كيف تسللت مفاهيم الطاقة والتأمل إلى الممارسات الإسلامية؟
دليل توعوي لفهم المصطلحات والممارسات الحديثة في رمضان وخارجها في السنوات الأخيرة، انتشرت بين المسلمين العديد من المفاهيم والممارسات المستوردة من ثقافا
دليل توعوي لفهم المصطلحات والممارسات الحديثة في رمضان وخارجها
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين المسلمين العديد من المفاهيم والممارسات المستوردة من ثقافات وفلسفات شرقية وغربية، خاصة في مجال "الطاقة الكونية" و"التأمل" وما يتبعها من مصطلحات مثل "قانون الجذب" و"إطلاق النوايا" وغيرها. ومع اقتراب شهر رمضان، يزداد رواج هذه الأفكار تحت مسميات إسلامية أو روحانية، ما يستدعي الوقوف عندها وتوضيح حقيقتها وأثرها على العقيدة والممارسة الدينية.
الطاقة الكونية: بين الحقيقة والوهم
يتم الترويج لفكرة وجود "طاقة كونية" صادرة من "المصدر" أو من الله، وأن الإنسان يستطيع التواصل معها أو الاستفادة منها عبر التأمل أو ممارسات معينة. لكن من المهم التذكير بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق الروح، وليس هو الروح نفسها. فكل ما في الكون يسبح بحمد الله، كما ورد في القرآن الكريم:
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (الإسراء: 44).
العالم الغيبي، بما فيه الروح والملائكة والشياطين، لا يمكننا إدراكه إلا بما أخبرنا الله به في كتابه وسنة نبيه، أو بما ثبت علمياً بالتجربة. أما ما لم يثبت شرعاً أو علمياً، فلا يصح اعتماده كحقيقة مطلقة أو ممارسة دينية.
بين العلم والفلسفة: أين نقف؟
كثير من المفاهيم المنتشرة اليوم مثل "الكون المتوازي"، "الأوتار الفائقة"، أو حتى "الانفجار العظيم" تبقى في نطاق النظريات العلمية أو الفلسفية، ولم تثبت بشكل قاطع بالتجربة. والأخطر أن بعض الأفكار المستوردة من فلسفات هندوسية أو بوذية أو غنوصية يتم تقديمها على أنها حقائق مطلقة، بل ويتم "أسلمتها" عبر ربطها بآيات أو أحاديث أو قصص الأنبياء.
هنا يجب التساؤل: لماذا نصدق هذه الفلسفات ونعتبرها بديلاً عن السنة النبوية أو الشعائر الإسلامية؟ ولماذا نستبدل الأذكار والدعاء بالتأمل وقانون الجذب؟ أليس الأولى أن نلتزم بما ثبت في ديننا، خاصة وأن هذه الفلسفات لم تثبت لا علمياً ولا شرعياً؟
تغيير المصطلحات: المدخل الخفي لتغيير المفاهيم
من أخطر ما يحدث اليوم هو "تغيير مسميات الأشياء" لجعلها أكثر قبولاً. فمثلاً، يتم استبدال كلمة "الخمر" بـ"مشروب روحي"، أو الزنا بـ"المساكنة"، أو الربا بـ"المرابحة". هذا التغيير في المصطلحات يخفف من وقع الذنب ويجعل الناس تتقبل ما كان مرفوضاً.
الأمر نفسه يحدث مع المصطلحات الروحانية:
- التأمل: لم ترد كلمة "تأمل" في القرآن الكريم. ما ورد هو "التفكر" و"التدبر"، وهما استخدام للعقل في التأمل في خلق الله وآياته، وليس إغلاق العينين والدخول في حالة من السكون أو التواصل مع طاقة كونية.
- الامتنان: تم استبدال "الشكر" لله، وهو عبادة قلبية ولسانية وعملية، بمصطلح "الامتنان" الذي يُقدَّم كطاقة تُرسل للكون لتستقبل وفرة أو رزقاً، في حين أن الشكر في الإسلام هو فعل خالص لله دون انتظار مقابل دنيوي مباشر.
- إطلاق النوايا: بدلاً من الدعاء والتوكل على الله، يُطلب من الناس كتابة نواياهم وتخيل إرسالها للكون أو "المصدر" ليحققها، وهو مفهوم دخيل على العقيدة الإسلامية.
التأمل: أشكاله ومخاطره
التأمل بمفهومه الهندوسي أو البوذي يقوم على إغلاق العينين، محاولة إيقاف الأفكار، والتركيز على طاقة أو نقطة معينة للوصول إلى "السلام الداخلي". هناك أنواع متعددة من التأمل مثل "التأمل التجاوزي" (TM)، الذي يتضمن ترديد تعويذات أو طقوس أمام صور رموز دينية هندوسية، أو "تأمل الامتنان"، أو "تأمل إطلاق النوايا".
هذه الممارسات قد تبدو بريئة أو حتى مفيدة نفسياً في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها فلسفات باطنية قد تقود إلى تغيير العقيدة تدريجياً، خاصة إذا تم ربطها بأسماء الله الحسنى أو آيات قرآنية بشكل غير صحيح.
أسلمة الطاقة: كيف يتم ذلك؟
مع تزايد وعي الناس بخطورة بعض الممارسات، لجأ بعض المدربين إلى "أسلمة" مفاهيم الطاقة والتأمل، فصاروا يربطون الاستغفار بتنظيف الهالة الطاقية، أو يستخدمون أسماء الله الحسنى كتمائم أو أدوات جذب، أو يحولون الذكر والدعاء إلى طقوس لجلب الوفرة أو تحقيق الأمنيات.
هذه الممارسات تفرغ الشعائر الإسلامية من مضمونها الحقيقي وتحوّلها إلى طقوس باطنية، وتفتح الباب أمام تسلل عقائد الحلول ووحدة الوجود التي تعتبر أن الإنسان جزء من الإله أو أن الكون هو الله، وهي عقائد باطلة مناقضة للتوحيد.
رمضان: موسم تسويق الطاقة والتأمل
يستغل مروجو هذه العلوم شهر رمضان لتمرير أفكارهم تحت غطاء الروحانية والتقرب إلى الله. فتنتشر جلسات "تأمل أسماء الله الحسنى"، و"إطلاق النوايا في ليلة القدر"، و"جلسات الذكر الطاقي"، وغيرها من الممارسات التي تُقدّم على أنها إسلامية، بينما هي في أصلها مستوردة من فلسفات غنوصية أو كهنوتية قديمة.
حتى الظواهر الطبيعية مثل الكسوف والخسوف، التي علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصلي لها صلاة مخصوصة، يتم استغلالها للترويج لجلسات طاقة أو إطلاق نوايا مرتبطة بالأبراج والفلك.
لماذا يقبل الناس على هذه الممارسات؟
الكثيرون ينجذبون لهذه الممارسات لأنها تقدم لهم ديناً سهلاً بلا تكاليف أو التزامات واضحة، وتوهمهم بأنهم قادرون على التحكم في واقعهم وجذب ما يريدون دون الحاجة للالتزام بالشعائر أو القيم الإسلامية. كما أن بعض المدربين يخلطون بين المصطلحات الإسلامية والطاقية بشكل متقن، ما يجعل الناس يظنون أن ما يمارسونه هو من صميم الدين.
كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟
- الرجوع للقرآن والسنة بفهم العلماء: لا يجوز استحداث عبادات أو طقوس لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة الكرام.
- التمييز بين المصطلحات: انتبهوا لتغيير المسميات، فليس كل ما يسمى "تأملاً إسلامياً" أو "طاقة إيمانية" هو من الدين.
- البحث والتثبت: لا تقبلوا أي ممارسة أو دورة أو جلسة دون التحقق من أصلها وموافقتها للعقيدة.
- الوعي بتاريخ هذه العلوم: كثير من هذه المفاهيم تسللت من فلسفات قديمة، ثم دخلت على المسيحية، ثم انتشرت في العالم الإسلامي عبر التنمية البشرية أو علوم الطاقة أو حتى الرياضة.
- عدم الاستهانة: هذه الممارسات قد تبدو بسيطة أو غير مؤثرة، لكنها على المدى الطويل تؤثر في العقيدة والسلوك وتضعف التمسك بالشعائر.
الخلاصة
شهر رمضان هو فرصة عظيمة للعودة إلى الله بالعبادات الصحيحة، وليس لتجربة طقوس دخيلة أو ممارسات باطنية. فلنحذر من كل ما يخالف العقيدة، ولنتمسك بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولنعلم أن الخير كل الخير في اتباع الشريعة، وأن ما سوى ذلك من الفلسفات والممارسات لم يثبت نفعه لا علمياً ولا شرعياً.
حافظوا على دينكم، وكونوا على وعي بما يدخل إلى بيوتكم وعقولكم، فالدين أمانة، والوعي مسؤولية.
كل عام وأنتم بخير، ورمضان مبارك عليكم جميعاً.
https://www.youtube.com/watch?v=TzBXObwmFFE