كشف حقيقة علوم الطاقة: تجارب شخصية ونقاش علمي وديني
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم "علوم الطاقة" وقوانين الجذب وتطوير الذات بشكل واسع في العالم العربي، وأصبح لها جمهور كبير من المتابعين والدورات والم
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم "علوم الطاقة" وقوانين الجذب وتطوير الذات بشكل واسع في العالم العربي، وأصبح لها جمهور كبير من المتابعين والدورات والمدربين. لكن مع الوقت، بدأ كثيرون يطرحون تساؤلات حول حقيقة هذه العلوم، ومدى صحتها علمياً ودينياً، وآثارها النفسية والاجتماعية. في هذا المقال، نستعرض أبرز النقاط التي تناولها نقاش ثري بين مجموعة من المتخصصين والمهتمين، بالإضافة إلى تجارب شخصية لمتعافين من هذه الدورات، لنضع بين يديك صورة متكاملة وموضوعية حول هذا الموضوع الشائك.
أولاً: حقيقة الطاقة من منظور علمي
يؤكد العديد من العلماء والباحثين أن المفهوم الشائع للطاقة في دورات التنمية الذاتية يختلف تماماً عن المفهوم العلمي للطاقة في الفيزياء. فخلايا الجسم البشري تعمل بشكل طبيعي عندما تكون في حالة طاقة منخفضة، أما ارتفاع مستوى الطاقة بشكل غير طبيعي فقد يكون مؤشراً على وجود مشكلة صحية خطيرة، مثل تنشيط إنزيمات تؤدي إلى انقسام الخلايا بشكل غير منضبط، وهو ما يشبه في خطورته الأمراض السرطانية.
كما أن ارتفاع حرارة الجسم هو أحد أشكال زيادة الطاقة الحركية في الخلايا، وهو أمر غير صحي إذا تجاوز الحدود الطبيعية. وبالتالي، فالترويج لفكرة "رفع الطاقة" باستمرار أو "جذب الطاقة الإيجابية" لا يستند إلى أساس علمي، بل قد يكون مضراً.
أما فكرة الذبذبات والترددات، فهي أيضاً ليست كما يتم تصويرها في هذه الدورات؛ إذ أن توافق الترددات بين الجسم ومحيطه قد يؤدي إلى نتائج سلبية، وليس بالضرورة إلى تحسين الصحة أو الحظ كما يُشاع. بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن التعرض لترددات خارجية قوية قد يكون سبباً في أمراض مثل السكتة القلبية.
ثانياً: نقد فلسفة الطاقة وقوانين الجذب
تجارب العديد من المشاركين في هذه الدورات كشفت عن آثار نفسية سلبية، منها الشعور بالذنب المستمر، والإحساس بأن كل ما يحدث في الحياة هو نتيجة "تقصير ذاتي" في تطبيق القوانين أو جذب الطاقة. كما أن المدربين يروجون لفكرة أن الإنسان مسؤول عن كل ما يجذبه لحياته، مما يجعل الفرد يحمل نفسه فوق طاقتها ويعيش في حالة قلق دائم.
أحد المشاركين وصف تجربته قائلاً: "كنت أظن أن قانون الجذب مرتبط بحسن الظن بالله، لكن مع الوقت اكتشفت أن الموضوع لا علاقة له بالدين، بل هو أقرب للمقامرة النفسية. في البداية تشعر بالحماس، ثم تجد نفسك في دوامة من الدورات والتمارين، وكلما لم تحقق نتائج يُقال لك عليك أن تعمل أكثر على نفسك، وكأنك أنت السبب في كل ما يحدث".
ثالثاً: البدائل النفسية والدينية الصحيحة
طرحت إحدى المشاركات سؤالاً جوهرياً: إذا كانت هذه القوانين خاطئة، فما البديل؟ كيف يمكن للإنسان أن يطور نفسه ويحقق أهدافه دون الوقوع في شرك الأفكار الخاطئة؟
أجاب المتخصصون بأن العودة إلى الفطرة السليمة، والاعتماد على القيم الدينية والاجتماعية، هو الطريق الأصح. فالدين الإسلامي وضع أسساً واضحة لتحقيق السعادة والنجاح، من خلال التوكل على الله، والعمل الجاد، والدعاء، والرضا بالقضاء والقدر، والسعي لتحسين الذات بالعلم والعمل الصالح.
