كيف نشأت علوم الطاقة: الجذور الفكرية والتاريخية بين الكابالا والتصوف الباطني
في السنوات الأخيرة، انتشرت ما يُسمى بـ"علوم الطاقة" بشكل واسع في المجتمعات العربية والإسلامية، وأصبحت موضوع نقاش وجدل بين المؤيدين والمعارضين. كثيرون
في السنوات الأخيرة، انتشرت ما يُسمى بـ"علوم الطاقة" بشكل واسع في المجتمعات العربية والإسلامية، وأصبحت موضوع نقاش وجدل بين المؤيدين والمعارضين. كثيرون يظنون أن هذه العلوم مجرد تقنيات حديثة للتنمية الذاتية أو أساليب علاجية بديلة، لكن الحقيقة أعمق وأكثر تعقيدًا. في هذا المقال، سنحاول تسليط الضوء على الجذور الفكرية والتاريخية لعلوم الطاقة، وكيف ارتبطت بالفلسفات الباطنية القديمة، خاصة الكابالا والغنوصية، وكيف تم تسويقها تحت مظلة العلم والفلسفة في العصر الحديث.
صعوبة تقبل الأفكار الجديدة
من الطبيعي أن يواجه الإنسان صعوبة في تقبل الأفكار الجديدة، خاصة إذا كانت تتعارض مع معتقداته أو تصوراته السابقة. كثير من الناس قد لا يدركون أنهم جزء من منظومة فكرية أو ضحية لخداع فكري، ويظنون أن ما يمارسونه مجرد تمارين أو تقنيات بريئة. وغالبًا ما يدافع العقل البشري عن قناعاته القديمة، حتى لو ظهرت أمامه حقائق صادمة، فيرفض الاعتراف بها أو يبررها لنفسه.
لماذا تنتشر علوم الطاقة؟
من الملاحظ أن هناك تركيزًا كبيرًا على ربط علوم الطاقة بأصول هندوسية أو يهودية، لكن القليل من الناس يتساءل: لماذا تنتشر هذه العلوم بهذا الشكل؟ ما الهدف الحقيقي من نشرها؟ الحقيقة أن هناك نقصًا في تناول هذا الجانب، رغم أهميته البالغة في فهم جذور هذه الظاهرة.
علوم الطاقة: عقيدة باطنية لا علاقة لها بالعلم
خلافًا لما يروج له البعض، فإن ممارسة علوم الطاقة ليست اكتشافًا علميًا حديثًا، بل هي امتداد لعقائد باطنية قديمة، وعلى رأسها الكابالا اليهودية والغنوصية. فقد صدرت فتاوى من الحاخامات منذ القرن السادس عشر (أو قبله بقليل) بضرورة تعليم الناس الكابالا ونشر طقوسها بشكل غير مباشر، حتى بين غير اليهود، بهدف تحقيق أغراض عقائدية باطنية.
التصوف الباطني: الفهم الحقيقي
من المهم أن نميز بين الزهد الإسلامي والتصوف الباطني المنتشر في الديانات الأخرى. التصوف الباطني في هذه الديانات يقوم على محاولة فهم ماهية الإله، والسعي لأن يصبح الإنسان نسخة ثانية من الإله، وهو ما يعتبر كفرًا عميقًا في العقيدة الإسلامية. كما يهدف التصوف الباطني إلى توجيه إرادة الإنسان نحو إرادة الإله، بل والتحكم فيها، وهي فكرة مرفوضة في الإسلام.
قصة الكابالا ونشأة الكون
الكابالا هي المصدر الأساسي الذي استقت منه علوم الطاقة معظم مفاهيمها ومصطلحاتها. وفقًا للكابالا، هناك قصة معقدة عن نشأة الكون، تبدأ بالعقل الأول (الإله الأول)، الذي فكر في الخلق، فخرج منه نور عظيم (أنسوف)، ثم حدث انكماش لهذا النور وظهر ما يسمى "حادثة تهشم الأوعية"، حيث تكسرت الأوعية التي تحمل النور الإلهي، وتبعثرت الشرارات الإلهية في الكون.
هذه الشرارات، بحسب الكابالا، هي ما يُسمى اليوم بالطاقة الكونية أو الطاقة الداخلية للإنسان. ويُعتقد أن الإنسان يحمل في داخله جزءًا من هذه الشرارات، وأن عليه أن يعمل على تحريرها وإصلاح الخلل الكوني من خلال ممارسة طقوس معينة، مثل التأمل أو التوجه نحو الشمس.
شجرة الحياة والسيفيروت
من المفاهيم الأساسية في الكابالا "شجرة الحياة" و"السيفيروت" (العشر تجليات أو مراكز طاقة). كل سيفيرا تقابل تشاكرا في جسم الإنسان، وكل منها لها لون ونغمة وكلمة وإله أو ملاك حسب العقيدة. وتُعتبر شجرة الحياة النظام النفسي والكوني الذي يسير عليه الإنسان، وتُستخدم رموزها بكثرة في الإكسسوارات والمنتجات المرتبطة بعلوم الطاقة.
الجنس والتجليات في الكابالا
تتحدث الكابالا أيضًا عن الاتصال الجنسي بين السيفيروت العلوية والسفلية، وتعتبره جزءًا من عملية الإصلاح الكوني. وتظهر هنا مفاهيم مثل "توأم الشعلة" و"الكمال الذاتي" المرتبط بالشذوذ الجنسي، حيث يُعتبر الشذوذ في هذه العقيدة عودة إلى الأصل الإلهي الخنثى.
العوالم الأربعة في الكابالا
تؤمن الكابالا بوجود أربعة عوالم أو تجليات، لكل منها شجرة حياة خاصة به. يبدأ الإنسان من العالم الفيزيائي (الجسد)، ثم يرتقي إلى عالم التشكل، ثم عالم الأرواح، وأخيرًا عالم الفيض، حيث يتحول الإنسان إلى إله، وفقًا لهذه العقيدة.
عصر النهضة وتحويل الأفكار الباطنية إلى علوم
في القرن الخامس عشر والسادس عشر، شهدت أوروبا عصر النهضة، الذي كان نقطة تحول رئيسية في نقل الأفكار الباطنية من الشرق إلى الغرب. في هذا العصر، تم إحياء الفلسفات الوثنية، خاصة الفلسفة الأفلاطونية وتعاليم فيثاغورس، وبدأت عملية مزج هذه الفلسفات مع المسيحية والعلم الحديث.
أسرة دي ميديتشي في إيطاليا لعبت دورًا محوريًا في نشر هذه الأفكار، حيث سيطرت على الاقتصاد والفكر في أوروبا، وأسست الأكاديميات التي مزجت بين الغنوصية والعلم والفن. كما تم تأسيس جمعيات ومنظمات سرية لنشر هذه العقائد بشكل ممنهج، وأصبح من الصعب التمييز بين العلم الحقيقي والعقائد الباطنية المغلفة بعباءة العلم.
كيف تحولت الأفكار إلى علوم الطاقة الحديثة؟
مع مرور الوقت، تم تحويل هذه الأفكار الباطنية إلى ما يُسمى اليوم بعلوم الطاقة، وتم تسويقها على أنها تقنيات علمية أو فلسفات تنموية، بينما هي في الأصل امتداد لعقائد الكابالا والغنوصية. انتشرت مصطلحات مثل "قانون الجذب"، "تجلي الأفكار"، "تنظيف الشاكرات"، وكلها مستمدة من القصص والأساطير الكابالية.
الخلاصة: أهمية الوعي بالجذور الفكرية
من الضروري أن نعي أن علوم الطاقة ليست مجرد تمارين أو تقنيات عصرية، بل هي امتداد لعقائد باطنية قديمة تهدف إلى تغيير المفاهيم الدينية والروحية للإنسان. إن فهم الجذور الفكرية والتاريخية لهذه العلوم يساعدنا على اتخاذ موقف واعٍ منها، وعدم الانخداع بالمظاهر العلمية أو الفلسفية التي تُسوق بها.
في النهاية، يبقى الوعي والمعرفة هما السلاح الأقوى في مواجهة أي تيار فكري دخيل، وعلينا دائمًا أن نبحث عن الحقيقة من مصادرها الموثوقة، وألا ننجرف وراء كل جديد دون تمحيص أو تدبر.
https://www.youtube.com/watch?v=hgDN9yqgQiI