الحذر من بدع "طاقات" العبادات: كيف نحمي إيماننا في زمن الخلط والتشويش؟
في السنوات الأخيرة، انتشرت موجة من الأفكار والممارسات الدخيلة على الدين الإسلامي، تُقدّم تحت مسميات براقة مثل "طاقات الصلاة على النبي"، "طاقات الذكر"،
في السنوات الأخيرة، انتشرت موجة من الأفكار والممارسات الدخيلة على الدين الإسلامي، تُقدّم تحت مسميات براقة مثل "طاقات الصلاة على النبي"، "طاقات الذكر"، "الصلاة النارية"، وغيرها. وغالبًا ما يتم ربطها بشهر رمضان المبارك، مستغلين شغف الناس بالعبادة وطلب القرب من الله في هذا الموسم العظيم. فما حقيقة هذه الدعوات؟ وما موقف الشريعة منها؟ وكيف نحمي أنفسنا وأسرنا من الوقوع في البدع والانحرافات؟
1. بين العبادة الشرعية والابتداع: أين الخلل؟
أصل الإشكال أن بعض الأشخاص أو الجهات يحاولون دمج أفكار وممارسات مستوردة من فلسفات شرقية أو علوم دنيوية بحتة (كفكرة الطاقة الكونية، أو الشاكرات، أو الكارما) مع العبادات الإسلامية، ثم يعرضونها على الناس وكأنها من صميم الدين، بل ويزعمون أن لها أسرارًا خفية أو "طاقات" خارقة.
مثال: يروج البعض لما يسمى "الصلاة النارية" أو "طاقات الصلاة على النبي"، ويحددون لها أعدادًا معينة أو صيغًا مبتدعة، ويعدون الناس بتحقيق الأمنيات أو جلب الرزق أو دفع البلاء، دون أي سند شرعي صحيح.
الحقيقة الشرعية:
- الصلاة على النبي ﷺ عبادة عظيمة، وردت نصوص كثيرة في فضلها، وأفضل صيغها هي "الصلاة الإبراهيمية" كما علمنا النبي ﷺ.
- لم يرد في السنة تحديد أعداد أو صيغ مبتدعة مثل "الصلاة النارية" أو غيرها، ولم يرتبط الأمر بأي طاقات خفية أو أسرار خارقة.
- العبادات في الإسلام توقيفية، أي لا يجوز الزيادة أو النقصان فيها أو اختراع صيغ أو أعداد من عند أنفسنا.
2. خطر الخلط بين الدين والفلسفات الدخيلة
من أخطر ما يواجه المسلم اليوم، أن بعض المدربين أو المتحدثين يخلطون بين المصطلحات الشرعية (كالبركة، والسكينة، والذكر) ومصطلحات الطاقة والفلسفات الشرقية (كالطاقة الكونية، الشاكرات، الكارما...). فيظهر الأمر للناس وكأنه "علم جديد" أو "تطوير للعبادة"، بينما هو في حقيقته تزييف وتشويه للدين.
تنبيه مهم:
العلم التجريبي (كالفيزياء والكيمياء) علم نافع إذا بقي في مجاله، أما أن نلبسه ثوب الدين أو نخلطه بالعبادات فهذا من التدليس المحرم.
3. لماذا تنتشر هذه البدع؟ وما هدف أصحابها؟
- استغلال العاطفة الدينية: المجتمع المسلم عاطفي تجاه الدين، فيسهل التأثير عليه عندما يُقدَّم له أي شيء باسم "العبادة" أو "التقرب إلى الله".
- تسويق الدورات المدفوعة: كثير من هذه الممارسات تُقدَّم في دورات بمقابل مادي، ويُغرر بالناس بوعود كاذبة.
- تغييب العقل والنقد: يُطلب من المتلقي أن يقبل دون سؤال أو بحث عن الدليل، بل أحيانًا يُتهم من يسأل أو يناقش بأنه "ضد الروحانية" أو "عديم المحبة للنبي".
4. كيف نحمي أنفسنا من البدع والانحرافات؟
- الرجوع للكتاب والسنة بفهم العلماء الثقات:
لا نقبل أي عبادة أو ذكر أو دعاء إلا إذا ثبت بدليل صحيح من القرآن أو السنة، أو أقرّه العلماء المعروفون بالعلم والأمانة.
- رفض كل صيغة أو عدد مبتدع:
إذا سمعت عن "صلاة نارية" أو "صلاة الفاتح" أو "أوراد بأعداد معينة" لم تثبت عن النبي ﷺ، فاعلم أنها بدعة.
- عدم الانجرار وراء العناوين البراقة:
لا تغتر بكثرة المتابعين أو شهرة المدرب أو المتحدث. الحق يُعرف بالدليل لا بالشهرة.
- السؤال والبحث قبل التطبيق:
قبل أن تلتزم بأي عبادة أو ذكر أو دعاء، ابحث عن أصلها واسأل أهل العلم.
- الحذر من الخلط بين الدين والفلسفة أو العلم الدنيوي:
الدين له مصادره ومصطلحاته الخاصة، فلا يجوز استيراد مصطلحات من الديانات الوثنية أو العلوم التجريبية ودمجها في العبادات.
5. فضل الصلاة على النبي ﷺ كما علّمنا الشرع
- قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
- قال النبي ﷺ:
"من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا."
- أفضل صيغة:
"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد."
تنبيه:
لا يوجد في السنة صيغة اسمها "الصلاة النارية" أو "الصلاة التفريجية" أو غيرها من الصيغ المبتدعة.
6. البدعة أخطر من المعصية
- المعصية: يعلم صاحبها أنه مخطئ، فيتوب ويرجع.
- البدعة: يظن صاحبها أنه على صواب، فيستمر ويغتر، وربما أفسد غيره.
- قال النبي ﷺ:
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد."
7. رسالة لكل مسلم ومسلمة
- ديننا كامل واضح، لا يحتاج إلى تحديث أو تطوير أو إضافة من فلسفات أو علوم دخيلة.
- احرص على أن تكون عبادتك لله خالصة، كما شرعها الله ورسوله ﷺ.
- لا تجعل العاطفة الدينية بابًا للتغرير بك، بل اجعل عقلك وقلبك معًا في ميزان الحق.
- اسأل وتحقق، ولا تتبع إلا ما ثبت بدليل.
8. ختامًا: رمضان موسم العبادة لا موسم البدع
رمضان شهر القرآن والصلاة والقيام والدعاء والصدقة، لا شهر "طاقات" ولا خرافات.
اجعل شعارك:
"سمعنا وأطعنا" لما جاء عن الله ورسوله، ولا نقبل غير ذلك مهما كان مصدره أو مظهره.
مصادر موثوقة للعلم:
- القرآن الكريم
- السنة النبوية الصحيحة
- كتب العلماء المعتبرين (ابن باز، ابن عثيمين، ابن القيم، النووي وغيرهم)
- سؤال أهل العلم في بلدك أو عبر المواقع الموثوقة
وأخيرًا:
احرص على حماية نفسك وأهلك من البدع، وكن داعية للحق، فالدين أمانة في أعناقنا جميعًا.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
https://www.youtube.com/watch?v=Kihne26CNIA