العقل الباطن بين الحقيقة والوهم: كيف تحوّل إلى "إله" في مدارس الوعي والطاقة
في السنوات الأخيرة، انتشرت في عالمنا العربي موجة من الدورات والكتب والممارسات التي تدور حول "العقل الباطن"، وتروج لفكرة أنه المفتاح السحري لتحقيق السع
في السنوات الأخيرة، انتشرت في عالمنا العربي موجة من الدورات والكتب والممارسات التي تدور حول "العقل الباطن"، وتروج لفكرة أنه المفتاح السحري لتحقيق السعادة، والثراء، والصحة، وكل ما يتمناه الإنسان. لكن ما حقيقة هذه المفاهيم؟ وما جذورها الفلسفية؟ وكيف تحولت من أفكار نفسية إلى معتقدات عقدية خطيرة تهدد الدين والفطرة والمجتمع؟ في هذا المقال، سنكشف خفايا هذه المدارس، ونوضح كيف يتم التلاعب بالعقول تحت شعارات التنمية البشرية والوعي والطاقة.
1. البداية: فكرة النبوة والوحي في العصر الجديد
تبدأ بعض هذه المدارس بترويج أفكار تبدو بريئة في ظاهرها، مثل أن "النبوة كانت في الأصل فكرة"، وأن كل إنسان يمكن أن يكون "رسولاً" أو "نبيًا" إذا رسخ بعض المفاهيم في عقله. بل يذهب بعضهم إلى القول بأن الوحي لم يتوقف، وأن الرسالة مستمرة، وأن كل ما تحتاجه هو أن تؤمن بفكرتك حتى تتجلى لك "الإشارات" أو "الإلهامات".
هذه الأفكار ليست مجرد اجتهادات شخصية، بل هي جزء من مشروع كبير يسعى إلى هدم الثوابت الدينية، وتحويل كل شيء إلى مجرد "فكرة" قابلة للصواب والخطأ، حتى الدين نفسه، وحتى القرآن والسنة، بل وحتى مفاهيم الحلال والحرام والبعث والحساب.
2. النسبية المطلقة: لا حقيقة ولا خطأ
من أخطر ما تروج له هذه المدارس هو فكرة "النسبية المطلقة"، أي أنه لا يوجد جواب مطلق لأي سؤال، وكل شيء قابل للنقاش والتغيير. اليوم، قد يكون محمد ﷺ نبيًا، وغدًا قد لا يكون! قد يكون القرآن صحيحًا أو محرفًا! الحلال قد يصبح حرامًا، والحرام حلالًا، وكل ذلك "شخصي" لا يحق لأحد التدخل فيه.
لكن الغريب أن هذه النسبية تتوقف عندما يتعلق الأمر بمعتقداتهم هم! فإذا شككت في "طاقات الكون" أو "قوانين الجذب" أو "الاستبصار"، يتحولون إلى مدافعين شرسين، ويرفضون أي نقاش أو تشكيك، ويعتبرون ذلك من المسلمات غير القابلة للنقاش.
3. العقل الباطن: من فكرة نفسية إلى إله جديد
العقل الباطن في الأصل مفهوم نفسي وفلسفي، تحدث عنه فرويد وغيره من علماء النفس، لكنه في هذه المدارس تحول إلى "إله صغير" داخل الإنسان. يُقال لك: "عقلك الباطن هو الذي يشفيك، يرزقك، يدبر أمورك، يكشف لك الغيب، يخلق واقعك، ويحقق لك كل ما تؤمن به".
بل ويُقال إن العقل الباطن كان موجودًا قبل خلقك، وأنه عاش في "شجرة المعرفة" في الجنة، وأنه رأى حيواتك السابقة! ومن هنا جاءت فكرة "تناسخ الأرواح" و"تذكر الحيوات السابقة" و"الوعي الكوني"، وكلها مفاهيم مأخوذة من الفلسفات الشرقية القديمة (الهندوسية، البوذية، الكبالا، الغنوصية)، وليست من الإسلام في شيء.
4. كيف يتم التلاعب بالعقول؟
تعتمد هذه المدارس على عدة أساليب نفسية وتربوية لإقناع الممارسين:
- زرع الشك في كل الثوابت: الدين، الوطن، الأسرة، القيم، كلها تصبح قابلة للشك والنقاش.
- العزل الاجتماعي والفكري: يُقال لك إنك مختلف ومميز، ويُحذرونك من "الظلاميين" و"المتخلفين" و"المتشددين".
- اتباع الحدس والإلهام: يُطلب منك أن تتبع "حدسك" أو "إلهامك الداخلي"، الذي هو في الحقيقة عقلك الباطن.
- الربط بين النجاح والسعادة وبين "تنشيط العقل الباطن": أي مشكلة في حياتك تُفسر بأنها بسبب "صدمات الطفولة" أو "كبت المشاعر" أو "عدم استيقاظ العقل الباطن"، ويُطلب منك دخول دورات وكورسات لا تنتهي لتحرير هذه الصدمات وتنشيط العقل الباطن.
- قوانين الجذب والتوقع والانعكاس: يُقال لك إن كل ما تتوقعه وتؤمن به وتضع له مشاعر وأحاسيس سيتحقق، لأن "العقل الباطن" سيخلقه لك في الواقع.
- التلاعب بمفاهيم الدعاء والتوكل: يُطلب منك أن تدعو الكون أو ترسل "ذبذباتك" للعقل الباطن، ليحقق لك ما تريد، بدلاً من الدعاء لله والتوكل عليه.
5. الجذور الفلسفية: من فرويد إلى البوذية
من المهم أن نعرف أن هذه الأفكار ليست جديدة، بل هي امتداد لفلسفات قديمة:
- فرويد: أسس لمفهوم العقل الباطن والتحليل النفسي، لكنه كان يهوديًا، واستقى أفكاره من الفلسفات الشرقية، وكان هدفه هدم المعتقدات الدينية والأخلاقية (عدا اليهودية).
- البوذية والهندوسية: تؤمن بوجود "قوة كامنة" أو "إله داخلي" في الإنسان، وأن الهدف هو الاتحاد مع "الوعي الكلي" أو "العقل الكوني".
- العصر الجديد (New Age): حركة عالمية تسعى إلى نشر هذه الأفكار تحت شعارات التنمية البشرية، والطاقة، والوعي، والتنوير، وهي في حقيقتها تهدف إلى نزع الدين والأخلاق وتحويل الإنسان إلى "إله نفسه".
6. النتائج الكارثية: تدمير الدين والمجتمع
كل من خاض في هذه المدارس وخرج منها يحكي عن نتائج مدمرة:
- ضياع الدين: إنكار السنة، تحريف القرآن، سب العلماء، عبادة الكون أو العقل أو النفس أو المدرب.
- تفكك الأسرة: حالات طلاق، عقوق، كراهية، انتحار.
- تدمير الصحة النفسية والجسدية: اكتئاب، قلق، أمراض، وهم الأمراض، تعلق بالمدربين.
- ضياع القيم والأخلاق: كل شيء يصبح مباحًا باسم الحرية الشخصية، حتى انتهاك الأعراض والشهوات.
7. العقل الباطن الجمعي: سياسة القطيع
من أخطر ما تسعى إليه هذه المدارس هو تكوين "عقل باطن جمعي"، أي أن يتحول المجتمع كله إلى مجموعة من الأفراد بلا دين ولا قيم ولا ثوابت، يجمعهم فقط الإيمان بتأليه النفس والكون، والانقياد وراء المدربين والمروجين لهذه الأفكار.
8. قانون الدوافع: استغلال الألم والفشل والإحباط
يعتمد المدربون على استغلال نقاط ضعف الناس: الإحباط، الفشل، الألم، ويعمقون هذه المشاعر بدل علاجها، ليضمنوا استمرار المتدرب في الدورات والكورسات، ويظل يبحث عن الحلول في عالم الوهم.
9. كيف نواجه هذا التيار؟
- العودة للفطرة والدين الصحيح: لا يوجد في الإسلام إلا الله الواحد الأحد، وكل ما سواه مخلوق، ولا يجوز تأليه النفس أو العقل أو الكون.
- العلم الحقيقي: العلوم التجريبية والطبية والنفسية الحقيقية لا علاقة لها بهذه الخرافات.
- الوعي بخطورة هذه الممارسات: يجب توعية الأبناء والبنات بخطورة هذه الأفكار، وعدم الانجرار وراء الدورات والمدربين المجهولين.
- التحقق من النتائج: اسألوا من خاضوا هذه التجارب عن حالهم اليوم: هل تغيرت حياتهم للأفضل؟ أم خسروا دينهم وأخلاقهم وأسرهم وصحتهم؟
10. الخلاصة
ما يُسمى اليوم بمدارس الوعي والطاقة والتنمية البشرية، والتي تروج لتأليه العقل الباطن، ليست سوى امتداد لفلسفات وثنية قديمة، تهدف إلى هدم الدين والقيم، وتحويل الإنسان إلى عبد لنفسه أو للكون أو للمدرب. علينا جميعًا أن نكون على وعي بهذه المخاطر، وأن نتمسك بديننا وفطرتنا، وألا نبحث عن الحلول في عالم الوهم والخرافة.
وأخيرًا:
إذا لم تستطع هذه المقالات والدروس أن تفتح لك الطريق إلى الحقيقة، فهذه كارثة. الهدف هو أن تعود إلى عبادة الله وحده، وأن تدرك أن العلم الحقيقي هو ما ينفعك في دينك ودنياك، وأن تحذر من كل من يروج للأوهام تحت مسمى الوعي والطاقة والتنمية البشرية.
شارك هذا المقال مع من تحب، فقد تكون سببًا في إنقاذ شخص من هذا الظلام.
https://www.youtube.com/watch?v=fJKwOqhrM_s