البرمجة اللغوية العصبية وعلوم الطاقة: رؤية نقدية وتجارب واقعية
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من البرامج والدورات التدريبية المتعلقة بما يسمى "علوم الطاقة" مثل البرمجة اللغوية العصبية (NLP)، الريكي، البرانا هيل
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من البرامج والدورات التدريبية المتعلقة بما يسمى "علوم الطاقة" مثل البرمجة اللغوية العصبية (NLP)، الريكي، البرانا هيلينغ، وغيرها. هذه العلوم والممارسات أثارت جدلاً واسعًا بين مؤيدين يرون فيها أدوات فعالة لتحسين الصحة النفسية والجسدية، وبين معارضين يحذرون من مخاطرها العقدية والنفسية. في هذا المقال، نستعرض أبرز النقاط التي أثيرت في نقاش مطول بين مجموعة من المهتمين والباحثين في هذا المجال، مع التركيز على الجوانب العلمية والدينية والاجتماعية.
ما هي البرمجة اللغوية العصبية (NLP)؟
البرمجة اللغوية العصبية هي مجموعة من التقنيات التي تهدف إلى تغيير أنماط التفكير والسلوك لدى الإنسان، وتستند إلى فكرة أن العقل الباطن يؤثر بشكل كبير على قراراتنا وحياتنا اليومية. يرى بعض المتخصصين أن NLP تنتمي إلى مدارس الطاقة، حيث تعتمد على تغييب العقل الواعي والتركيز على العقل اللاواعي، وهو مفهوم مأخوذ من علم النفس الغربي، لكنه ليس متداولًا بنفس المعنى في العلوم الإسلامية أو بين عامة الناس.
النقد الأساسي الموجه إلى NLP هو أنها تدعو إلى تغييب العقل الواعي، بينما يؤكد الدين الإسلامي على أهمية العقل الواعي في تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات. كما أن فكرة "العقل اللاواعي" ليست واضحة أو مثبتة علميًا بالشكل الذي تروج له هذه المدارس، بل هي أقرب إلى مصطلحات طبية أو نفسية متخصصة لا يُنصح بتعميمها على الجمهور.
علوم الطاقة: بين الحقيقة والوهم
تجارب المشاركين في النقاش أظهرت تباينًا واضحًا في المواقف تجاه علوم الطاقة. بعضهم دخل هذه الدورات بدافع البحث عن الشفاء الجسدي أو النفسي، أو بدافع الفضول العلمي، ولم يشعر بتعارض مع الدين في البداية. لكن مع التعمق في المستويات المتقدمة، بدأت تظهر مفاهيم وممارسات تتعارض مع العقيدة الإسلامية، مثل استدعاء "الطاقات" أو "الأرواح" أو الاعتماد على رموز ومصطلحات من ديانات أخرى كالهندوسية.
من أبرز الانتقادات أن هذه الدورات غالبًا ما تبدأ بمفاهيم عامة وجذابة مثل التسامح، الحب، الشفاء، ثم تتدرج تدريجيًا إلى مفاهيم فلسفية وروحية عميقة قد تؤدي إلى تبني معتقدات دخيلة أو حتى ممارسات شركية دون أن يشعر المتدرب بذلك.
الجذور الدينية والفلسفية لعلوم الطاقة
أشار بعض المتحدثين إلى أن معظم مدارس الطاقة الحديثة تستمد جذورها من فلسفات وديانات شرقية قديمة، مثل الهندوسية والبوذية، وأنها تطورت عبر التاريخ من خلال حركات مثل الثيوصوفيا وحركة العصر الجديد. وغالبًا ما يتم "أسلمة" أو "تعريب" هذه المفاهيم لتناسب المجتمعات العربية والإسلامية، لكن جوهرها يبقى مرتبطًا بفلسفات الوحدة الوجودية أو الحلول، والتي تتعارض مع التوحيد الإسلامي.
على سبيل المثال، في بعض ممارسات البرانا هيلينغ أو التأمل، يتم الحديث عن "الاتحاد مع الذات العليا" أو "استقبال الطاقات من المصدر"، وهي مفاهيم مستمدة من عقيدة براهمان في الهندوسية، حيث يُنظر إلى الإله على أنه كيان كوني متغلغل في كل شيء، وليس إلهًا منفصلًا عن خلقه كما في العقيدة الإسلامية.
هل هناك فعلاً "طاقة" غير مثبتة علميًا؟
من الناحية العلمية، لا يوجد حتى الآن دليل تجريبي قاطع على وجود "طاقة" بالمعنى الذي تروج له هذه المدارس (كالطاقة الكونية، طاقة الشاكرات، الجسد الأثيري، إلخ). العلوم التجريبية الحديثة تعتمد على القياس والملاحظة والتجربة، وأي مفهوم لا يمكن قياسه أو إثباته علميًا يُصنف ضمن "العلوم الزائفة" أو "الميتافيزيقا".
حتى في الطب الصيني التقليدي أو اليوغا، هناك خلط بين الفوائد الصحية الناتجة عن الحركة أو الاسترخاء أو النظام الغذائي، وبين الادعاءات غير المثبتة حول "تدفق الطاقة" أو "تنظيف الشاكرات". كثير من الممارسين يربطون بين الصحة النفسية والجسدية وبين هذه الطاقات، لكن ذلك لا يعني بالضرورة وجود كيان طاقي مستقل عن الجسم يمكن التلاعب به بهذه الطرق.
الجانب الاقتصادي والاجتماعي لدورات الطاقة
لفت النقاش إلى أن كثيرًا من هذه الدورات تعتمد على التسويق الذكي والتدرج في طرح المعلومات، حيث تبدأ الدورات بمستويات منخفضة التكلفة لجذب المتدربين، ثم تتصاعد في التكلفة والمحتوى مع كل مستوى جديد. كما يتم تشجيع المتدربين على عدم مشاركة المعلومات مع الآخرين، بحجة "حقوق الملكية" أو "حماية العلم"، بينما الهدف الحقيقي غالبًا هو زيادة التعلق بالدورة وضمان استمرار الدفع.
التأثيرات النفسية والاجتماعية
أشار بعض المشاركين إلى أن ممارسي علوم الطاقة يمرون غالبًا بما يسمى "شهر العسل"، حيث يشعرون في البداية بنشوة أو تحسن نفسي مؤقت، ثم يبدأون في الاعتماد المفرط على التأملات أو التوكيدات أو الأحجار، مما قد يؤدي إلى حالة من الإدمان النفسي أو حتى العزلة الاجتماعية. كما أن بعض الممارسات قد تفتح الباب لمشكلات نفسية أو روحية، خاصة إذا تم ربطها بمفاهيم خاطئة عن الذات أو الكون أو العلاقة مع الله.
الموقف الديني: أين الخطأ؟
من وجهة نظر إسلامية، يكمن الخطر الأساسي في هذه العلوم في أنها قد تؤدي إلى الشرك أو البدع، سواء من خلال استدعاء الأرواح، أو الاعتقاد بوجود قوى خارقة أو وسطاء بين الإنسان والله، أو تبني مفاهيم فلسفية تتعارض مع عقيدة التوحيد. كما أن الاعتماد على "الطاقة" أو "الشفاء الذاتي" قد يؤدي إلى إهمال الأسباب المادية المشروعة، مثل العلاج الطبي أو الدعاء المشروع.
نصائح للمقبلين على هذه الدورات
- ابحث عن المصادر الموثوقة: لا تكتفِ بتجارب الآخرين أو بما يقوله المدربون، بل ارجع إلى المصادر العلمية والدينية الموثوقة.
- قارن بين العلم والدين: أي ممارسة أو علم يجب أن يكون متوافقًا مع القيم الدينية والعقل والمنطق، ولا يكفي أن يكون مستوردًا من ثقافات أو ديانات أخرى.
- احذر من التدرج في المعتقدات: كثير من هذه الدورات تبدأ بمفاهيم عامة وجذابة، ثم تتدرج إلى مفاهيم خطيرة دون أن يشعر المتدرب.
- استشر أهل العلم: إذا كان لديك شك في أي ممارسة أو علم، استشر العلماء أو المختصين في الشريعة أو الطب.
- لا تتعلق بالمدربين أو الدورات: تذكر أن الهدف الأساسي هو تطوير نفسك بما يتوافق مع دينك وعقلك، وليس الانبهار بالشخصيات أو الإعلانات.
الخلاصة
علوم الطاقة والبرمجة اللغوية العصبية وغيرها من الممارسات الحديثة تحمل في ظاهرها وعودًا براقة بتحسين الحياة والصحة، لكنها في جوهرها تقوم على مفاهيم فلسفية ودينية دخيلة، وغالبًا ما تفتقر إلى الأساس العلمي أو الشرعي. من المهم أن يكون الإنسان واعيًا ومدركًا لجذور هذه العلوم ومخاطرها، وأن يوازن بين البحث عن التطوير الذاتي والتمسك بالقيم الدينية والعقلانية.
وأخيرًا، يبقى الدعاء الصادق والبحث عن الحق من أهم وسائل الهداية: "اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه."
https://www.youtube.com/watch?v=vcUOF87LZGo