اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الفراسة بين الحقيقة والوهم: كيف نميز العلم من الخرافة؟

في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم مثل الفراسة، تحليل أنماط الشخصية، ولغة الجسد، حتى أصبح كثير من الناس يبحثون عن حلول سريعة لفهم أنفسهم والآ

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم مثل الفراسة، تحليل أنماط الشخصية، ولغة الجسد، حتى أصبح كثير من الناس يبحثون عن حلول سريعة لفهم أنفسهم والآخرين أو للتغلب على المشكلات السلوكية. ومع هذا الانتشار، ظهرت مدارس ودورات تدّعي القدرة على قراءة الأشخاص، تشخيص مشكلاتهم، وحتى علاجهم عبر ما يسمى "الوعي" أو "الطب الشعوري" أو "علوم الطاقة". فهل هذه العلوم حقيقية؟ وما الفرق بينها وبين العلم المبني على التجربة والدليل؟

في هذا المقال، سنستعرض أهم النقاط التي ناقشها مجموعة من المختصين والمهتمين في جلسة حوارية مطوّلة، لنكشف الفروق الجوهرية بين الفراسة الحقيقية والعلوم الزائفة، ونوضح كيف يمكن للباحث عن المعرفة أن يحمي نفسه من الوقوع في فخ الخرافة أو الاستغلال.

ما هي الفراسة؟ وهل هي علم؟

الفراسة في الأصل هي قدرة الإنسان على استنتاج بعض صفات الآخرين أو نواياهم من خلال الملاحظة الدقيقة لتصرفاتهم أو ملامحهم، وغالبًا ما ترتبط بالخبرة الطويلة والتجربة الحياتية. في التراث الإسلامي، وردت إشارات حول الفراسة، لكن دائمًا كانت مرتبطة بالنور الرباني أو الذكاء الفطري، وليست علماً مكتسباً من دورات أو كتب.

أما ما يُروّج له اليوم تحت مسمى "علم الفراسة" فهو في الغالب خليط من أفكار فلسفية قديمة، ونظريات غير مثبتة، وأحيانًا ممارسات طاقية أو روحانية لا تستند إلى أي دليل علمي.

مدارس الفراسة الحديثة: بين البرمجة اللغوية العصبية والعناصر الأربعة

كثير من الدورات الحديثة تعتمد على تقسيمات مثل: الأصفر، الأحمر، الأخضر، أو ربط الشخصية بالعناصر الأربعة (الماء، النار، الهواء، التراب)، أو حتى الأبراج. هذه التصنيفات غالبًا ما تعود لجذور فلسفية أو روحانية، وليست لها علاقة بالطب أو علم النفس الحديث.

حتى البرمجة اللغوية العصبية (NLP) التي تُستخدم في بعض هذه المدارس، لم تثبت فعاليتها علميًا، وغالبًا ما تعتمد على استبيانات وأسئلة عامة يمكن أن تنطبق على أي شخص.

لغة الجسد: علم أم خرافة؟

انتشرت كتب ودورات كثيرة حول "لغة الجسد"، تدّعي القدرة على كشف نوايا الأشخاص من خلال حركاتهم أو وضعياتهم. لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن لغة الجسد ليست علماً دقيقاً، وأن كثيراً من الحركات قد تكون مجرد عادات أو ردود أفعال لا إرادية، ولا يمكن الاعتماد عليها في إصدار أحكام قاطعة عن الآخرين.

حتى في مجالات مثل علم النفس الجنائي، تُستخدم ملاحظة السلوك فقط كمؤشر أولي، وليس كدليل قاطع، ويجب دعمها بأدلة أخرى.

الفراسة والعلوم الزائفة: أين يكمن الخطر؟

تكمن خطورة انتشار هذه العلوم الزائفة في عدة أمور:

  • الخلط بين العلم والوهم: كثير من الناس يظنون أن الفراسة أو تحليل الشخصية علم دقيق، بينما هي في الحقيقة مبنية على الظن والتخمين، وقد تؤدي إلى ظلم الناس أو إساءة الظن بهم.
  • استغلال حاجة الناس: يستغل بعض المدربين والمدارس رغبة الناس في فهم أنفسهم أو حل مشاكلهم، فيبيعون لهم دورات أو جلسات بمبالغ طائلة دون فائدة حقيقية.
  • ترويج معتقدات خطيرة: بعض هذه المدارس تروج لمفاهيم طاقية أو روحانية مخالفة للعقيدة، مثل الاعتماد على "الحدس"، "الرموز"، أو "الاستبصار"، وقد يصل الأمر إلى ممارسات شركية أو استحضار قوى غيبية.
  • تدمير العلاقات الاجتماعية: الاعتماد على الظن في الحكم على الآخرين قد يؤدي إلى الشك، القطيعة، أو حتى خراب البيوت.

الفراسة الحقيقية: الخبرة والحكمة لا تُباع في دورات

الفراسة الحقيقية ليست علماً يُكتسب من دورة أو كتاب، بل هي نتاج خبرة حياتية طويلة، وذكاء فطري، واحتكاك مباشر بالناس. فالأم مثلاً لديها فراسة في أبنائها لأنها تعرفهم جيداً، والطبيب المتمرس قد يلاحظ أعراضاً على مريضه من خلال ملامحه أو تصرفاته، لكن دائماً يستند إلى العلم والتحليل وليس إلى الظن أو الحدس.

الطب الشعوري وعلوم الطاقة: خرافة أم حقيقة؟

انتشرت في السنوات الأخيرة مدارس تدّعي علاج الأمراض الجسدية أو النفسية من خلال "الطب الشعوري"، "الميتا هيلث"، أو "علوم الطاقة". هذه المدارس غالباً ما تخلط بين مفاهيم علمية وروحانية وفلسفية، وتروج لفكرة أن كل مرض سببه صدمة نفسية أو طاقة سلبية.

الحقيقة أن هذه الممارسات لا تستند إلى أي دليل علمي، وكثير من مؤسسيها ليسوا أطباء أو مختصين، وبعضهم تم سحب تراخيصهم أو سجنهم بسبب الأضرار التي تسببوا بها للناس.

كيف نحمي أنفسنا من الوقوع في فخ العلوم الزائفة؟

  • العودة إلى المصادر العلمية الموثوقة: لا تأخذ معلوماتك من أي شخص أو دورة دون التأكد من خلفيته العلمية ومصداقيته.
  • التمييز بين العلم والتجربة الشخصية: ليس كل ما ينجح مع شخص يصلح للجميع، ولا يجوز تعميم التجارب الفردية على أنها حقائق علمية.
  • الحذر من الدورات المدفوعة والممارسات الغامضة: كثير من المدربين يروجون لدورات باهظة الثمن دون محتوى حقيقي، أو يخلطون بين العلم والشعوذة.
  • التمسك بحسن الظن: لا تجعل رغبتك في معرفة نوايا الآخرين تدفعك للظن السيء أو إصدار أحكام مسبقة عليهم.
  • الحفاظ على العقيدة السليمة: احذر من الممارسات التي تروج لأفكار أو طقوس مخالفة للدين، حتى لو تم تغليفها بمصطلحات علمية أو تنموية.

كلمة أخيرة

في زمن كثرت فيه الشبهات وانتشرت فيه العلوم الزائفة، أصبح من الضروري أن نتحلى بالوعي النقدي، وأن نميز بين العلم الحقيقي المبني على الدليل، وبين الخرافة أو الاستغلال. الفراسة، إن وجدت، فهي حكمة وخبرة لا تُباع ولا تُشترى، والطب والعلم لهما أصولهما الواضحة، فلا تغتروا بكل جديد أو غريب.

حافظوا على عقولكم، وعودوا دائماً إلى العلم الصحيح، ولا تجعلوا من أنفسكم ضحايا للوهم أو الاستغلال.

https://www.youtube.com/watch?v=5cPi2PRf8G4

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك