العقل الباطن بين العلم والعقيدة: حقيقة أم خرافة؟

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: في السنوات الأخيرة، انتشر الحديث عن "العقل الباطن" ودوره في حياة الإنسان، خاص

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 22,2025
4 دقائق
0

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

في السنوات الأخيرة، انتشر الحديث عن "العقل الباطن" ودوره في حياة الإنسان، خاصة في مجالات التنمية البشرية ومدارس الطاقة والوعي، حتى أصبح البعض يقدّم العقل الباطن كقوة خارقة أو "إله صغير" داخل الإنسان، قادر على تحقيق المعجزات وتغيير الأقدار. فهل هذه المفاهيم صحيحة؟ وما أصلها؟ وكيف نميز بين العلم والخرافة في هذا الباب؟

ما هو العقل الباطن؟

في البداية، يجب أن نوضح أن مفهوم "العقل الباطن" ليس محل اتفاق بين علماء النفس. فهناك مدارس علمية ترى أنه مجرد حالة من حالات العقل اللاواعي، بينما ينكر آخرون وجوده ككيان مستقل. أما في مدارس التنمية البشرية والوعي، فقد تم تضخيم هذا المفهوم ليصبح أشبه بالقوة الكونية الكامنة أو "الإله الصغير" داخل الإنسان.

أصل الفكرة: من الفلسفة الشرقية إلى العصر الجديد

يرجع أصل فكرة العقل الباطن كقوة خارقة إلى الفلسفات الشرقية القديمة، مثل الهندوسية والبوذية، حيث كان يُنظر إلى الإنسان على أنه جزء من الكون، وأن داخله قوة كونية كامنة يمكنها الاتحاد مع "الكل". هذه الأفكار تسربت إلى الفلسفة الغربية عبر فلاسفة مثل أفلاطون، ثم تبناها لاحقًا مفكرون مثل فرويد، الذي كان متأثرًا بالغنوصية اليهودية والبوذية، واعتبر أن العقل الباطن هو مصدر المشاعر والصفات، ويمكن التحكم به عبر الخيال والتأمل والتنفس المنتظم.

ومع ظهور حركة "العصر الجديد" (New Age)، تم دمج هذه الأفكار مع مدارس التنمية البشرية، فصار يُروج للعقل الباطن على أنه مفتاح القوانين الكونية، والمصدر الذي يحقق الأمنيات ويصنع الواقع ويغير الأقدار.

كيف تسوَّق هذه الأفكار اليوم؟

تنتشر اليوم دورات وكتب ومدونات تروج لفكرة أن العقل الباطن هو مصدر العلم والقوة التي "لا تُغلب"، وأن الإنسان يستطيع عبر التوكيدات، والبرمجة اللغوية العصبية، والتأمل، والتنفس، والموسيقى التحولية، والسبليمنال، أن يبرمج عقله الباطن ليحقق له كل ما يريد.

بل وصل الأمر إلى أن بعض المدربين يربطون العقل الباطن بالكواكب والطاقة الكونية، ويحثون المتابعين على ممارسة تأملات الكواكب وتلقي "رسائل الكون"، ويزعمون أن كل ما تفكر فيه أو تشعر به سيتحقق، وأن الأقدار رهينة أفكار الإنسان لا مشيئة الله.

أين الخطأ في هذه المفاهيم؟

  • تأليه العقل الباطن: أخطر ما في هذه الأفكار أنها ترفع العقل الباطن إلى مرتبة "الإله الصغير" الذي يخلق ويشفي ويحقق الأمنيات، وهذا يتعارض مع التوحيد الخالص الذي جاء به الإسلام، فالله وحده هو الخالق والمدبر والمقدر للأقدار.
  • تغييب العقيدة الصحيحة: يتم استبدال الإيمان بالله والإيمان بالقدر، بالإيمان بالقوانين الكونية والعقل الباطن، حتى صار بعض الناس يظنون أن النجاح والسعادة والرزق بيدهم وحدهم، وليس بيد الله.
  • الاستشهاد المغلوط بالنصوص: يقتبس البعض آيات من القرآن الكريم خارج سياقها ليبرروا أفكارهم، دون فهم صحيح لمقاصد الشريعة.
  • نشر الوهم باسم العلم: يتم تقديم هذه الأفكار أحيانًا على أنها علمية أو نفسية أو طبية، بينما هي في حقيقتها خرافات ميتافيزيقية لا دليل علمي عليها، بل يرفضها كثير من علماء النفس والطب.

التشافي الذاتي: خرافة أم حقيقة؟

من المفاهيم المنتشرة في هذه المدارس أيضًا "التشافي الذاتي"، حيث يزعمون أن الإنسان يمكنه شفاء نفسه من جميع الأمراض عبر برمجة عقله الباطن أو عبر شخص آخر يرسل له طاقة الشفاء عن بعد! ويُنكرون وجود الجهاز المناعي، ويرفضون العلم التجريبي، ويستبدلونه بممارسات لا أساس لها من الصحة.

لماذا تنتشر هذه الأفكار؟

يرى كثير من الفلاسفة والمنظرين في العصر الحديث أن الأديان هي سبب التخلف والكره، فحاولوا هدم الأديان عبر نشر أفكار بديلة، مثل "الإله الصغير" والعقل الباطن والقوة الكونية، ليحلوا محل التوحيد الخالص. ويستشهدون دائمًا بالفلسفات الوثنية القديمة، ويغلفون أفكارهم بعبارات براقة مثل: "نسختك الجديدة"، "تجربتك الأرضية"، "افهم رسالتك"، بينما رسالتنا الحقيقية واضحة في قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".

كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا من هذه الأفكار؟

  • تعلم العقيدة الصحيحة: يجب علينا العودة إلى أصول التوحيد، وفهم أن الله وحده هو الخالق والمقدر والمدبر.
  • التمييز بين العلم والخرافة: ليس كل ما يُقال في التنمية البشرية أو الطاقة أو الوعي علمًا حقيقيًا، بل كثير منه خرافات أو فلسفات وثنية مغلفة بعبارات حديثة.
  • التحقق من المصادر: لا نقبل أي فكرة أو ممارسة إلا بعد التأكد من موافقتها للكتاب والسنة، ومن صحتها العلمية.
  • مراجعة النية: يجب أن تكون نياتنا في التعلم والعمل خالصة لله، وألا نبحث عن حلول سريعة أو معجزات زائفة.

الخلاصة

العقل الباطن، كما يُروج له في مدارس العصر الجديد والطاقة والتنمية البشرية، ليس حقيقة علمية ولا نفسية، بل هو فكرة فلسفية قديمة تم تضخيمها وتسويقها لأهداف مادية وروحية خطيرة، أخطرها هدم العقيدة الصحيحة وتغييب التوحيد. فلنعد إلى كتاب الله وسنة نبيه، ولنحذر من كل فكرة أو ممارسة ترفع الإنسان فوق قدره، أو تنسب له صفات الخالق، أو تعده بقوى خارقة لا يملكها إلا الله.

"قل إن الأمر كله لله".

والله الموفق.

https://www.youtube.com/watch?v=fBOdoVq2304

اسأل سحر الطاقة

تحدث مع سحر الطاقة واحصل على إجابات لأسئلتك