الفلسفات الشرقية وبرامج الطاقة في العالم المعاصر: قراءة نقدية شاملة
في السنوات الأخيرة، شهد العالم العربي والإسلامي انتشارًا واسعًا لبرامج التدريب والتنمية البشرية والعلاج البديل، والتي تستند في جوهرها إلى فلسفات شرقية
في السنوات الأخيرة، شهد العالم العربي والإسلامي انتشارًا واسعًا لبرامج التدريب والتنمية البشرية والعلاج البديل، والتي تستند في جوهرها إلى فلسفات شرقية وعقائد وثنية، غالبًا ما يتم تقديمها في قوالب عصرية أو حتى بلمسات دينية إسلامية. في هذا المقال، نستعرض أبرز هذه البرامج والمفاهيم، ونحلل أصولها الفلسفية ومخاطرها على العقيدة والمجتمع، مستندين إلى كتاب الدكتورة فوز كردي "أثر الفلسفة الشرقية والعقائد الوثنية في برامج التدريب والاستشفاء المعاصرة" ونقاشات مختصين وناجين من هذه التجارب.
الجسد الأثيري: جوهر الفلسفة الشرقية
يعد مفهوم "الجسد الأثيري" من الركائز الأساسية في الفلسفات الشرقية، كالهندوسية والبوذية، حيث يُعتقد أن لكل كائن حي سبعة أجساد تبدأ بالجسد المادي وتنتهي بالجسد الأثيري، وهو جسد غير مرئي يحيط بالجسد الفيزيائي ويعتبر مسؤولًا عن الطاقة الحيوية والحياة والنشاط. يُزعم أن هذا الجسد هو المدخل للحاسة السادسة، وأنه لا ينفصل عن الجسد المادي إلا بالموت، وتوجد عليه منافذ "الشاكرات" التي يُعتقد أنها بوابات الطاقة الكونية إلى البدن.
انتشر هذا المفهوم بشكل أوسع عبر حركة "العصر الجديد" (New Age) في الغرب، التي جمعت بين عناصر من الفلسفات الشرقية والعلوم الباطنية والتقنيات الحديثة، وظهر في كتابات شخصيات مثل هيلينا بلافاتسكي وأني بيسانت. يستخدم مفهوم الجسد الأثيري في ممارسات العلاج بالطاقة مثل الريكي، والبرانا، والشفاء بالأحجار الكريمة، والتأملات التي تهدف إلى "تنقية وتفعيل" هذا الجسد لزيادة الوعي الروحي.
الشاكرات والأحجار والمانترا
بحسب الفلسفة الشرقية، لكل شاكرة اسم خاص، وقدرة وطاقة ورمز مقدس أو إله، ولون يؤثر في فعاليتها، وتتجلى طاقتها في نوع معين من الأحجار الكريمة. من أسرار تنشيط الشاكرات ترديد "المانترا"، وهي ترانيم تعتبر المفتاح السحري للطاقة اللامحدودة، ويُزعم أنها تمنح قوى خارقة وتحقيق السعادة والصحة والحكمة.
غاية الحياة في الفلسفات الشرقية: النيرفانا والتحرر
تسعى الفلسفات الشرقية للوصول إلى حالة "النيرفانا"، وهي التحرر التام من رغبات الجسد والعقل، حيث ترتقي الروح وتتحرر من دائرة الحياة والموت. يرى الهندوس والبوذيون أن الكون عبارة عن روح واحدة كبرى (براهمن)، وأن الأرواح انفصلت عنها بسبب أفعالها في الحيوات السابقة (الكارما)، ويهدف الإنسان للعودة إلى هذا المصدر عبر التأملات والرياضات الروحية والابتعاد عن الشهوات.
يروج المعالجون الروحانيون لفكرة أن الروح هي التي تتصل بالعقل الكوني، وأن الإيمان برسالة "الماستر" أو المرشد الروحاني، والقدرة على جذب القدر وصناعة المستقبل، هي الطريق لتحقيق السمو الروحي. في برامجهم التدريبية، تبدأ الرحلة بتطبيقات عملية مثل الأنظمة الغذائية (المايكروبيوتك)، والابتعاد عن اللحوم، وممارسة التأملات والتنفس وتمارين الشاكرات، وترديد المانترا، بهدف تسهيل الدخول في حالة "اللاوعي" أو "العقل الباطن".
أثر هذه الفلسفات على الفرد والمجتمع
من خلال الانخراط في هذه البرامج، يطرأ على الفرد تغيرات جذرية في المعتقدات والاهتمامات والمهارات والعلاقات والقدوات. يصبح كل شيء نسبيًا، وتُميَّع الحدود بين الخير والشر، وتُقطع العلاقات مع الأهل والأصدقاء بحجة اختلاف الوعي، وتتحول القدوات إلى رموز روحانية أو حتى شياطين الإنس، وينشأ مجتمع منعزل يسمى "العائلة الروحية". مع الوقت، تنعدم المشاعر والأخلاق، وتغلب الأنانية والفردانية، ويصبح الإنسان غير مكترث بماضيه أو مستقبله.
تسويق الفلسفات الشرقية في برامج التدريب والاستشفاء
دخلت هذه الفلسفات إلى العالم الإسلامي عبر برامج التنمية البشرية والطب البديل، تحت أسماء براقة مثل "الطاقة الروحية"، "قوة الحياة"، "الشفاء الذاتي"، "الطاقة الكونية"، وغيرها. يتم الترويج لها على أنها علوم حديثة أو حتى متوافقة مع الدين، في حين أنها في الأصل عقائد وثنية وفلسفات باطنية لا تعترف بالوحي، وتروج لوحدة الوجود وإنكار الخالق الحق.
أمثلة على البرامج المنتشرة
- التنفس التحولي: تدريبات على استشعار تدفق الطاقة (البرانا) في الجسم، تهدف لتحقيق الاسترخاء والنشوة والتخلص من الطاقات السلبية.
- التأمل التجاوزي: نوع من التأمل الهندوسي يهدف للوصول إلى النيرفانا عبر الاسترخاء العميق وترديد المانترا.
- الريكي: برنامج ياباني للعلاج بالطاقة الكونية، يدعي منح قوى شفاء ذاتية بمجرد اللمس أو حتى عن بعد.
- المايكروبيوتك: نظام غذائي وروحي يروج لتنظيم الحياة بما يتناسب مع تدفق الطاقة الكونية.
- اليوغا: تمارين روحية وجسدية تهدف لتحقيق الاتحاد مع الذات الكونية، تتضمن وضعيات وترديدات مرتبطة بآلهة الهندوس.
- التاي تشي والتشي كونغ: فنون قتالية وتمارين صينية تركز على تنمية الطاقة الكونية وتطبيق فلسفة الين واليانغ.
- الفينغ شوي: فلسفة صينية تهدف لموازنة الطاقة في المكان عبر اختيار مواقع وأشكال هندسية معينة.
- العلاج بالأحجار الكريمة والألوان والأهرام: ممارسات تعتمد على خصائص رمزية للأحجار والألوان والأشكال الهندسية في تحقيق الشفاء وجلب الحظ.
- البرمجة اللغوية العصبية (NLP): برنامج تطوير ذاتي يجمع بين فرضيات فلسفية وتمارين نفسية، ويدعي إعادة صياغة الواقع الذهني للفرد.
- العلاج بخط الزمن: تقنيات لاسترجاع أحداث الماضي وتعديلها عبر التأملات الطاقية، بزعم شفاء الصدمات النفسية.
- العلاج بالتربيت (EFT): برنامج يعتمد على النقر على نقاط معينة في الجسم أثناء ترديد عبارات إيجابية، بزعم إعادة توازن الطاقة وعلاج الأمراض النفسية والجسدية.
نقد علمي وشرعي لهذه البرامج
أثبتت الدراسات العلمية أن معظم هذه البرامج تندرج تحت ما يسمى "العلوم الزائفة"، ولا تستند إلى أدلة علمية راسخة. كثير من الجامعات والمعاهد التي تمنح شهادات في هذه العلوم غير معترف بها أكاديميًا، وغالبًا ما تكون جزءًا من شبكات تسويق أو لوبيات عالمية تهدف للربح ونشر عقائد باطنية.
من الناحية الشرعية، فإن هذه الفلسفات تتعارض مع العقيدة الإسلامية في التوحيد والإيمان بالغيب، وتروج لمفاهيم وحدة الوجود، وتناسخ الأرواح، والاعتماد على قوى كونية غير الله عز وجل، بل وتستبدل الدعاء والعبادة لله بتقنيات وطقوس شركية.
توصيات هامة
- رفع الوعي العام: ضرورة توعية المجتمع، وخاصة المسؤولين عن الطب البديل والتدريب، بحقيقة هذه البرامج ومخاطرها، وعدم منحها تراخيص رسمية.
- التحقق من الأصول: البحث في أصل كل ممارسة أو برنامج قبل الانخراط فيه، وعدم الانخداع بالمصطلحات العلمية أو الدينية المزيفة.
- التمسك بالوحي والعقيدة الصحيحة: العودة إلى القرآن والسنة وكتب العقيدة، وعدم استبدالها بأي فلسفات أو تقنيات مستوردة.
- الدعوة للعلم الصحيح: دعم الجمعيات العلمية التي تكشف العلوم الزائفة، ونشر ثقافة النقد العلمي.
- عدم الاستهانة بالتوبة: لمن وقع في هذه الممارسات، باب التوبة مفتوح، والله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن عباده، فلا داعي لليأس أو القلق من الماضي.
كلمة أخيرة
إن انتشار الفلسفات الشرقية وبرامج الطاقة في مجتمعاتنا ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو تحدٍ حقيقي لهوية الأمة وعقيدتها. الواجب على كل فرد أن يكون واعيًا ومدركًا لما يدور حوله، وأن يتحقق من كل ما يعرض عليه من برامج وممارسات، وألا ينجرف وراء الشعارات البراقة دون تمحيص. فالعقيدة أمانة، والوعي مسؤولية، والرجوع إلى الله هو الملاذ الآمن.
نسأل الله أن يهدينا للحق، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
للمزيد من المعلومات والتوثيق، يُنصح بالرجوع إلى كتاب "أثر الفلسفة الشرقية والعقائد الوثنية في برامج التدريب والاستشفاء المعاصرة" للدكتورة فوز كردي، والاستماع إلى شهادات المختصين والناجين من هذه التجارب.