جراح الطفولة وبر الوالدين: بين مفاهيم الطاقة والتعاليم الإسلامية

في زمن تتعدد فيه المدارس الفكرية والنفسية، وتنتشر فيه مفاهيم التنمية الذاتية والوعي، أصبح الحديث عن "جراح الطفولة" و"علاقة الأب والأم بالأبناء" موضوعً

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 22,2025
6 دقائق
0

في زمن تتعدد فيه المدارس الفكرية والنفسية، وتنتشر فيه مفاهيم التنمية الذاتية والوعي، أصبح الحديث عن "جراح الطفولة" و"علاقة الأب والأم بالأبناء" موضوعًا شائعًا في الأوساط الشبابية. كثير من هذه المدارس، خاصة تلك التي تتبنى مفاهيم الطاقة والتنظيف الروحي، تقدم تفسيرات وممارسات قد تترك أثرًا سلبيًا على العلاقات الأسرية، وتؤدي أحيانًا إلى قطيعة بين الأبناء ووالديهم. في هذا المقال، سنناقش هذه المفاهيم ونقارنها بالتعاليم الإسلامية، مع التركيز على أهمية الحفاظ على تماسك الأسرة وبر الوالدين.

ما هي جراح الطفولة؟

تروج بعض مدارس الطاقة لفكرة أن كثيرًا من مشكلات الإنسان النفسية والعاطفية ترجع إلى "جراح الطفولة"، وخاصة ما يسمى بـ"جرح الأب" أو "جرح الأم". ويُقال إن غياب الأب عاطفيًا أو جسديًا، أو قسوته، أو تجاهله لاحتياجات الأبناء، يترك أثرًا نفسيًا عميقًا يمتد إلى حياة الإنسان البالغة، ويؤثر على ثقته بنفسه وعلاقاته بالآخرين، خاصة البنات في علاقتهن بالرجال.

تُطرح حلول لهذه "الجراح" من خلال جلسات التنظيف، حيث يُطلب من الشخص كتابة مشكلاته مع والده، وصفاته السلبية، ثم تمزيق الورقة أو حرقها، أو ترديد عبارات التسامح، أو ممارسة "الفصل العاطفي" بينه وبين والديه. والنتيجة غالبًا هي خلق حاجز نفسي بين الأبناء ووالديهم، بدعوى حماية النفس من "الطاقة السلبية".

خطورة هذه الممارسات على الأسرة

تكمن خطورة هذه الممارسات في أنها تؤدي إلى تفكيك الروابط الأسرية، وتغرس في الأبناء مشاعر الغضب واللوم تجاه آبائهم وأمهاتهم، بل وتدعو أحيانًا إلى القطيعة العاطفية أو الفعلية. كما أنها تروج لفكرة أن كل مشكلة في حياة الإنسان سببها والديه، وأن عليه أن يتحرر منهم ليعيش حياة أفضل.

هذه النظرة تتجاهل حقيقة أن الأسرة هي الحصن الأول للإنسان، وأن الوالدين – مهما كانت أخطاؤهم – يبقون مصدر الأمان والدعم والدعاء. كما أن تعظيم المشكلات الصغيرة وتضخيمها، أو استدعاء أحداث طفولية عادية وتفسيرها على أنها "جراح عميقة"، يخلق فجوة بين الأبناء ووالديهم، ويجعلهم أسرى للماضي بدلًا من أن يكونوا قادرين على تجاوزه والتسامح معه.

التعاليم الإسلامية في التعامل مع الوالدين

الإسلام وضع ضوابط واضحة في التعامل مع الوالدين، وجعل برهما والإحسان إليهما من أعظم القربات إلى الله عز وجل، حتى بعد النهي عن الشرك نفسه. يقول الله تعالى في سورة الإسراء:

"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"

ويقول أيضًا:

"فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا".

حتى في حال كان الوالدان مشركين أو مقصرين، يأمرنا الله بحسن الصحبة والمعاملة، ما لم يأمرانا بمعصية. فالإسلام يفرق بين العقيدة، التي قد تفرض على الإنسان مفاصلة عقدية مع والديه، وبين المعاملة والإحسان، التي تبقى واجبة ما استطاع الإنسان إليها سبيلًا.

المسؤولية الفردية لا الجماعية

من المفاهيم المغلوطة التي تروجها بعض مدارس الطاقة فكرة "الكارما" أو "قانون الانعكاس"، والتي تعني أن الإنسان يدفع ثمن أخطاء والديه أو يحمل صفاتهم السيئة حتمًا. وهذا مخالف تمامًا للمنهج الإسلامي الذي يؤكد:

"وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ"

أي لا يحمل أحد وزر غيره، وكل إنسان مسؤول عن نفسه وأفعاله.

كيف نعالج جراح الطفولة؟

لا ننكر أن هناك بالفعل أسرًا فيها ظلم أو قسوة أو تقصير، وأن بعض الأبناء قد يتعرضون لصدمات نفسية حقيقية. لكن العلاج الصحيح لهذه الحالات يكون عبر الطرق العلمية الموثوقة، كالعلاج النفسي والسلوكي، وليس عبر ممارسات الطاقة أو القطيعة.

أما في الحالات العامة، فالغالبية العظمى من الآباء والأمهات يبذلون جهدهم لرعاية أبنائهم، ويقعون في أخطاء بحكم بشريتهم وظروفهم. المطلوب هنا هو التسامح، وتقدير الجميل، والنظر إلى الصورة الكاملة، لا تضخيم الأخطاء الصغيرة أو جعلها محور الحياة.

أهمية بر الوالدين في بناء المجتمع

الأسرة المتماسكة هي نواة المجتمع الصالح. حين يحرص الأبناء على بر آبائهم وأمهاتهم، ويحرص الآباء على أداء واجباتهم، ينشأ جيل قوي متوازن نفسيًا وأخلاقيًا. أما حين تنتشر مفاهيم القطيعة والتمرد الفردي، فإن المجتمع كله يتفكك، ويصبح الفرد فريسة سهلة للمشكلات النفسية والاجتماعية.

العودة إلى الجذور: كيف نصلح علاقتنا مع أهلنا؟

  • مراجعة النية: اجعل هدفك رضا الله، واطلب بركة دعاء والديك، ولا تجعل علاقتك بهم مشروطة بالكمال أو المثالية.
  • التسامح والتغاضي: سامح على الهفوات الصغيرة، وتذكر أن لكل إنسان طاقته وحدوده.
  • المبادرة بالإحسان: لا تنتظر دائمًا أن يبدأ والداك بالتقرب أو الاعتذار، بادر أنت بالحب والاحتواء.
  • الدعاء لهم: اجعل من أهدافك إدخال السرور على والديك، وادعُ لهم بالخير والهداية.
  • الاستعانة بالله: تقرب إلى الله بالعبادة والدعاء، واطلب منه أن يصلح حالك وحال أهلك.
  • الاستفادة من العلاج النفسي عند الحاجة: في الحالات الخاصة التي فيها أذى شديد أو صدمات حقيقية، لا تتردد في اللجوء إلى مختص نفسي موثوق.

كلمة أخيرة

إن تماسك الأسرة وبر الوالدين ليس ضعفًا في الشخصية، ولا تنازلًا عن الحقوق، بل هو طريق إلى رضا الله وسعادة الدنيا والآخرة. لا تجعل من مفاهيم الطاقة والتنظيف الروحي وسيلة لقطع صلة الرحم أو تبرير القطيعة. اجعل علاقتك بوالديك مصدر قوة وسند، وكن أنت القدوة في الإحسان والتسامح.

تذكر دائمًا أن الله غفور رحيم، وأن باب التوبة مفتوح، وأن الإصلاح ممكن مهما بلغ حجم الأخطاء. فابدأ اليوم بخطوة صغيرة نحو بر والديك، وستجد أثرها في قلبك وحياتك وسعادتك.

نسأل الله أن يصلح أحوال أسرنا، ويهدينا جميعًا إلى الصراط المستقيم، ويجعلنا من البارين بأهلهم، ويغفر لنا ما مضى، ويعيننا على ما بقي.

https://www.youtube.com/watch?v=SzY_n59WFJs

اسأل سحر الطاقة

تحدث مع سحر الطاقة واحصل على إجابات لأسئلتك