اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

خرافة الأكواد الكونية: بين الأسطورة والعلم

في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم الزائفة التي تُقدّم في ثوب علمي أو روحي، من بينها ما يُعرف بـ"الأكواد الكونية" أو "خرافة الأكواد". هذه المف

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم الزائفة التي تُقدّم في ثوب علمي أو روحي، من بينها ما يُعرف بـ"الأكواد الكونية" أو "خرافة الأكواد". هذه المفاهيم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة أسرار الأرقام في الخرائط الفلكية والكواكب، وتُروَّج على أنها علوم حديثة أو أسرار كونية تؤثر في حياة الإنسان، بينما هي في حقيقتها امتداد لممارسات الكهانة والتنجيم القديمة.

أصل خرافة الأكواد الكونية

يرجع أصل هذه الخرافات إلى مدارس باطنية وفلسفات قديمة، أعيد تدويرها وتقديمها بشكل جديد عبر حركات العصر الحديث مثل "العصر الجديد" (New Age) وحركة "الإمكانات البشرية". هذه الحركات بدأت في الغرب، ثم انتشرت إلى بقية العالم، وهدفها الأساسي هو إدخال عقائد باطنية في مختلف مجالات الحياة، بما فيها العلوم، الدين، وعلم النفس.

من أبرز هذه المدارس الباطنية "الثيوصوفيا" التي أحيت عقائد الهندوسية والبوذية والفلسفات السومرية والفرعونية والبابليّة، بالإضافة إلى فلسفات فيثاغورس وأفلاطون. جميعها تتشارك فكرة "وحدة الوجود"؛ أي أن الإله يحل في كل شيء، وأن الإنسان جزء من الإله.

العلوم الزائفة مقابل العلوم الحقيقية

للترويج لهذه الأفكار، تم إنشاء ما يُسمى بـ"العلوم الموازية"؛ أي علوم زائفة توازي العلوم الحقيقية وتزاحمها، مثل فيزياء الكم الزائفة، أو فيزياء الطاقة، أو خرائط الأكواد الكونية. هذه العلوم لا تعتمد على المنهجية العلمية أو التجارب أو الأدلة، بل على فرضيات وتخمينات لا يمكن اختبارها أو التحقق منها.

وقد اضطر العلماء الحقيقيون إلى وضع معايير صارمة لتمييز العلوم الحقيقية عن الزائفة، بسبب انتشار هذه الخرافات. فالكثير من البحوث التي تُنشر في مجلات غير معتمدة أو بدون أدلة علمية، تصنف اليوم كعلوم زائفة.

علم الكونيات: مرتع الخرافات

في القرن العشرين، ظهر قسم جديد في علم الفلك يُعنى بنشأة الكون وما وراء الطبيعة، يُسمى "الكونيات". هذا القسم أصبح مرتعًا خصبًا للفرضيات غير المثبتة، مثل الأكوان الموازية ونظريات الأوتار الفائقة، والتي لم يتمكن المجتمع العلمي من إثباتها حتى الآن. حتى كبار العلماء مثل ستيفن هوكينغ اعترفوا بأن هذه الفرضيات مجرد مزاعم لا دليل عليها، أشبه بالأساطير القديمة.

شجرة الحياة الكابالية وعلاقتها بالأكواد

من أهم الرموز التي تقوم عليها فكرة الأكواد الكونية هي "شجرة الحياة" في الكابالا (التصوف اليهودي). وتُصوَّر هذه الشجرة على أنها انبثاق من "عقل الإله" قبل خلق الكون المادي، وتحتوي على عشر بلورات (سيفروت)، كل منها مرتبط بكوكب أو نجم أو عضو من أعضاء الإنسان، وحتى بحرف أو رقم أو نغمة موسيقية.

تُستخدم هذه الرموز لربط الإنسان بالكون، وتُروَّج فكرة أن لكل إنسان شيفرة خاصة به (تاريخ ميلاده، اسمه، اسم أمه...) تحدد مستقبله ومصيره. هذه الفكرة تعزز الاعتقاد بأن الإنسان قادر على "فك شيفرة الكون" والتأثير في الواقع من خلال الأرقام والطاقة.

الأرقام المقدسة وخرافة 11:11

من أشهر الخرافات المنتشرة اليوم هي رمزية الأرقام، خاصة الرقم 11 أو تكرار الأرقام مثل 11:11. يزعم أصحاب هذه المعتقدات أن تكرار هذه الأرقام يدل على بوابات طاقية أو رسائل كونية أو بداية عهد جديد. في الحقيقة، هذه المعتقدات تعود إلى طقوس باطنية قديمة، حيث يُعتبر الرقم 11 رمزًا للثنائية الإلهية أو حتى رمزًا للشيطان في بعض الفلسفات الغنوصية.

كذلك، نجد تقديسًا لأرقام أخرى مثل 3 و6 و9، حيث يُنسب إلى نيكولا تسلا مقولة أن "مفتاح الكون يكمن في الأرقام 3 و6 و9"، رغم أن هذه المقولة لا تستند إلى أي أساس علمي حقيقي، بل هي من اختراعات المنتديات الباطنية الحديثة.

سجلات الأكاشا وخرافة الوعي الكوني

من الخرافات المتداولة أيضًا فكرة "سجلات الأكاشا"، التي يُقال إنها سجلات طاقية تحتوي على كل ما حدث وسيحدث لكل روح منذ انفصالها عن مصدرها الإلهي. هذه الفكرة مأخوذة من الفلسفات الهندوسية والبوذية، وتم دمجها في حركات الطاقة الحديثة، حيث يُزعم أن الإنسان يستطيع الدخول إلى هذه السجلات واكتشاف ماضيه ومستقبله من خلال ترددات معينة أو طقوس خاصة.

خطورة تصديق هذه الخرافات

تكمن خطورة تصديق مثل هذه الخرافات في أنها تزرع في الإنسان أفكارًا باطنية مخالفة للعقيدة الإسلامية، وتدفعه للاعتقاد بأنه قادر على التحكم في مصيره أو معرفة الغيب أو التأثير في الكون من خلال رموز وأرقام لا أصل لها في العلم أو الدين. كما أن هذه المعتقدات تُستغل تجاريًا من قبل مدربين ودجالين يبيعون الوهم للناس تحت مسميات "الطاقة" و"الأكواد" و"العلاج الروحي".

كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟

الواجب علينا كمسلمين أن نبحث ونتحقق من كل معلومة قبل تصديقها أو نشرها. يجب أن نعلّم أبناءنا أساسيات الدين، ونوضح لهم خطورة هذه المعتقدات، ونحصنهم بالعلم الصحيح والعبادات. فديننا واضح وسهل، لا يحتاج إلى شفرات أو أكواد أو وسطاء، وكل ما يُروَّج من خرافات الأكواد هو من بقايا عقائد وثنية وباطنية لا علاقة لها بالإسلام.

الخلاصة

خرافة الأكواد الكونية ليست سوى إعادة تدوير لمعتقدات باطنية قديمة، تم تغليفها بعبارات علمية وروحانية لجذب الناس وإبعادهم عن الدين والعلم الحقيقي. علينا أن نكون واعين، وأن نبحث ونتحقق، وألا ننجرف وراء كل جديد أو "ترند" دون وعي أو تدقيق. فالعلم الحقيقي لا يقبل إلا بالدليل، وديننا لا يحتاج إلى وسطاء أو رموز غامضة لفهمه أو العمل به.

ابحث، تحقق، ولا تكن أداة في يد المروجين للخرافات.

https://www.youtube.com/watch?v=cicYXhrCH0M

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك