اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الدعاء: عبادة عظيمة وقوة تربطنا بالله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا ساعة مباركة، وأن يرزقنا الإخلاص والقبول،

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
4 دقائق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا ساعة مباركة، وأن يرزقنا الإخلاص والقبول، وأن يهدينا سبل السلام ويخرجنا من الظلمات إلى النور.

في هذا المقال سنتناول عبادة عظيمة لها أثر كبير في حياة المسلم، بل هي من أهم العبادات القلبية واللسانية التي تربط العبد بربه، وتمنحه السكينة والقوة والأمل مهما كانت الظروف. إنها عبادة الدعاء.

منزلة الدعاء في الإسلام

الدعاء ليس مجرد طلب أو أمنية يرفعها الإنسان إلى الله، بل هو تعبير عن أقصى درجات التذلل والافتقار بين يدي الله عز وجل، وإظهار الحاجة والضعف أمام قدرته سبحانه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"، ويقول أيضًا: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".

إن الدعاء يجمع بين الاعتقاد الجازم بقدرة الله، والتسليم الكامل لمشيئته، واليقين بأنه وحده القادر على كل شيء. ولهذا كان الدعاء من أعظم العبادات، بل هو جوهر العبادة وروحها.

معاني الدعاء في القرآن الكريم

لفظ الدعاء في القرآن الكريم جاء بعدة معانٍ، منها:

  • القول والنداء: كما في قوله تعالى: "ولا تسمع الصم الدعاء" (أي النداء).
  • العبادة: "قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا" (أي أعبد).
  • الاستعانة والاستغاثة: "وادعوا شهداءكم من دون الله" (أي استعينوا بهم).
  • العقوبة والعذاب: "تدعو من أدبر وتولى" (أي تعاقب).
  • العرض والسؤال: "ادعوني أستجب لكم" (أي اسألوني).

وهذا يوضح سعة اللغة العربية، وضرورة فهم السياق عند تفسير النصوص.

أنواع الدعاء

ذكر العلماء أن الدعاء نوعان:

  • دعاء العبادة: وهو كل عمل صالح يقصد به وجه الله، مثل الصلاة والصيام والزكاة وترك المحرمات. فحينما نؤدي هذه العبادات رغبة في رضا الله ودخول الجنة والنجاة من النار، فكأننا ندعو الله بأفعالنا أن يحقق لنا هذه الغايات.
  • دعاء المسألة: وهو الطلب الصريح، كأن نقول: "اللهم اغفر لي، اللهم ارزقني، اللهم اشفني". وهذا النوع هو الأشهر والأكثر تداولًا بين الناس.

وهكذا، تصبح حياة المسلم كلها دعاء، سواء بالفعل أو بالقول.

لماذا يحارب البعض عبادة الدعاء؟

في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض المفاهيم المغلوطة التي تحاول تشويه معنى العبادة والدعاء، خاصة من بعض دعاة "الطاقة" أو من يروجون لمفاهيم غريبة عن الإسلام. يقول بعضهم: "الصلاة والصيام ليست عبادة، بل هي مجرد شحن للطاقة"، أو "الدعاء لا بد أن يكون فقط في اللحظة الحاضرة"، أو "لا داعي للتذلل أو الانكسار أثناء الدعاء".

هذه الأفكار تشوه مفهوم العبادة الحقيقي، وتفصل المسلم تدريجيًا عن ربه، وتجعله يعتمد على نفسه أو على قوى أخرى غير الله. علينا أن ننتبه لهذه الانحرافات، وأن نعود للمصادر الأصيلة في فهم ديننا.

آداب الدعاء

للدعاء آداب عظيمة ذكرها العلماء، منها:

  • الإخلاص لله: أن يكون الدعاء خالصًا لله، بعيدًا عن الرياء أو طلب المدح من الناس.
  • الانكسار والخشوع: أن يظهر العبد ذله وحاجته وضعفه أمام الله، ويشعر أنه عبد فقير بين يدي ملك الملوك.
  • الثناء على الله: أن يبدأ الدعاء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
  • الجزم في الدعاء: أن يدعو العبد بيقين وثقة في الإجابة، دون تردد أو شك.
  • عدم الاستعجال: لا يجوز أن يقول: "دعوت فلم يستجب لي"، بل يواصل الدعاء ويوقن أن الله سيستجيب في الوقت المناسب، أو يدخر له الخير في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء ما هو خير له.
  • تحري الأوقات الفاضلة: كالدعاء في السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، ويوم عرفة، وفي رمضان وليلة القدر.
  • رفع اليدين: من السنة رفع اليدين في الدعاء خارج الصلاة، وجمع الكفين مقابل الوجه.
  • خفض الصوت: أن يكون الصوت بين الجهر والإسرار، فلا يصرخ ولا يهمس، بل يدعو بخشوع وأدب.
  • عدم التكلف في الألفاظ: يدعو بما تيسر له من الأدعية النبوية أو بما يجري على لسانه دون تكلف أو تصنع في السجع.
  • الإلحاح في الدعاء: يكرر الدعاء ولا يمل، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.

فضل الدعاء وأثره في النفس

الدعاء يربط العبد بربه، ويمنحه راحة نفسية عظيمة حتى وإن لم تتحقق مطالبه في الدنيا؛ لأن مجرد الوقوف بين يدي الله، وبث الشكوى له، والبكاء بين يديه، يفرج الهم ويشرح الصدر ويقوي الإيمان.

وقد قال الله تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان". لاحظي كيف حذف الله لفظ "قل"، ليكون الخطاب مباشرًا بين العبد وربه، في إشارة إلى قرب الله من عباده، وأنه يسمعهم ويستجيب لهم.

أخطاء شائعة في الدعاء

من الأخطاء التي يقع فيها البعض:

  • الاعتقاد أن الدعاء لا يستجاب إلا إذا كان للحاضر فقط، وهذا غير صحيح؛ فالدعاء للماضي والمستقبل جائز ومشروع.
  • ترك التفاصيل في الدعاء، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بأدعية مفصلة.
  • اعتقاد أن الدعاء يجب أن يكون بصيغة الأوامر، وهذا ينافي الأدب مع الله.
  • الاستهانة بالانكسار والبكاء أثناء الدعاء، مع أن الله يحب تضرع عبده وانكساره.
  • الاستعجال وترك الدعاء إذا تأخرت الإجابة.

خلاصة

الدعاء هو صلة العبد بربه، وهو أعظم أسباب الفرج والراحة النفسية وتحقيق المطالب. علينا أن نتمسك بهذه العبادة العظيمة، وأن نؤديها بأدب وخشوع وإخلاص، وأن نحذر من المفاهيم الدخيلة التي تحاول تشويهها أو التقليل من شأنها.

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعلنا من عباده الداعين المخبتين، وأن يشرح صدورنا وييسر أمورنا ويغفر ذنوبنا، وأن ينصر المسلمين في كل مكان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

للمزيد: في اللقاء القادم بإذن الله، سنكمل الحديث عن أحوال وأوقات استجابة الدعاء، وبعض القصص الواقعية عن أثر الدعاء في حياة المؤمنين.

https://www.youtube.com/watch?v=iXTyBAqHLFU

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك