اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الدعاء: مفهومه، آدابه، وأخطاؤه الشائعة بين الهدي النبوي والمفاهيم المعاصرة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذا المقال سنتناول موضوع الدعاء، وهو من أعظم

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذا المقال سنتناول موضوع الدعاء، وهو من أعظم العبادات وأقربها إلى قلب المسلم، وسنتعرف على آدابه، وأسباب استجابته، وموانعها، كما سنناقش بعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة حوله، خاصة تلك التي روج لها بعض مدربي الطاقة.

أهمية الدعاء في حياة المسلم

الدعاء هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هناك شيء أكرم على الله من الدعاء. فالدعاء صلة مباشرة بين العبد وربه، وهو وسيلة لطلب الرحمة والمغفرة والهداية والرزق وكل ما يحتاجه الإنسان في دنياه وآخرته.

آداب الدعاء

للدعاء آداب عظيمة ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، منها:

  • الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لله، بعيدًا عن الرياء أو طلب المدح من الناس.
  • التضرع والخشوع: أن يظهر العبد ذله وحاجته بين يدي الله، ويستشعر عظمته وقدرته.
  • اليقين بالإجابة: أن يوقن بأن الله يسمع دعاءه وقادر على إجابته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
  • الإلحاح وعدم الاستعجال: أن يكرر الدعاء ويلح فيه، وألا يستعجل الإجابة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي".
  • استقبال القبلة ورفع اليدين: من سنن الدعاء استقبال القبلة ورفع اليدين.
  • البدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي: قبل الدعاء، يُستحب أن يبدأ العبد بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

هل يُشترط تحقق جميع آداب الدعاء؟

ذكر العلماء أن استجماع آداب الدعاء يجعل الإجابة أقرب، لكن لو حصل تقصير في بعض الآداب، فهذا لا يمنع إجابة الدعاء بإذن الله، فالله أكرم وأرحم من أن يرد عبده إذا دعاه بصدق وإخلاص.

أقسام الدعاء

ينقسم الدعاء إلى قسمين رئيسيين:

  • دعاء العبادة: وهو كل عبادة يتقرب بها العبد إلى الله، مثل الصلاة والصيام والزكاة، فكلها تتضمن دعاءً ضمنيًا.
  • دعاء المسألة: وهو طلب الحاجة من الله، كأن يقول: "اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم اشفني".

وغالبًا ما يؤدي دعاء العبادة إلى دعاء المسألة، فحينما يؤدي العبد العبادات، فهو في الحقيقة يطلب رضا الله والجنة والنجاة من النار.

كيف يستجيب الله للدعاء؟

جاء في الحديث النبوي أن الله يستجيب للدعاء بإحدى ثلاث طرق:

  • أن يُعطى السائل ما طلب.
  • أو يصرف عنه من السوء مثل ما دعا.
  • أو يدخر له أجر الدعاء في الآخرة.

وهذا يبعث في النفس الطمأنينة واليقين بعدل الله وكرمه، ويحث المسلم على الاستمرار في الدعاء دون يأس أو ملل.

موانع استجابة الدعاء

كما أن هناك أسبابًا لقبول الدعاء، فهناك موانع قد تمنع إجابته، منها:

  • الاستعجال واليأس: أن يقول الداعي: "دعوت ودعوت فلم يُستجب لي"، فيترك الدعاء يائسًا، وهذا من أسباب الحرمان.
  • أكل الحرام: كأن يكون مطعمه أو مشربه أو ملبسه من الحرام، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء ويقول: "يا رب، يا رب" ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، فأنى يُستجاب له؟
  • الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: لا يُستجاب الدعاء إذا كان فيه طلب معصية أو قطيعة رحم.
  • الاعتداء في الدعاء: كالدعاء بالمستحيل شرعًا أو كونيًا، أو الدعاء بما لا يليق بالله عز وجل.

أخطاء ومفاهيم خاطئة حول الدعاء

انتشرت في السنوات الأخيرة مفاهيم دخيلة على الدين مثل "رفع الطاقة" و"قانون الجذب" و"جلسات التأمل" التي يُزعم أنها تؤثر في استجابة الدعاء. ويُروج بعض المدربين لفكرة أن تكرار عبارات معينة أو الجلوس بوضعيات خاصة أو استشعار "ذبذبات" معينة يجلب الاستجابة، وهذا لا أصل له في الشرع.

الدعاء عبادة قلبية ولسانية، لا يحتاج إلى طقوس أو جلسات خاصة أو استحضار طاقات وهمية. الاستجابة من الله وحده، وليست نتيجة ذبذبات أو طاقات.

من الاعتداء في الدعاء أن يأمر العبد ربه أو يستخدم عبارات فيها سوء أدب، كأن يقول: "أمرك أن تعطيني كذا"، أو يكرر عبارات مثل "لقد تم، لقد تم" توهمًا بأن الدعاء صار أمرًا واجب التنفيذ. هذا مخالف لأدب العبودية والانكسار بين يدي الله.

لا يجوز الدعاء بما هو مستحيل شرعًا، كأن يطلب الإنسان الخلود في الدنيا أو أن يكون نبيًا، فهذا مخالف لسنة الله في الكون. كما لا يصح أن يطلب العبد ما لا يستحقه أو يظن أنه يستحق كل شيء لمجرد أنه دعا.

ينبغي أن يكون الدعاء بألفاظ تليق بجلال الله، وأن يتجنب العبد الألفاظ المبتدعة أو الأدعية التي فيها تجاوز أو سوء أدب.

أنواع التوسل المشروع في الدعاء

التوسل هو التقرب إلى الله بوسيلة مشروعة قبل الدعاء، ومن أنواعه:

  • التوسل بأسماء الله وصفاته: كأن يقول: "يا رحمن، يا رحيم، يا غفور".
  • التوسل بتوحيد الله: مثل دعاء يونس عليه السلام: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
  • التوسل بالأعمال الصالحة: كما في قصة أصحاب الغار الذين توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة ففرّج الله عنهم الكرب.
  • التوسل بالإيمان: كما في قول المؤمنين: "ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا".

أما التوسل الممنوع فهو ما لم يرد به دليل من القرآن أو السنة، وقد يكون بدعة أو وسيلة إلى الشرك.

الدعاء في حياة المسلم اليومية

الدعاء ليس مرتبطًا فقط بأوقات الشدة، بل هو ملازم للمسلم في كل أحواله. من سنن النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الذكر والدعاء في كل المواقف: عند الطعام، عند الدخول والخروج من المنزل، عند النوم والاستيقاظ، في الصباح والمساء، وغيرها من المناسبات.

الدعاء واليقين والفقر إلى الله

من أعظم أسرار الدعاء أن يشعر العبد بفقره وحاجته إلى الله، ويُكثر من الثناء عليه، ويعترف بعجزه وضعفه. كلما ازداد العبد فقرًا لله، ازداد قربًا منه، وفتح الله له أبواب العطاء والهداية.

خاتمة وحديث قدسي عظيم

نختم بحديث قدسي عظيم يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، يبين فيه شمول رحمة الله وكرمه وفضله:

"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم..." (رواه مسلم)

وصايا ختامية

  • اجعل الدعاء جزءًا من حياتك اليومية.
  • التزم بآدابه وتجنب الاعتداء فيه.
  • ابتعد عن المفاهيم الدخيلة والبدع.
  • احرص على التوسل المشروع.
  • استشعر فقر قلبك إلى الله، وأكثر الثناء عليه.
  • ثق أن الله يسمعك ويجيبك بما فيه الخير لك في الدنيا والآخرة.

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في الدعاء، وأن يتقبل منا، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

https://www.youtube.com/watch?v=ZC-2pjNkTN0

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك