اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

كشف شبهات "مدارس الطاقة والوعي": قراءة نقدية من منظور إسلامي

في السنوات الأخيرة، انتشرت في المجتمعات العربية والإسلامية موجة من الممارسات والفلسفات المستوردة تحت مسميات جذابة مثل "مدارس الطاقة"، "الوعي"، "تطوير

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت في المجتمعات العربية والإسلامية موجة من الممارسات والفلسفات المستوردة تحت مسميات جذابة مثل "مدارس الطاقة"، "الوعي"، "تطوير الذات"، و"قوانين الجذب والوفرة". هذه المفاهيم، رغم أنها تبدو في ظاهرها بريئة أو حتى مفيدة، تحمل في طياتها شبهات عقدية خطيرة وتؤسس لمنهج فكري يهدد ثوابت الدين والفطرة السليمة. في هذا المقال، سنستعرض أبرز هذه الشبهات ونناقشها من منظور علمي وشرعي، معتمدين على سلسلة "جحر العقرب" التي تهدف إلى توعية المجتمع بخطورة هذه الممارسات.

لماذا نناقش هذه القضايا؟

انطلقت سلسلة "جحر العقرب" من إحساس بالمسؤولية تجاه الدين والمجتمع، خاصة بعد أن أصبحت المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية تجرم رسمياً ممارسات التدريب والعلاج بالطاقة. كثير من الممارسين السابقين لهذه الفلسفات، بعد أن تبينت لهم حقيقتها، شعروا بواجب التحذير وتقديم التوعية، مستندين إلى العلم الشرعي والخبرة العملية.

الهدف ليس التشهير بالأشخاص أو المدربين، بل مناقشة المنهج نفسه، وكشف الأخطاء والشبهات التي تُمرر غالباً باسم الدين أو العلم أو الطب، في حين أنها في حقيقتها مستوردة من فلسفات وثنية أو مناهج فكرية منحرفة.

كيف تُمرر الشبهات؟ منهج واحد وكاريزما مختلفة

أغلب مدربي الطاقة والوعي، سواء في بلادنا أو في الغرب، يروجون لنفس الأفكار تقريباً، مع اختلاف في الأسلوب والكاريزما. لذلك، من الضروري بناء معرفة نقدية لدى أبنائنا وبناتنا، بحيث يستطيعون تمييز الشبهة والرد عليها، بغض النظر عن من يروجها أو كيف تُعرض.

الشبهة الأولى: التقوى ليست في الصلاة والصيام!

من أكثر العبارات المتداولة بين مدربي الوعي: "التقوى ليست كثرة الصلاة والصيام، بل هي في التعاملات مع الناس، في الإنفاق، وكظم الغيظ". ويستشهدون بآيات من القرآن الكريم، لكنهم يقتطعونها من سياقها ويهملون بقية النصوص التي توضح أن التقوى تشمل الإيمان بالله، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، وطاعة الرسول، إلى جانب حسن التعامل مع الناس.

الرد الشرعي:

التقوى في الإسلام منهج كامل يشمل عبادة الله وطاعته، واجتناب الشرك، والإحسان إلى الناس. لا يمكن اختزالها في جانب واحد دون الآخر. القرآن والسنة يقرران بوضوح أن التقوى تبدأ بالإيمان والعمل الصالح، ثم تأتي الأخلاق والمعاملات.

الشبهة الثانية: "خلق الواقع" و"قانون الوفرة"

يروج كثير من مدربي الطاقة لفكرة أن الإنسان "يخلق واقعه"، وأن الوفرة (الثروة، الصحة، العلاقات) مجرد طاقة كونية يمكن جذبها أو صناعتها بقوة النية أو المشاعر.

الرد الشرعي والعلمي:

  • الخلق صفة إلهية خالصة، لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى. ادعاء الإنسان القدرة على "خلق" الواقع أو التحكم في الكون هو ضرب من الشرك أو الإلحاد الروحي.
  • مفهوم "قانون الوفرة" مستورد من الفلسفات الهندوسية والبوذية، ولا علاقة له بالسنن الكونية أو العقيدة الإسلامية. الرزق بيد الله وحده، والسعي المشروع هو السبيل لنيل البركة، مع الإيمان بالقدر والتوكل على الله.
  • ربط النجاح أو الفشل بمشاعر داخلية فقط يلغي مفهوم القضاء والقدر، ويفتح الباب لإنكار السنن الإلهية.

الشبهة الثالثة: الأبعاد الكونية والوعي المتعدد

تروج مدارس الطاقة لفكرة "الأبعاد الكونية"، حيث يقال إن الإنسان يمكنه الارتقاء في سلم الوعي والوصول إلى أبعاد أعلى تتيح له التحكم في الواقع، أو التواصل مع كائنات وروحانيات من عوالم أخرى.

الرد الشرعي والعلمي:

  • هذه الأفكار مستمدة من فلسفات وثنية قديمة (الهندوسية، البوذية، الكابالا اليهودية) وليست من الإسلام في شيء.
  • ادعاء القدرة على التواصل مع كائنات أو أرواح أو ملائكة خارج إطار الوحي هو باب من أبواب الشعوذة والسحر.
  • القرآن والسنة يقرران أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وأن الإنسان عبد مخلوق محدود القدرات.

الشبهة الرابعة: الطاقة في القرآن = النور!

يستشهد بعض المدربين بآيات مثل "الله نور السماوات والأرض" ليقولوا إن الطاقة مذكورة في القرآن، وأن النور هو نفسه الطاقة التي يتحدثون عنها.

الرد الشرعي:

  • كلمة "النور" في القرآن لها معانٍ واضحة في تفسير السلف: الهداية، الإيمان، الشريعة، أو صفة من صفات الله عز وجل، وليست أبداً الطاقة بالمعنى الميتافيزيقي أو الوثني.
  • لا يوجد في القرآن أو السنة ما يدل على وجود "طاقة كونية" بالمعنى الذي تروج له هذه المدارس.

الشبهة الخامسة: الاتصال بالخالق عبر الذات

من أخطر الأفكار التي تُروج أن "الاتصال بالخالق" يتم عبر "الاتصال بالذات"، وأن الله أو "الوعي الكوني" موجود في داخل كل إنسان، وأن كلما اقترب الإنسان من ذاته اقترب من الخالق.

الرد الشرعي:

  • هذه الفكرة هي صلب عقيدة وحدة الوجود والحلول، وهي مناقضة تماماً للتوحيد.
  • الله سبحانه وتعالى خالق منفصل عن خلقه، لا يحل في أحد ولا يتحد بأحد.
  • العبادة في الإسلام قائمة على التوحيد، والاتصال بالله يكون بالدعاء والطاعة، وليس بالتأمل في الذات أو "الرجوع للحقيقة الروحية".

الشبهة السادسة: مصاصو الطاقة وعزل الممارس عن مجتمعه

تروج هذه المدارس لفكرة أن كل من ينصحك أو ينتقدك أو يحذرك من هذه الممارسات هو "مصاص طاقة" سلبي يجب الابتعاد عنه، مما يؤدي إلى عزل الممارس عن أسرته ومجتمعه وعلمائه، ويجعله تابعاً للمدرب وحده.

الرد الشرعي والاجتماعي:

  • الإسلام دين الجماعة والشورى والتناصح، لا دين الفردية والانعزال.
  • عزل الإنسان عن أسرته ومجتمعه وعلمائه هو مدخل خطير للوقوع في الانحرافات الفكرية والعقدية.
  • الشورى والاستخارة والاستشارة من أهل العلم والخبرة من أهم أسس اتخاذ القرار في حياة المسلم.

خلاصة: كيف نحصن أنفسنا وأبناءنا؟

  • تعلم العقيدة الصحيحة: لا بد من فهم أصول التوحيد، ومعرفة ما يناقضه من الأفكار والفلسفات الوافدة.
  • الرجوع للقرآن والسنة بفهم السلف الصالح: فهما الحصن المنيع ضد كل تحريف أو تأويل باطني.
  • التحقق من مصادر المعرفة: ليس كل ما يقال باسم "العلم" أو "الدين" صحيحاً، والواجب الرجوع للعلماء الثقات.
  • الحوار الأسري والمجتمعي: تعزيز روح الشورى والتناصح، وعدم ترك الشباب فريسة للعزلة أو التأثيرات الخارجية.
  • التوعية المستمرة: نشر الوعي بخطورة هذه الممارسات عبر وسائل الإعلام، والمدارس، والمنصات الرقمية.

كلمة أخيرة

إن خطر مدارس الطاقة والوعي لا يكمن فقط في ممارساتها أو تمارينها، بل في المنهج الفكري والعقدي الذي تؤسس له. هي ليست مجرد "تنمية بشرية" أو "تطوير ذات"، بل مشروع فكري يستهدف العقيدة والفطرة والعقل. واجبنا جميعاً أن نكون على وعي، وأن نبني معرفة راسخة في عقول أبنائنا، حتى لا يكونوا فريسة لكل صيحة أو موضة فكرية.

نسأل الله أن يحفظ ديننا وأبناءنا، وأن يرد كل ضال إلى الحق رداً جميلاً.

ملاحظة:

هذا المقال مستلهم من سلسلة "جحر العقرب" الحوارية، والتي تجمع بين نقاشات شرعية وعلمية وتجارب ميدانية لممارسين سابقين، بهدف بناء وعي نقدي يحمي المجتمع من أخطار هذه الموجات الفكرية.

للمزيد من التعمق:

  • راجع تفسير آيات التقوى في سورة البقرة وآل عمران.
  • اطلع على كتب الرد على الفلسفات الشرقية والباطنية.
  • استمع إلى حلقات "جحر العقرب" على اليوتيوب أو المنصات الصوتية.

شارك هذا المقال مع من تحب، فالدال على الخير كفاعله.

https://www.youtube.com/watch?v=W2GetCaOh48

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك