الفرق بين الكارما وعقيدة الجزاء في الإسلام: رؤية شاملة
الحمد لله فاطر السماوات والأرض، خلقنا ورزقنا وكفانا وهدانا، وله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. نصلي ونسلم على نبينا محمد، النبي الأمين، الذي
الحمد لله فاطر السماوات والأرض، خلقنا ورزقنا وكفانا وهدانا، وله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. نصلي ونسلم على نبينا محمد، النبي الأمين، الذي جاءنا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
في هذا المقال، نسلط الضوء على موضوع بالغ الأهمية يكثر الحديث عنه في الأوساط المعرفية والدينية والاجتماعية، وهو مفهوم الكارما، وموقف الإسلام منه، وما الفرق بين الكارما وعقيدة الجزاء في الإسلام؟ سنوضح هذا الموضوع بشكل مبسط، متسلسل، ونعرض الأدلة والمقارنات التي تساعد القارئ على فهم حقيقة الأمر.
أولاً: مقدمة في الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان في الإسلام، وله أربع مراتب أساسية:
- العلم: أن الله تعالى علم كل شيء، علم ما كان وما سيكون، علم كل صغيرة وكبيرة، وهذا قبل خلق الخلق.
- الكتابة: كتب الله تعالى كل شيء في اللوح المحفوظ، فقد أمر القلم أن يكتب ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة.
- المشيئة: كل ما يحدث في الكون يجري بمشيئة الله، ومشيئته نوعان:
- كونية: تشمل كل شيء، مما يحبه الله وما لا يحبه، من خير وشر.
- شرعية: تختص بما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والطاعات.
- الخلق: الله خالق كل شيء، حتى أفعال العباد وأعمالهم، وكل ما في الكون.
ومع ذلك، للإنسان مشيئة واختيار في أفعاله، فهو مسؤول عن ما يختار من خير أو شر، ويحاسب عليه يوم القيامة.
ثانياً: الجزاء في الإسلام
عقيدة الجزاء في الإسلام تقوم على أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وليست دار جزاء نهائي. يقول الله تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً". الابتلاء يكون بالخير والشر، والغرض منه اختبار العبد، أما الجزاء الكامل فهو في الآخرة، حيث يبعث الإنسان ليحاسب على أعماله.
قد يُعجّل بعض الجزاء في الدنيا، كأن يُجازى الإنسان على بره بوالديه بأن يرزقه الله أبناء بررة، أو يُبتلى بعقوق الأبناء، لكن هذا ليس قاعدة حتمية، فكم من صالح ابتلي بأبناء عاقين، وكم من فاجر رزق أبناء صالحين! إذن، الدنيا ليست دار عدل مطلق، بل دار اختبار وابتلاء، والعدل الكامل يتحقق يوم القيامة.
ثالثاً: مفهوم الكارما ونقده من المنظور الإسلامي
ما هي الكارما؟
الكارما مفهوم هندي/بوذي الأصل، انتقل إلى بعض الحركات الفكرية الحديثة (العصر الجديد)، ويقوم على "قانون السبب والنتيجة"، أي أن كل ما تفعله من خير أو شر سيرتد عليك في هذه الحياة أو في حيوات سابقة أو لاحقة، حسب اعتقادهم في تناسخ الأرواح.
هل الكارما تشبه عقيدة الجزاء في الإسلام؟
قد يظهر تشابه ظاهري بين الكارما وقانون الجزاء في الإسلام، فكلاهما يتحدث عن نتائج الأفعال، لكن عند التدقيق نجد فروقاً جوهرية:
- الجزاء في الإسلام مرتبط بالإيمان بالآخرة: الجزاء الكامل ليس في الدنيا، بل في الحياة الآخرة، بعد البعث والنشور. أما الكارما فترتكز على فكرة تناسخ الأرواح، أي أن الروح تنتقل من جسد لآخر لتنال جزاءها، وهذا مرفوض في العقيدة الإسلامية.
- العدل الإلهي في الإسلام: الله تعالى لا يظلم أحداً، ولا يُحاسب أحداً على ذنب لم يرتكبه، ولا يُؤاخذ أحد بذنب غيره. أما الكارما فقد تفسر المصائب بأنها نتيجة أفعال في حياة سابقة، ما يُعد ظلماً بيّناً.
- القضاء والقدر: في الإسلام، كل شيء بقضاء الله وقدره، وليس الإنسان من يصنع قدره بالكامل كما تدعي الكارما.
- الابتلاء في الإسلام ليس دائماً عقوبة: قد يكون الابتلاء اختباراً، أو تمحيصاً للذنوب، أو رفعة للدرجات، وليس بالضرورة نتيجة ذنب.
رابعاً: أمثلة من القرآن والسنة
لنفهم الفروق بشكل أعمق، نعرض قصة نبي الله نوح عليه السلام، الذي ابتُلي بابنه الكافر وزوجته الكافرة، رغم أنه من أولي العزم من الرسل. فهل كان هذا جزاءً لذنب ارتكبه نوح؟ بالطبع لا. بل كان ابتلاءً واختباراً لصبره وإيمانه. وقد نجاه الله وأهلك ابنه الكافر، وبيّن أن النسب لا يغني عن العمل الصالح.
كذلك، كم من طاغية عاش في نعيم الدنيا ومات دون أن يُعاقب، وكم من مظلوم مات دون أن يرى عدل الله في الدنيا. لهذا، جاء الإيمان بالآخرة ليكمل العدل الإلهي، ويقتص لكل مظلوم، ويجازي كل محسن.
خامساً: لماذا انتشر مفهوم الكارما بين بعض المسلمين؟
قد يكون سبب اللبس هو التشابه الظاهري بين قانون الجزاء في الإسلام والكارما، أو نتيجة جهل ببعض تفاصيل العقيدة الإسلامية، أو تأثر بثقافات أجنبية. لكن الحقيقة أن الكارما تتعارض مع أصول الإيمان، فهي تنفي الإيمان بالآخرة، وتدعو إلى تناسخ الأرواح، وتُدخل الإنسان في دائرة من القلق والذنب الدائم، وتُبعده عن رحمة الله ومغفرته.
سادساً: الابتلاء في الإسلام
الابتلاء في الإسلام له حكم عظيمة، منها:
- عقوبة معجلة: أحياناً يكون الابتلاء عقوبة على ذنب.
- تكفير وتمحيص: يكفر الله به الذنوب ويرفع الدرجات.
- اختبار وامتحان: ليُظهر الصابرين ويُميز الصالحين.
- رحمة ورفعة: الأنبياء والصالحون أشد الناس بلاءً، وليس ذلك إلا رفعة لهم.
قال تعالى: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون".
سابعاً: رحمة الله فوق كل شيء
من أعظم الفروق بين الإسلام والكارما أن الله في الإسلام غفور رحيم، يقبل التوبة ويمحو الذنوب مهما عظمت، ويبدل السيئات حسنات. في الحديث: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان..."، وفي قصة البطاقة الشهيرة، يغفر الله لعبد كل ذنوبه بسبب كلمة التوحيد الصادقة.
ثامناً: خلاصة وموقف المسلم
- لا يجوز للمسلم أن يؤمن بالكارما أو يستخدمها حتى على سبيل المزاح، فهي عقيدة شركية تخالف أصول الإيمان.
- الإيمان بالقضاء والقدر، والجزاء في الآخرة، والرحمة الإلهية، هي ما يمنح المسلم الطمأنينة والثقة بعدل الله، مهما نزل به من ابتلاء أو ظلم.
- الدنيا دار ابتلاء، وليست دار جزاء كامل، والعدل المطلق يتحقق يوم القيامة.
- العودة إلى القرآن والسنة وفهم العقيدة الصحيحة، هو سبيل السعادة والنجاة من الأفكار الدخيلة.
دعاء ختامي
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، واجعلنا لك كما تحب وممن تحب وفي من تحب، وثبتنا على كلمة التوحيد حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين.
ختاماً: لنعد إلى ديننا وفطرتنا، ونترك هذه الخرافات والأفكار الدخيلة، ولنعلم أن الإسلام جاء بالرحمة والعدل والطمأنينة، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأن الجزاء الكامل يوم القيامة، وأن رحمة الله أوسع من كل شيء.
جزاكم الله خيراً، ونفعنا وإياكم بما علمنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
https://www.youtube.com/watch?v=d0CwqkL95js