🔵 الدكتور / أيمن العنقري ( أهم خصائص الفلسفة الروحانية الحديثة وأهدافها )
بقلم: د. أيمن العنقري قناة سحر اليوغا والطاقة في السنوات الأخيرة، انتشرت الفلسفة الروحانية الحديثة بشكل واسع في العالم، وأصبحت موضوعًا للنقاش وال
أهم خصائص الفلسفة الروحانية الحديثة وأهدافها
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت الفلسفة الروحانية الحديثة بشكل واسع في العالم، وأصبحت موضوعًا للنقاش والاهتمام في العديد من الدوائر الفكرية والثقافية. فما هي أبرز خصائص هذه الفلسفة؟ وما مصادرها وأهدافها؟ في هذا المقال، نستعرض أهم سمات الفلسفة الروحانية الحديثة، ونحلل أفكارها ومصادرها، ونناقش مدى تأثيرها على الفرد والمجتمع.
1. التمرد على الأديان والمعتقدات
من أبرز خصائص الفلسفة الروحانية الحديثة أنها تقوم على رفض الأديان التقليدية والتمرد على المعتقدات الموروثة. يرى رواد هذه الفلسفة أن الأديان تشكل عائقًا أمام الوصول للحقيقة الروحية، ويعتبرون البحث الذاتي والتجربة الفردية هما السبيل الأوحد لاكتشاف الحقائق الروحية.
يقول أوشو في كتابه "الثورة: لعبة الحقائق":
"المعتقدات والرموز والأمثلة والأيديولوجيات والنصوص ما هي إلا غبار متراكم على عينيك، والمعجزة أنك لا تزال قادرًا على رؤية القليل الذي تراه حتى ذلك القدر القليل لا يجب أن يكون ممكنًا مع تلك الكمية من الغبار."
ويؤكد أوشو على ضرورة التخلي عن جميع المعتقدات والرموز ليصبح الإنسان حرًا في بحثه عن الحقيقة. كما يحذر في كتابه "حكمة الرمال: محادثات عن الصوفية" من الانتماء لأي نظام اعتقادي، ويقول:
"إياك أن تكون أبدًا جزءًا من نظام المعتقدات، لا تكن هندوسيًا ولا مسلمًا ولا بوذيًا، عندما تصبح جزءًا من نظام المعتقدات فإنك تصبح عبدًا."
ويؤكد واين داير في كتابه "قوة العزيمة" أن العلاقة الروحية لا تقوم على أساس الدين، بل تركز على تجليات الروح في كل مكان. ويضيف ديباك تشوبرا في كتابه "الحلول الروحية" أن الروحانية أوسع بكثير من أي ديانة أو معتقد.
أما إكهارت تول في كتابه "صوت السكينة" فيرى أن العقائد والديانات والسياسة كلها نشأت من اعتقاد خاطئ بأن التفكير يمكن أن يلخص الحقيقة أو الواقع، ويصف العقائد بأنها "سجون جماعية ممنهجة".
بناءً على ذلك، يرى الروحانيون أن الروحانية الحقيقية تعارض أي منظومة دينية، ويعتبرون وسيلة النجاة هي الغنوص (المعرفة الباطنية) والبحث الذاتي من خلال التجربة الذاتية. وبهذا، تتحول الروحانية الحديثة إلى نوع من "الإلحاد الروحاني" حيث يُنظر إلى الإنسان كخالق لقدراته، وقادر على شفاء ذاته بنفسه، دون الحاجة إلى قوة خارجية.
2. التأثر بالفلسفات الشرقية الباطنية
من الخصائص المهمة للفلسفة الروحانية الحديثة أنها مستمدة بشكل كبير من الفلسفات الشرقية مثل الهندوسية والبوذية والطاوية. وتعتبر نصوص "الأوبانيشاد" الهندوسية من أهم مصادر هذه الفلسفة، حيث تقوم على عقيدة "وحدة الوجود" (أي أن الإله موجود في كل الكائنات).
يستشهد واين داير بنصوص الأوبانيشاد في كتابه "النقلة"، ويقول:
"عندما يدرك الإنسان الذكي أن الذات هي كل الأشياء، فأي حزن وأي متاعب قد تواجه إنسانًا يتفهم الوحدة؟"
ويشير ديباك تشوبرا في كتابه "القوانين الروحية السبعة لليوغا" إلى أن التأمل هو استكشاف العالم الداخلي، وليس فقط العالم الخارجي.
أما إكهارت تول في كتابه "أرض جديدة"، فيستشهد بنص من الأوبانيشاد يقول:
"ما لا يمكن رؤيته بالعين ولكن بواسطته ترى العين... اعلم أنه ليس إلا البراهمن (الروح)، لا ما يعبده الناس هنا."
إلى جانب الفلسفات الشرقية، تعد كتابات هرمس الوثني صاحب كتب التنجيم والسحر من المصادر المؤثرة في الفلسفة الروحانية الحديثة.
3. القول بنسبية الحقيقة ووحدة الأديان
تنتشر في الفلسفة الروحانية الحديثة فكرة نسبية الحقيقة، أي أنه لا يوجد دين أو معتقد أو خلق ثابت يمكن الجزم بصحته، بل كل شيء نسبي. فالإسلام – بحسبهم – فيه جزء من الحقيقة، وكذلك الإلحاد، ولا ينبغي للإنسان أن يعتقد يقينًا بصحة دينه أو أخلاقه.
يقول ديباك تشوبرا، مستشهدًا بكريشنا في اليوغا:
"الخير والشر، اللذة والألم، الخسارة والكسب، وجهان لعملة واحدة."
ويؤكد على وحدة الأديان بقوله:
"نحن عبارة عن وعي واحد موجود في العقل السماوي."
هذه الفكرة تؤدي إلى القول بأن كل الأديان متساوية، وأن الحقيقة نسبية ومتغيرة حسب منظور كل فرد. ويرتبط ذلك بمفهوم "قانون الجذب" و"قانون النية"، حيث يُزعم أن الأفكار المجردة تؤثر في الواقع المادي، وأن الواقع مجرد انعكاس لرغبات الإنسان وتصوره.
هذه الأفكار – كما يوضح الكاتب – تتعارض مع الفطرة والعقل، وتناقض أصل الإيمان القائم على اليقين المطلق. ويذكر ابن تيمية أن القول بعدم وجود حق معين هو خطأ، فلابد في نفس الأمر من حق معين، وأن الإسلام هو الدين الحق وما سواه باطل.
4. الاكتفاء بالمصادر الداخلية للهداية الروحية
تحدد الفلسفة الروحانية الحديثة الهداية الروحية بالمصادر الداخلية الذاتية، وتقرر الاكتفاء بالروحانية التي تأتي من الداخل. يقول واين داير في كتابه "رغبات محققة":
"ذاتك السامية بضعه من المصدر الخلاق، إنه يسكن داخلك، مملكة السماوات موجودة في داخلك، الحقيقة أنها أنت."
5. التأثر بالتصوف الفلسفي الغالي
تتضح في الفلسفة الروحانية الحديثة مظاهر التأثر بالتصوف الفلسفي الغالي، وخاصة في عقيدة وحدة الوجود وتبجيل رموز الصوفية مثل الحلاج وجلال الدين الرومي وابن عربي.
يكثر الروحانيون المعاصرون من الاستشهاد بأقوال الحلاج، الذي قال في ديوانه:
"رأيت ربي بعين قلبي، فقلت من أنت؟ قال أنت هو."
ويعبر أوشو عن إعجابه بالحلاج ويعتبره من أعظم الحكماء والزهاد في الصوفية. كما يبدي واين داير إعجابه بجلال الدين الرومي ويقول إنه قرأ كل كتبه، ويعتبره شخصية مهمة تجاوزت الحدود القومية والدينية.
أما ديباك تشوبرا فيستشهد بكلام جلال الدين الرومي عن أن الإله هو الحب، ويقول:
"عندما ترى جمالك تكون معبود نفسك."
كل ذلك يوضح الصلة الوثيقة بين الروحانية الحديثة والتصوف الفلسفي الغالي في مصادر التلقي والأفكار.
6. التركيز على الحب واستبعاد الخوف من الله
من خصائص الفلسفة الروحانية الحديثة التنفير من عبادة الخوف من الله، واعتبارها عائقًا للوصول للحقيقة الكامنة في الداخل. يرى الروحانيون أن الوصول الحقيقي للروح يكون عبر السلام الداخلي والحب، ويصرحون بأن الإله هو الحب.
يقول أوشو:
"الإله الحقيقي ليس نتاج الخوف أبدًا، فكيف له أن يظهر؟ الإله الحقيقي يظهر من الحب."
ويحذر أوشو من الخوف ويعتبره مدمرًا للحياة، ويؤكد جلال الدين الرومي على أن الصلاة يجب ألا تكون تعبيرًا عن الخوف. أما واين داير فيقول إن المعلمين الروحيين أخبروه أن الإله هو الحب.
ويضيف ديباك تشوبرا:
"من لا يحب لا يعرف الإله، لأن الإله هو الحب."
ويشير ابن تيمية إلى أن من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، لأن استبعاد الخوف يؤدي إلى التجرؤ على الذنوب والمعاصي، بينما كان سبيل الأنبياء الجمع بين الرجاء والخوف والخشية.
خاتمة
الفلسفة الروحانية الحديثة تحمل في طياتها العديد من الأفكار والمفاهيم المستمدة من الفلسفات الشرقية والتصوف الفلسفي الغالي، وتقوم على التمرد على الأديان والمعتقدات، ونسبية الحقيقة، والاكتفاء بالبحث الذاتي، والتركيز على الحب واستبعاد الخوف. ورغم ما تحمله من دعوات للسلام الداخلي والتسامح، إلا أنها تفتقد إلى الأسس الثابتة التي تقوم عليها الأديان السماوية، وتبتعد عن اليقين الذي هو أساس الإيمان.
إن فهم هذه الخصائص يساعدنا على تحليل هذه الفلسفة ونقدها، ويدعونا إلى التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية الثابتة التي تحقق التوازن في حياة الإنسان.