كشف حقيقة مدارس الطاقة وقانون الجذب: بين الوهم والواقع
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم التنمية الذاتية ومدارس الطاقة مثل "الثيتا هيلينج" و"الأكسس بارز" وغيرها، والتي تروج لفكرة أن الإنسان قادر
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم التنمية الذاتية ومدارس الطاقة مثل "الثيتا هيلينج" و"الأكسس بارز" وغيرها، والتي تروج لفكرة أن الإنسان قادر على "خلق واقعه" وتحقيق كل أمانيه بمجرد التفكير الإيجابي أو ممارسة بعض التمارين الذهنية. في هذا المقال، سنسلط الضوء على هذه المفاهيم، ونكشف التناقضات التي تحملها، ونوضح الرؤية الإسلامية الصحيحة حول القدر والسعي وتحقيق الأهداف.
لماذا لا تتحقق الأهداف رغم كل التمارين؟
كثير من المتابعين لدورات الطاقة يلاحظون أنهم يكتبون أهدافهم سنويًا، يجددونها باستمرار، ومع ذلك لا تتحقق معظمها. المدربون يبررون ذلك بأن الأهداف يجب أن تكون "واقعية" أو "محددة"، ويطالبون بتكرار التمارين، بينما تروج بعض المدارس لفكرة أن كل شيء ممكن ولا توجد حدود لما يمكن تحقيقه. هذا التناقض يضع المتلقي في دوامة من الحيرة والشك في نفسه، ويجعل تحقيق الأهداف معلقًا على عوامل غامضة مثل "تنظيف المعتقدات" أو "استدعاء قانون الحقيقة".
الإيمان بالقدر: الركن الغائب في مدارس الطاقة
من أخطر ما تروج له هذه المدارس هو إنكار أو تهميش الإيمان بالقدر، وهو ركن أساسي من أركان الإيمان في الإسلام. فالإسلام يعلمنا أن كل شيء في الكون مقدر ومكتوب منذ الأزل، وأن الله سبحانه وتعالى هو المدبر الحقيقي لكل أمر. يقول تعالى: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر: 49)، ويقول أيضًا: "وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا" (الأحزاب: 38).
الإيمان بالقدر يمنح الإنسان راحة ورضا، ويعلمه أن يسعى ويجتهد، لكنه في النهاية يسلم أمره لله، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. أما فكرة "خلق الواقع" و"تجسيد الأماني" بمعزل عن مشيئة الله فهي فكرة تتعارض مع العقيدة الإسلامية وتدفع الإنسان إلى الغرور والاعتماد على النفس فقط.
كيف تروج مدارس الطاقة لأفكارها؟
تعتمد هذه المدارس على عدة أساليب لجذب المتابعين، منها:
- تضخيم الذات: تكرار عبارات مثل "أنا أملك الآن"، "أنا أستحق"، "أنا أستطيع"، حتى يبرمج العقل الباطن على تصديقها، بغض النظر عن الواقع.
- الربط بالكون والطاقة: الإلحاح على أن الكون هو مصدر الوفرة، وأن الامتنان يجب أن يكون للكون، وليس لله عز وجل.
- استدعاء الكيانات الروحية: الترويج لفكرة أن هناك "قانون الحقيقة" أو "مرشدين روحيين" يمكن استدعاؤهم لمساعدتك في تحقيق أهدافك، وهذا في حقيقته استدعاء للشياطين أو الوقوع في أوهام لا أساس لها.
- تسويق الدورات والجلسات: الإلحاح على حضور جلسات "تنظيف المعتقدات" أو "تجسيد الأماني"، والتي غالبًا ما تكون بمقابل مادي مرتفع، مع وعود بتحقيق نتائج خارقة.
حقيقة "تنظيف المعتقدات" وجلسات الطاقة
غالبًا ما تبدأ جلسات الطاقة بسرد قصة أو ذكر حادثة من الطفولة، ثم يتم إقناع العميلة بأن لديها "معتقدات سلبية" متجذرة في اللاوعي، ويجب "تنظيفها" عبر تمارين أو تأملات معينة. في الواقع، هذه العملية لا تتجاوز كونها نوعًا من الإيحاء النفسي أو التلاعب بالمشاعر، وغالبًا ما تنتهي الجلسة بشعور مؤقت بالراحة، دون أي تغيير حقيقي في الواقع.
بل إن بعض المدربات يذهبن إلى أبعد من ذلك، فيطلبن من المتدربات ممارسة طقوس غريبة أو حتى أفعال محرمة بزعم "تفعيل الشاكرات" أو "جذب الشريك"، وكل ذلك دون أي سند علمي أو شرعي.
الرد الإسلامي: السعي والدعاء والإيمان
الإسلام لا يمنع الإنسان من الطموح أو السعي لتحقيق أهدافه، بل يحثه على ذلك، مع ضرورة التوكل على الله والأخذ بالأسباب. يقول تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ" (التوبة: 105)، ويقول أيضًا: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: 60).
الدعاء، السعي، الرضا بقضاء الله، والإيمان بأن الله هو المدبر والمقدر لكل شيء، هي مفاتيح النجاح الحقيقي والسعادة في الدنيا والآخرة. أما الركض وراء أوهام "قانون الجذب" و"تجسيد الأماني" فلن يجلب سوى التعب النفسي، وخيبة الأمل، وربما الانحراف العقدي.
لماذا لا تتحقق بعض الأماني رغم الدعاء؟
قد يتساءل البعض: إذا كان الله هو المقدر، فلماذا نسعى وندعو؟ الجواب أن الله أمرنا بالسعي والدعاء، ووعدنا بالإجابة، لكن الإجابة قد تكون بتحقيق المطلوب، أو دفع بلاء، أو ادخار الأجر ليوم القيامة. فليس كل ما نتمناه خيرًا لنا، والله أعلم بما يصلحنا.
تحذير من استغلال حاجات الناس
كثير من المدربين في مدارس الطاقة يستغلون حاجات الناس المادية أو النفسية، ويبيعون لهم الأوهام تحت مسميات مختلفة. الحقيقة أن لا أحد يستطيع أن يغير قدرك أو يحقق لك ما لم يقدره الله لك، مهما تعددت الجلسات والدورات.
الخلاصة: العودة إلى الله هي الحل
إذا أردت السعادة الحقيقية وتحقيق الأماني، فارجع إلى الله، واطلب منه ما تشاء، واعمل بالأسباب المشروعة، وارضَ بما قسم الله لك. لا تدع أحدًا يبيعك الوهم أو يبعدك عن عقيدتك. فكل ما في هذه الدورات من وعود بتحقيق الأماني خارج مشيئة الله، هو خداع وضلال.
ديننا واضح وسهل، وسعادتنا في اتباعه، والقرار في النهاية بيدك: إما أن تتبع طريق الرضا والتسليم لله، أو أن تظل تلهث وراء سراب لا ينتهي.
نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية، وأن يغفر لنا زلاتنا، وأن يرزقنا الرضا بقضائه، وأن يهدينا لما يحب ويرضى.
هل لديك تجربة مع مدارس الطاقة أو قانون الجذب؟ شاركنا رأيك أو استفسارك في التعليقات!
https://www.youtube.com/watch?v=bTmyjw4wdjU