كما أن علم النفس الحديث يقدم أدوات عملية للتعامل مع الضغوط النفسية وتطوير الذات، دون الحاجة إلى مفاهيم غامضة أو غير مثبتة علمياً. الأهم هو أن يدرك الإنسان أن بعض الأمور خارجة عن إرادته، وأن النجاح والفشل ليسا دائماً نتيجة مباشرة لما نفعله أو نفكر فيه.
رابعاً: لماذا ننجذب لأنماط معينة من الأشخاص؟
من الأسئلة المتكررة: لماذا ننجذب دائماً لأنماط معينة من الأشخاص أو العلاقات؟ وهل لذلك علاقة بالطاقة أو "الطفل الداخلي" كما تروج بعض الدورات؟
الإجابات العلمية والنفسية تشير إلى أن الأمر يرتبط غالباً بالتجارب السابقة، والقيم، والميول الشخصية، وأحياناً بالصدمات النفسية غير المعالجة. لكن ليس بالضرورة أن يكون هناك "قانون جذب" خفي أو طاقة غير مرئية تتحكم في علاقاتنا. بل إن الإنسان يميل بطبيعته إلى من يشبهه في الأفكار أو الاهتمامات، أو إلى من يكمل جوانب نقص لديه.
الدين الإسلامي أيضاً يوجهنا إلى حسن اختيار الصحبة، ويحث على مصاحبة الصالحين والابتعاد عن رفقاء السوء، ويؤكد أن العلاقات جزء من قدر الله وتربيته لعباده، وأن في كل علاقة حكمة قد لا ندركها إلا مع الوقت.
خامساً: تجارب شخصية مع التعافي من علوم الطاقة
شارك عدد من المتعافين من هذه الدورات تجاربهم، مؤكدين أن البداية كانت دائماً مشجعة، مع شعور مؤقت بالسعادة أو الحماس، لكن مع الوقت تظهر أعراض نفسية سلبية مثل القلق، فقدان الهوية، الشعور بالذنب، والانعزال عن الأهل والأصدقاء.
أحدهم قالت: "كنت أظن أنني أطور نفسي، لكني وجدت نفسي أبتعد عن عائلتي وأصدقائي، وأعيش في قلق دائم من أنني لم أحقق ما أستحقه. العودة إلى القرآن والصلاة والدعاء كانت هي طوق النجاة الحقيقي".
وأكد آخرون أن مجرد التفكير النقدي والبحث العلمي والديني قادهم لاكتشاف زيف هذه العلوم، وأن الدعم النفسي من الأصدقاء والعائلة كان أساسياً في رحلة التعافي.
سادساً: نصيحة أخيرة للمهتمين
- ابحث دائماً عن الدليل العلمي والشرعي قبل أن تتبع أي دورة أو فكرة جديدة.
- لا تحمل نفسك فوق طاقتها، ولا تظن أن كل ما يحدث لك هو نتيجة تقصير منك.
- النجاح والسعادة لا تأتيان من قوانين غامضة، بل من العمل الجاد، والتوكل على الله، والرضا بما قسمه الله.
- العلاقات جزء من قدر الله، وفي كل علاقة حكمة وتربية إلهية، فلا تفسر الأمور دائماً بشكل سلبي أو غامض.
- إذا شعرت بالضياع أو القلق، الجأ إلى القرآن والسنة، واطلب الدعم من الأهل والأصدقاء، ولا تتردد في استشارة المتخصصين في علم النفس أو الدين.
خلاصة
علوم الطاقة وقوانين الجذب قد تبدو مغرية في البداية، لكنها في كثير من الأحيان تفتقر إلى الأساس العلمي والديني، وقد تترك آثاراً نفسية واجتماعية سلبية. العودة للفطرة السليمة، والقيم الدينية، والعلم الصحيح، هو الطريق الآمن لتحقيق السعادة والنجاح الحقيقيين.
إذا كنت قد مررت بتجربة مشابهة، تذكر أنك لست وحدك، وأن العودة للحق والخير ممكنة دائماً، فالله لطيف بعباده، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
https://www.youtube.com/watch?v=16y3TEZXLlk