اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الفراسة: بين العلم والادعاء – رحلة عبر التاريخ والمفاهيم الحديثة

مقدمة الفراسة من المواضيع التي أثارت الجدل في المجتمعات القديمة والحديثة على حد سواء. فهي علم قديم، ارتبط بمعرفة أحوال الناس وأخلاقهم من خلال ملامحهم

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

مقدمة

الفراسة من المواضيع التي أثارت الجدل في المجتمعات القديمة والحديثة على حد سواء. فهي علم قديم، ارتبط بمعرفة أحوال الناس وأخلاقهم من خلال ملامحهم وسلوكهم، وتطورت عبر العصور لتأخذ أشكالاً متعددة، حتى دخلت اليوم في مجالات الطاقة والتنمية البشرية والتحليل النفسي. في هذا المقال، سنأخذكم في رحلة عبر تاريخ الفراسة، ونستعرض مفاهيمها، ونوضح الفرق بينها وبين الكهانة، ونناقش كيف يمكن أن تكون مفيدة أو مضللة في عصرنا الحالي.

ما هي الفراسة؟

الفراسة، بكسر الفاء، تعني التثبت والنظر في الشيء، وهي الاستدلال بالأحوال الظاهرة في الجسد (كالوجه، ولون البشرة، وأعضاء الجسد) على الأحوال الباطنة وخفايا الأمور. وقد شبهها بعض العلماء بخاطر يهجم على القلب فجأة، كوثوب الأسد على فريسته.

جذور الفراسة في الحضارات القديمة

ظهرت الفراسة أول ما ظهرت عند الصينيين القدماء، حيث كانوا يقرؤون الوجوه لتشخيص الحالات المرضية ومعرفة جوانب الشخصية والتنبؤ بالمستقبل. أطلقوا عليها اسم "ميان شيانج" أي "معرفة السحنة". كما عُرفت الفراسة عند المصريين القدماء، ووجدت كتابات حولها على ورق البردي تعود لأكثر من 2000 سنة قبل الميلاد.

أما البابليون، فقد بحثوا في علم الفراسة إلى جانب علم الفلك والتنجيم. وفي اليونان، كان أرسطو من أوائل من كتبوا في علم الفراسة، حيث ربط بين ملامح وجه الإنسان وملامح الحيوانات، معتقداً أن من يشبه الأسد مثلاً يحمل صفات الشجاعة، ومن يشبه الثعلب يحمل صفات المكر.

وجاء بعده فيثاغورس، الذي كان يستخدم الفراسة لقبول التلاميذ في مدرسته، وأبو قراط الذي وضع نظرية "فراسة الأمزجة" المعتمدة على سوائل الجسم الأربعة (الدم، البلغم، الصفراء، والسوداء)، والتي اعتبرها أساساً لتحديد شخصية الإنسان.

في الهند، ظهرت نظريات مشابهة اعتمدت على العناصر الخمسة (النار، الماء، الهواء، التراب، والأثير)، وربطت بين هذه العناصر وطبائع الإنسان وسلوكه.

الفراسة عند العرب والمسلمين

كان للعرب نصيب كبير من الفراسة، خاصة في البادية، حيث استخدموها لمعرفة الأنساب والقبائل وحتى تتبع آثار الإبل. وقد اعتبر العرب الفراسة من علوم الطبيعة، ولم يربطوها بالدين قبل الإسلام.

مع ظهور الإسلام، ترسخت مفاهيم الفراسة ضمن إطار شرعي، وأصبحت مرتبطة بالاستدلال على الباطن من خلال الظاهر، ولكن دون ادعاء معرفة الغيب. من أشهر من عُرف بالفراسة في الإسلام الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وكذلك الإمام الشافعي الذي تعلم الفراسة في اليمن.

وقد صنف العلماء الفراسة إلى أنواع:

  • الفراسة الإيمانية: وهي هبة من الله للمؤمنين الصادقين.
  • الفراسة الخُلقية: الاستدلال بخلق الإنسان على أخلاقه.
  • الفراسة الرياضية: التي تأتي من كثرة التجربة والخبرة.

حذر العلماء من الغلو في الفراسة أو اعتبارها باباً من أبواب الكهانة، وأكدوا أنها لا تُبنى عليها أحكام قطعية، بل هي من باب غلبة الظن.

الفراسة في القرآن والسنة

وردت إشارات للفراسة في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: "تعرفهم بسيماهم" (البقرة: 273)، والتي تتحدث عن معرفة الفقراء من خلال ملامحهم وسلوكهم، وقوله تعالى: "إن في ذلك لآيات للمتوسمين" (الحجر: 75)، أي للمتفرسين الذين يدركون حقائق الأمور من ظاهرها.

أما في السنة النبوية، فقد ورد الحديث المشهور: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله"، إلا أن غالبية العلماء ضعفوا هذا الحديث، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الفراسة بين العلم والكهانة

مع تطور العلوم الحديثة، ظهرت مدارس عديدة تدعي تحليل الشخصية والفراسة من خلال الصوت، التوقيع، الخط، أو حتى الصور، وربطت ذلك بعلم الطاقة والتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية. إلا أن كثيراً من هذه المدارس تخلط بين الفراسة الحقيقية وبين الكهانة وادعاء علم الغيب.

من المهم أن نميز بين الفراسة المبنية على الملاحظة والخبرة (كأن يحكم الطبيب على حالة مريض من مظهره وأعراضه)، وبين الادعاء بمعرفة تفاصيل حياة الإنسان أو مستقبله دون أساس علمي أو شرعي، فهذا الأخير يدخل في باب الكهانة والتنجيم.

وقد حذر العلماء من الاعتماد على الفراسة في إصدار الأحكام أو اتخاذ القرارات المصيرية، وأكدوا أن الفراسة لا تُغني عن الأدلة الشرعية أو العلمية، ولا ينبغي أن تتحول إلى تجارة أو وسيلة لاستغلال الناس.

الفراسة الحديثة: بين العلم والزيف

في العصر الحديث، تطورت الفراسة لتشمل ما يُعرف بالـ "Personology" أو علم قراءة الوجه، وظهرت نظريات تربط بين ملامح الوجه وأنماط الشخصية، مثل ربط لون البشرة أو شكل الأنف أو العينين بسمات معينة. كما دخلت البرمجة اللغوية العصبية والطبائع الأربعة (النارية، الترابية، الهوائية، المائية) في تحليل الشخصيات.

لكن يجب الحذر، فالكثير من هذه العلوم تفتقر إلى الأسس العلمية الرصينة، وقد تؤدي إلى الظن السيء أو إصدار أحكام خاطئة على الناس. كما أن الأمراض النفسية أو الحالات الخاصة قد تُفسد أي محاولة لتحليل الشخصية بناءً على المظهر الخارجي فقط.

كيف نميز الفراسة الحقيقية من الكهانة؟

  • الاعتماد على الظاهر فقط: الفراسة الحقيقية تعتمد على ملاحظة الظواهر وربطها بالخبرة والتجربة، وليس على ادعاء معرفة الغيب أو تفاصيل خفية لم تظهر للعيان.
  • عدم إصدار أحكام قطعية: الفراسة من باب الظن، وليست يقيناً، ولا يجوز بناء الأحكام أو القرارات المصيرية عليها وحدها.
  • وجود أدوات قياس ومعايير واضحة: في الفراسة العلمية، هناك معايير وأدوات قياس واضحة، بينما في الكهانة نجد ادعاءات غامضة أو استناداً إلى الإلهام أو الحدس دون دليل.
  • الابتعاد عن استغلال الناس: الفراسة ليست تجارة، ولا ينبغي أن تُستخدم لاستغلال حاجات الناس أو خداعهم.
  • الاستعانة بالمرجعية الشرعية والعلمية: يجب الرجوع إلى العلماء والمتخصصين وعدم الانسياق وراء كل من يدعي القدرة على قراءة الغيب أو تحليل الشخصيات دون علم.

خلاصة ونصائح للمتعلم

  • الفراسة علم قديم له أصوله وتجلياته في مختلف الحضارات، لكنها ليست علماً غيبياً ولا وسيلة لمعرفة الأسرار الخفية.
  • في الإسلام، الفراسة هبة من الله أو خبرة مكتسبة، ولا يجوز الغلو فيها أو تحويلها إلى تجارة أو وسيلة للكهانة.
  • احذر من الدعاوى الزائفة التي تروج لتحليل الشخصية من خلال الصوت أو التوقيع أو الخط أو الصور دون أساس علمي.
  • إذا أردت أن تتعلم الفراسة، فاعلم أنها تحتاج إلى خبرة طويلة وملاحظة دقيقة، ولا تُغني عن الأدلة الشرعية أو العلمية.
  • لا تصدر أحكاماً على الناس من خلال الفراسة فقط، ولا تظلم أحداً بظنك أو حدسك.
  • تذكر أن الأصل في التعامل مع الناس هو حسن الظن، وأن الله وحده هو عالم الغيب.

ختاماً

الفراسة علم جميل إذا وُضع في نصابه الصحيح، واستُخدم كأداة للملاحظة والفهم، لا كوسيلة للادعاء أو الاستغلال أو إصدار الأحكام. فلنكن واعين لما نقرأ ونسمع، ولنميز بين العلم الحقيقي والزيف، ولنحرص على بناء معرفتنا على أسس راسخة من العلم والدين والخبرة.

هذا المقال خلاصة نقاش علمي عميق حول الفراسة، جمع بين التأصيل التاريخي والشرعي والعلمي، ليقدم لك رؤية متوازنة تساعدك على فهم هذا العلم وتجنب مخاطره في عصر كثرت فيه الشبهات والدعاوى الباطلة.

https://www.youtube.com/watch?v=WUmkLJSKHJY

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك