكورسا

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشر الحديث عن "الطاقة الأنثوية" و"إحياء الرحم المقدس" في أوساط التنمية الذاتية والروحانيات، حتى أصبحنا نرى دورات وورش عمل وكورسات تروج لهذا المفهوم، وتربطه أحيانًا بالسعادة والنجاح والتمكين الذاتي للمرأة. لكن ما أصل هذه الأفكار؟ وهل هي فعلاً مفيدة أم تحمل في طياتها مخاطر عقائدية ونفسية؟ في هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على جذور هذه المفاهيم، وكيف تسللت إلى مجتمعاتنا، وما هي آثارها الحقيقية.

وقفة مع التاريخ: من الأسطورة إلى العصر الحديث

1. الآلهة القديمة ومفهوم الأنوثة المقدسة

منذ فجر الحضارات، احتلت الأنثى مكانة خاصة في الأساطير القديمة. في حضارات بلاد الرافدين، مثل السومريين والبابليين، ظهرت آلهة مثل "إنانا" و"عشتار" كرموز للحب والخصوبة والحرب. وفي مصر القديمة، كانت "إيزيس" رمزًا للقوة الأنثوية، إذ ارتبطت بقصة إحياء زوجها "أوزوريس" ومنحه الحياة من جديد، وحملت معها مفتاح الحياة (عنخ)، الذي أصبح رمزًا مهمًا في الفلسفات الباطنية لاحقًا.

أما في الأساطير العبرية، فقد ظهرت شخصية "ليليث" التي تمردت على آدم ورفضت الخضوع له، لتتحول لاحقًا إلى رمز للتمرد والحرية، رغم ارتباطها في بعض النصوص بالسحر والشياطين.

وفي الهندوسية، نجد "شاكتي" إلهة الطاقة الأنثوية، التي تمثل القوة الخلاقة والمتحركة في الكون، وتظهر بأشكال متعددة مثل "لاكشمي" و"كالي" و"جايا".

حتى في الجاهلية العربية، كانت هناك آلهة أنثوية مثل "اللات" و"العزى" و"مناة".

2. من الأسطورة إلى الفلسفات الباطنية

هذه الرموز الأنثوية لم تبقَ مجرد أساطير، بل انتقلت عبر العصور إلى الفلسفات الباطنية، مثل "القبالة" اليهودية، التي تأثرت كثيرًا بالسحر البابلي، و"الويكا" (السحر الأوروبي الحديث)، وحركات العصر الجديد (New Age)، التي أعادت إحياء هذه الرموز وربطتها بمفاهيم الطاقة والتنمية الذاتية.

3. الحركات النسوية وإعادة تعريف الأنوثة

مع الثورة الصناعية وتهميش المرأة في المجتمعات الغربية، ظهرت حركات نسوية طالبت بحقوق المرأة، لكن بعض هذه الحركات ذهبت بعيدًا، فبدأت تعيد قراءة الأديان والتاريخ، وتروج لفكرة أن الإله يجب أن يكون أنثى أو أن الأنوثة مقدسة أكثر من الذكورة، وظهرت كتب مثل "إنجيل النساء" ومنظمات مثل "أخوات إيزيس"، التي تبنت رموز الآلهة القديمة وأعادت إحياء طقوسها بشكل حديث.

كيف تسللت هذه المفاهيم إلى مجتمعاتنا؟

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح على العالم، بدأت هذه المفاهيم تنتقل إلى المجتمعات العربية، أحيانًا تحت مسميات مثل "تمكين المرأة"، أو "تحرير الطاقة الأنثوية"، أو حتى "تنظيف الرحم المقدس". وتُقام جلسات جماعية أو فردية، يُقال إنها تهدف إلى شفاء المرأة من traumas أو تحريرها من "العار"، لكنها في الحقيقة تعتمد على طقوس مستمدة من السحر والشعوذة، مثل استحضار رموز الآلهة القديمة، أو استخدام رموز مثل "مفتاح الحياة" الفرعوني، أو القيام بحركات ورقصات جماعية على أنغام الطبول، وأحيانًا تقديم قرابين أو ممارسة طقوس غريبة.

المخاطر الحقيقية لهذه الممارسات

  • خطر عقائدي:

كثير من هذه الطقوس والمفاهيم تعود جذورها إلى معتقدات وثنية وسحرية تتعارض مع عقيدة التوحيد، وتروج لفكرة أن الأنثى هي أصل الخلق أو أن هناك قوة أنثوية كونية يجب الاتصال بها، وهو ما يخالف تعاليم الإسلام والأديان السماوية.

  • خطر نفسي واجتماعي:

الترويج لفكرة أن المرأة مظلومة دائمًا أو أن عليها التمرد على الأسرة والمجتمع والدين، يؤدي إلى تفكك الأسرة وزيادة معدلات الطلاق والشعور بعدم الرضا الدائم، كما يولد لدى المرأة شعورًا بالعار من دورها كأم أو ربة منزل، ويجعلها في صراع دائم مع ذاتها.

  • خطر صحي:

بعض الممارسات التي تُروج باسم "تنظيف الرحم" أو "إحياء الطاقة الأنثوية" قد تؤدي إلى اضطرابات جسدية ونفسية، مثل اضطراب الدورة الشهرية أو مشاكل صحية أخرى، بل وقد تصل إلى الإصابة بأمراض خطيرة نتيجة الطقوس غير العلمية أو تدخلات غير آمنة.

كيف يتم الترويج لهذه المفاهيم؟

  • جلسات جماعية (Women Circles):

حيث يتم استحضار رموز الآلهة القديمة، والقيام بطقوس جماعية تشمل الرقص والغناء وترديد عبارات تمجد الأنوثة وتدعو للتمرد والتحرر من "القيود".

  • دورات التنمية الذاتية:

التي تروج لفكرة أن المرأة يجب أن توازن بين طاقتها الأنثوية والذكورية، وتحثها على البحث الدائم عن "الكمال" أو "التحرر من العار"، مع ربط ذلك بمفاهيم مستمدة من الأساطير القديمة.

  • التأثير الإعلامي:

من خلال الأفلام والمسلسلات وأغاني البوب وحتى أفلام ديزني، حيث تظهر رموز الآلهة الأنثوية أو فكرة "المرأة الخارقة" التي لا تحتاج إلى رجل أو أسرة.

كيف نواجه هذه الموجة؟

  • الوعي والمعرفة:

من المهم أن نعرف جذور هذه المفاهيم ونفهم أنها ليست مجرد أفكار عصرية، بل تحمل في طياتها عقائد وأفكار خطيرة.

  • التمسك بالقيم الحقيقية:

الأديان السماوية كرّمت المرأة وأعطتها حقوقها كاملة، وحددت لها دورًا عظيمًا في الأسرة والمجتمع، دون الحاجة إلى طقوس أو مفاهيم مستوردة.

  • تعزيز دور المرأة الحقيقي:

بدلاً من إشعار المرأة بالعار من دورها كأم أو زوجة أو أخت، يجب أن نفتخر بهذا الدور ونعزز قيمته في المجتمع.

  • الحذر من الدورات والممارسات المشبوهة:

ليس كل ما يُروج له تحت مسمى "الطاقة" أو "التنمية الذاتية" آمن أو مفيد، بل قد يحمل في طياته مخاطر كبيرة.

خلاصة

مفهوم "الطاقة الأنثوية" كما يُروج له اليوم ليس مجرد فكرة بريئة أو وسيلة لتمكين المرأة، بل هو امتداد لعقائد وأساطير قديمة أعيد إحياؤها في العصر الحديث، وتسللت إلى مجتمعاتنا تحت شعارات براقة. من المهم أن نكون واعين لمثل هذه الموجات الفكرية، وأن نعود إلى أصولنا وقيمنا الحقيقية، ونفهم أن قوة المرأة الحقيقية تكمن في دورها العظيم كأم ومربية وصانعة أجيال، وليس في تقليد طقوس أو أفكار لا تمت لديننا وثقافتنا بصلة.

وأخيرًا، علينا أن ندرك أن التوازن الحقيقي في المجتمع لا يتحقق إلا بمعرفة كل فرد لدوره، واحترام القوانين الإلهية التي تحفظ كرامة الإنسان، بعيدًا عن تعقيدات الفلسفات الباطنية أو إغراءات العصر الجديد.

https://www.youtube.com/watch?v=EuQyhTjnPTs

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك