اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

كيف تتحول العقول: رحلة من الاستسلام إلى عبادة العقل في مدارس الطاقة والتنمية الذاتية

في السنوات الأخيرة، انتشرت في عالمنا العربي موجة من الدورات وورش العمل التي تروج لمفاهيم الطاقة والتنمية البشرية والوعي الذاتي. ورغم أن بعض هذه المفاه

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت في عالمنا العربي موجة من الدورات وورش العمل التي تروج لمفاهيم الطاقة والتنمية البشرية والوعي الذاتي. ورغم أن بعض هذه المفاهيم قد تبدو للوهلة الأولى بريئة أو حتى محفزة، إلا أن هناك جانبًا خفيًا وخطيرًا في بعض مدارس الطاقة وتطوير الذات، حيث يتم استدراج الأفراد تدريجيًا نحو ما يمكن تسميته بـ"عبادة العقل"، والابتعاد عن الثوابت الدينية والاجتماعية، وصولًا إلى مفاهيم دخيلة قد تضر بالفرد والمجتمع.

في هذا المقال، سنستعرض بأسلوب تعليمي وتحليلي كيف يبدأ هذا الاستدراج، وما هي المراحل التي يمر بها الممارس، وكيف يمكن للوعي الزائف أن يتحول إلى سجن فكري وروحي.

1. البداية: الاستهزاء والتشكيك

غالبًا ما يبدأ الأمر عند مواجهة هذه التيارات بالنقاش أو النقد، حيث يُقابل الشخص إما بالاستخفاف أو بمحاولة تحقيره أمام الآخرين. الهدف من ذلك هو زعزعة الثقة بالنفس وإضعاف الموقف، مما يمهد الطريق لقبول الأفكار الجديدة دون مقاومة.

يُلاحظ أن بعض المروجين لهذه الأفكار يهاجمون القيم الدينية والاجتماعية، ويصورون المجتمعات المحافظة بأنها متخلفة أو متأخرة، بينما يرفعون من شأن "المنفتحين" أو "المستنيرين" الذين تخلوا عن هذه القيم.

2. التدرج في الاستدراج: من الوعي إلى عبادة العقل

لا يتم الانتقال من المعتقدات التقليدية إلى الأفكار الدخيلة بشكل مفاجئ، بل عبر مراحل مدروسة:

  • المرحلة الأولى: التلقين من شخص أكثر خبرة إلى شخص مبتدئ، أو عبر وسطاء، بحيث يتم نقل الأفكار تدريجيًا.
  • المرحلة الثانية: الاعتماد على الكتب والدورات المدفوعة، وغالبًا ما يكون هناك ابتزاز مالي تحت مسمى "تطوير الذات".
  • المرحلة الثالثة: إقناع الممارس بأن العقل هو المرجع الوحيد، وأن عليه أن يشكك في كل ما تعلمه من دين أو مجتمع أو أسرة.
  • المرحلة الرابعة: نسف الثوابت، حيث يُطلب من الشخص التخلي عن القيم والأعراف والعلاقات الأسرية، بحجة التحرر والتسامح.
  • المرحلة الخامسة: العزلة النفسية والاجتماعية، حيث يشعر الممارس أنه لا ينتمي إلا لهذه المجموعة الجديدة، ويبدأ في رفض كل ما هو خارجها.

3. كيف يتم استبدال المعتقدات؟

تعتمد هذه المدارس على تقنيات نفسية ولغوية متقدمة، مثل البرمجة اللغوية العصبية، وهندسة العقل، والتأطير، والتلاعب بالعواطف والصدمات. يتم التركيز على فكرة "ارتفاع الوعي" و"التغيير" و"التحرر"، لكن دون تحديد واضح لما يجب تغييره أو التخلي عنه، حتى يجد الممارس نفسه قد تخلص من كل شيء كان يؤمن به.

يتم أيضًا استخدام قصص وتجارب وهمية، وحسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، لإيهام الممارسين بأن هناك نتائج مذهلة تحققت للآخرين، وأنهم على وشك تحقيق أحلامهم إذا استمروا في الطريق.

4. من عبادة العقل إلى عبادة الشيطان: مراحل خطيرة

مع الوقت، يبدأ الممارس في تقديس عقله وحدسه وإلهامه الشخصي، ويرفض كل ما يخالف ذلك، حتى لو كان من الدين أو العلم أو المنطق. بل قد يصل الأمر إلى اعتبار العقل هو الإله، وأن كل شيء آخر باطل أو متخلف.

في مراحل متقدمة، يتم إدخال مفاهيم غريبة مثل تقديم القرابين (اللفظية أو الجسدية أو حتى الدينية)، والتواصل مع "الطاقات" أو "الأرواح"، بل وحتى ممارسة طقوس غامضة قد تصل إلى الشرك بالله أو ممارسة السحر دون وعي.

5. التزييف وتغيير المفاهيم

يتم تزيين الباطل للناس، وتقديمه في صورة حق، عبر فنون الإقناع والالقاء، وإيهام الممارس بأنه مميز أو "من النخبة" أو "روحاني". يتم تحقير العلوم التجريبية والدينية، ورفع شأن الفلسفات الشرقية والوثنية، حتى يصبح الممارس مقتنعًا بأن كل ما تعلمه من قبل كان خطأ.

6. العزلة والاعتماد الكامل على المدرب

في هذه المرحلة، يصبح الممارس معزولًا عن أسرته ومجتمعه، ويعتمد كليًا على المدرب أو المجموعة الجديدة في تحديد مصيره وحل مشكلاته. يُطلب منه كتمان الأسرار، وعدم مشاركة ما يتعلمه مع الآخرين، بل وأحيانًا توقيع تعهدات بعدم الإفصاح عن تفاصيل الدورات.

7. النتائج النفسية والاجتماعية

هذه الرحلة غالبًا ما تنتهي بمشكلات نفسية عميقة، مثل الاكتئاب، والقلق، والهلوسات، وفقدان الثقة بالنفس، والعزلة الاجتماعية، وتدهور العلاقات الأسرية. كما قد تؤدي إلى الانحراف عن الدين، أو حتى الإلحاد الروحي دون وعي.

8. كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟

  • التحقق من المصادر: لا تقبل أي فكرة دون دليل أو حجة علمية أو دينية واضحة.
  • التمسك بالثوابت: حافظ على القيم الدينية والاجتماعية، ولا تسمح لأحد أن يشككك فيها دون دليل قوي.
  • الحوار المفتوح: ناقش أبناءك وأفراد أسرتك حول هذه القضايا، ووضح لهم المخاطر.
  • الحذر من الدورات المشبوهة: تحقق من خلفية المدربين والدورات قبل الالتحاق بها.
  • الاستعانة بالمتخصصين: في حال الوقوع في هذه الدوامة، لا تتردد في طلب المساعدة النفسية والدينية المتخصصة.

خلاصة

مدارس الطاقة والتنمية الذاتية ليست كلها شرًا، لكن هناك تيارات خطيرة تستغل حاجة الناس للأمل والتغيير، وتستدرجهم تدريجيًا نحو أفكار دخيلة قد تضرهم نفسيًا ودينيًا واجتماعيًا. الوعي، والتحقق، والتمسك بالثوابت، والحوار الواعي، هي السلاح الحقيقي في مواجهة هذه الموجة.

احرص على أن يكون عقلك ممتلئًا بالعلم الصحيح، ولا تسمح لأحد أن يبيعك الأوهام تحت مسمى الوعي أو الطاقة أو الاستنارة.

بقلم: [اسم الكاتب]

متخصص في التربية والتوعية المجتمعية

https://www.youtube.com/watch?v=AVXPkuqiqPw

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك